الإعلام أمام فم الأسد!

يوم 8 نوفمبر 1987 عدتُ إلى الصّحيفة الّتي صدرت قبل يوم – وكانت قد سُحبت مساء ذلك الأمس – أقارن مبتسِما بين صورة الأمس وصورة اليوم. كنت أصغر من أن أفهم الأحجية ولذلك اكتفيت بالابتسامة الهازئة…



الإعلام أمام فم الأسد!

بقلم : صالح رطيبي

 

يوم 8 نوفمبر 1987 عدتُ إلى الصّحيفة الّتي صدرت قبل يوم – وكانت قد سُحبت مساء ذلك الأمس – أقارن مبتسِما بين صورة الأمس وصورة اليوم. كنت أصغر من أن أفهم الأحجية ولذلك اكتفيت بالابتسامة الهازئة.

بعد 14 جانفي 2011 أُلقي بالإعلام أمام فم الأسد. لم يكن ثمّة من مفرّ، إذْ لا ملجأ لنعبر إلى الضّفة الآمنة إلاّ من خلال سفينة صاحبة الجلالة. لا شكّ أنّ الإعلاميّين تحمَّلوا المسؤوليّة كاملة، بل لعلّهم الّذين تجرّؤوا فعلا على دخول المحرقة بلا مساحيق. نعم لقد كان في "أمثولة" ما بين 7 وما بعدها العبرة.

على مدار سنة أثبتت صاحبة الجلالة أنّها ملاذ تونس للعبور إلى الشّمس. مع كلّ يوم كنّا نصدّق أنّ الشّمس باتت أقرب: تغيّرت الألوان وتزيّنت الحروف بالبهجة وأصبح لقهوتنا مذاق مختلف. حتّى صوت فيروز غار وهو يشاهد التّونسيّ يعود إلى صحيفته متلهّفا. وتوالد بالخضراء الورق ممزوجا بالحلم الممزوج بالعرق… أَفكان الحلم أكبر من أطماعهم؟ لا ليس السّادة الحاكمين وحدهم انزعجُوا. لقد انتفض أصحاب الأيديولوجيات المتعفّنة، ومعهم  – وإن في الخفاء – كشَّر ذوي النّوايا العرجاء يصدُحون بالحريّات وفي الخفاء يخنقون الأصوات. صحفيّون يُجبرون على تحبير مقالات بألوان "آمين" وآخرون يضطرّون إلى تزلّف أصحاب الملايين، وكثيرون يحبّرون ضدّ الظّلم والقهر والاستغلال وهم رأس قائمة المدحورين بين من يعمل في "الأسود" وبين من يرضى بالفتات وبين من يطأطئ للإذلال. ليست السّلطة وحدها، بل لعلّ أكثر المتنطِّعين بالدّفاع عن الحقوق والحريّات هم أوّل القاطعين لرؤوس توهّمت أنّها أينعت مرّة واحدة.

تروي الأساطير عن ديكتاتورٍ ما أنّه أمَر يوما قائلا: أوقفوا هذا العقل..كان يقصِد أحدَ المفكّرين الّذين توجَّس منهم خطرا. في تونس اليوم ثمّة الكثير من الأحلام الصّغيرة، ولكن لا يمكنها أن تكبُر طالما هناك الكثير من الشّرهين الّذين استقرّ في أنفسهم أنّهم وحدهم المعنيّون بتقاسم الغنيمة: هم الّذين هنا وهم الّذين هناك أيضا.

تنقّبت يوم الأربعاء 1 فيفري 2012 أغلب صحفنا بالسّواد رفضا للاعتداء والقمع والوصاية. قديما قال أحد الشّعراء، والشّعراء قديما حملوا عبء الخبر:

ومن لم يذد عن حوضه بسلاحه يهدم      ومن لا يظلم النّاس يُظلم

*كاتب وإعلامي

 

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.