بعد أكثر من عام على الثورة التونسية.. أين العدالة الانتقالية؟

لم تنجح الحكومات المتعاقبة في تونس بعد الثورة في إرساء منظومة عدالة انتقالية حقيقية من شأنها إنجاح المسار الانتقالي في البلاد، وفق قول بعض المراقبين…



بعد أكثر من عام على الثورة التونسية.. أين العدالة الانتقالية؟

 

لم تنجح الحكومات المتعاقبة في تونس بعد الثورة في إرساء منظومة عدالة انتقالية حقيقية من شأنها إنجاح المسار الانتقالي في البلاد، وفق قول بعض المراقبين.

 

فرغم إنشاء عديد اللجان وصدور كثير من التشريعات وتعهد المحاكم المدنية والعسكرية بكم هائل من القضايا المتعلقة بالفساد والتجاوزات، إلا أنّ الانطباع العام تسوده قناعة بأنّ أغلب هذه الإجراءات والهياكل والمحاكمات فشلت في رد الاعتبار للمتضريين ومحاسبة المذنبين.

 

شفيق صرصار عضو بلجنة الخبراء بالهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة (سابقا) أكد للمصدر أنّ تعطل محاسبة المذنبين و إعادة الاعتبار للضحايا سيفقد من مصداقية الانتقال الديمقراطي في تونس، وذلك على هامش ندوة عقدت الأربعاء بالعاصمة حول العدالة الانتقالية.

 

وأقرّ صرصار بأنّ هناك غياب للإرادة السياسية في إرساء العدالة الانتقالية، مشيرا إلى تعطل عملية إصلاح منظومتي القضاء والأمن، ووجود تباطؤ في ملف المحاسبة وثغرات في بعض النصوص القانونية المرتبطة بالعدالة الانتقالية.

 

ويشار إلى أنّ أول مرسوم يتعلق بالعدالة الانتقالية تمّ إصداره بعد الثورة في تونس شهر فيفري 2011 ويتعلق بالعفو التشريعي العام الذي أطلق بموجبه آلاف المساجين السياسيين.

 

لكن هذا المرسوم لم يصاحبه إلى حدّ الآن أي مرسوم جديد أو قانون خاص يحدد شروط وآليات تعويض المساجين السياسيين عن المحاكمات الجائرة التي سجلت بحقهم.

 

وصدر المرسوم عدد 40 لجبر أضرار ضحايا الثورة، وتلاه المرسوم عدد 97 المتعلق بتعويض شهداء وجرحى الثورة، لكن هذين التشريعين المبعثرين لم يستجيبا لتطلعات المتضررين من القمع والتجاوزات الأخيرة.

 

فأهالي الضحايا مازالوا ينتظرون تحديد قائمات نهائية بأسماء شهدائهم، كما ينتظرون بقية التعويضات التي تمّ صرف قسط ضئيل منها (20 ألف دينار لكل شهيد و3 ألف دينار لكل جريح).

 

كما تشكلت بعد الثورة لجان تتعلق أحدها بالتقصي حول الفساد والرشوة وتوفي رئيسها عبد الفتاح عمر في ظروف غامضة ومحيرة.  وتهتم لجنة أخرى بالتقصي في التجاوزات ولم تصدر تقريرها بعد، إضافة إلى لجنة المصادر المتعلقة بعقلة ممتلكات الرئيس المخلوع وأقاربه وهي تمرّ منذ مدة بعراقيل وصعوبات كبيرة جدا.

 

ويشير الخبير القانوني شفيق صرصار إلى أنّ ترسانة التشريعات، التي صدرت بعد الثورة وترتبط بمسار العدالة الانتقالية، قد شهدت صدور قوانين لا تتماشى ومقتضيات العدالة الانتقالية مثل المرسوم 106 الذي يتعلق بتنقيح وإتمام المجلة الجزائية.

 

إذ ينصّ الفصل 5 من هذا المرسوم على سقوط الدعوى العمومية الناتجة عن جناية التعذيب بمرور خمسة عشر عاما، وهو ما أثار استنكار العديد من الأطراف لاسيما تلك التي عانت ويلات التعذيب منذ أكثر من 15 عاما.

 

ويقول صرصار في هذا الشأن "التعذيب لا يمكن أن يسقط بهذه السهولة"، مطالبا بتخصيص محور للتعذيب في الدستور الجديد حتى ينص على أن جرائم التعذيب لا يمكن أن تسقط بمرور الزمن، ويلغي مفعول الفصل 5 من مرسوم 106.

 

من جهة أخرى، عرج صرصار على الفصل 24 من القانون المنظم للسلطات العمومية المؤقتة الذي صادق عليه المجلس التأسيسي، والمتعلق بسن قانون أساسي ينظم العدالة الانتقالية ويضبط أسسها ومجال اختصاصها من قبل المجلس التأسيسي.

 

علما أن أعضاء المجلس التأسيسي دخلوا منذ السبت الماضي في عطلة غير محددة بمناسبة المولد النبوي الشريف، رغم أنه كان مبرمجا أن يعقدوا جلستهم الاثنين الماضي.

 

ومن شأن تأخر أعمال المجلس وانكبابهم على صياغة مسودة الدستور ومناقشته أن يؤخر إعداد مشروع قانون ينظم العدالة الانتقالية، وهو ما يضفي مزيدا من البطء في إرساء منظومة العدالة رغم مرور أكثر من عام على الثورة.

 

كما يثير الفصل 22 من القانون المنظم للسلطات المؤقتة إشكالا آخر حول تفعيل العدالة الانتقالية وهي مسألة تتعلق بالقضاء. فقد نص هذا الفصل على صدور قانون أساسي ينشئ بموجبه هيئة وقتية منتخبة تحل محل المجلس الأعلى للقضاء.

 

ولا يعلم متى سيتم بالضبط انتخاب هذه الهيئة التي دار بشأنها جدل كبير في الفترة الماضية بين مرحب للفكرة ومعارض لها. ومن شأن تأخر صدور القانون المتعلق بها أن يراكم العديد من المشاكل العالقة في ميدان القضاء ويؤثر بالتالي على مجرى العدالة الانتقالية.

 

من جهة أخرى، أشارت رئيسة جمعية القضاة القاضية كلثوم كنو إلى وجود بعض الغموض في المرسوم المحدث لوزارة حقوق الانسان والعدالة الانتقالية.

 

وأشارت إلى وجود ضبابية بشأن الفصل الخامس من هذا المرسوم، الذي ينص على صياغة مشاريع قوانين تتعلق بالعدالة الانتقالية بالتشاور مع مكونات المجتمع المدني، لكن من دون أن يحدد آليات هذه المشاورات وكيفية تنظيمها…

 

ولم تخف كنو مخاوفها من أن يكون هذا الفصل مجرد حبر على ورق وأن لا يتم تشريك مكونات المجتمع المدني في صياغة مشاريع قوانين في مجال العدالة الانتقالية.

 

علما أن هناك العديد من الأطراف التي انتقدت ارتباط مجال حقوق الانسان والعدالة الانتقالية بالسلطة التنفيذية، مطالبين بإحداث هيئة مستقلة للحقيقة والعدالة والمصالحة، لإرساء منظومة دائمة ومحايدة تعمل على تكوين منظومة متكاملة للعدالة الانتقالية.

 

خميس بن بريك

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.