تطبيق الشريعة الإسلامية هل يمكن أن يخدم الاقتصاد في تونس؟

بقطع النظر عن علاقتها بالحريات الخاصة وبالحياة الشخصية والاجتماعية، فإن الوقفة الاحتجاجية التي انتظمت الجمعة أمام المجلس الوطني التأسيسي للمطالبة بالاعتماد على الشريعة الاسلامية في سن قوانين البلاد لم تمر دون ان تُخلف تعاليق جدية لدى خبراء الاقتصاد…



تطبيق الشريعة الإسلامية هل يمكن أن يخدم الاقتصاد في تونس؟

 

بقطع النظر عن علاقتها بالحريات الخاصة وبالحياة الشخصية والاجتماعية، فإن الوقفة الاحتجاجية التي انتظمت الجمعة أمام المجلس الوطني التأسيسي للمطالبة بالاعتماد على الشريعة الاسلامية في سن قوانين البلاد لم تمر دون ان تُخلف تعاليق جدية لدى خبراء الاقتصاد.

 

فبعض رجال الاقتصاد يرون أن التطبيق الصارم والمتشدد للشريعة الاسلامية اليوم في تونس قد يؤثر سلبا على الواقع الاقتصادي للبلاد خاصة في المجالات المرتبطة بالسياحة وبالاستثمار الأجنبي وبالمبادلات التجارية وبالخدمات.

 

في حين يرى آخرون أن تطبيق الشريعة الاسلامية في المجال الاقتصادي، خاصة المالي، بات مخرجا تنادي به الدول الغربية لتجاوز أزماتها الاقتصادية.

 

فتونس ليس لها من موارد طبيعية غير مناخ وجغرافيا ملائمين للسياحة وكفاءات بشرية قادرة على ربط أواصر التعاون مع الدول الغربية المتطورة في مجال التعاون الاقتصادي والاجتماعي بشكل يعود بالنفع على البلاد وعلى شعبها وقوانين وضعية متحررة نسبيا تشجع على الاندماج الاقتصادي والاجتماعي مع المحيط الخارجي بكل سهولة وعلى اقتصاد السوق الذي أصبح مطلبا عالميا.

 

أما البلدان العربية التي تستمد أغلب قوانينها الوضعية من الشريعة الاسلامية (على غرار أغلب دول الخليج العربي)، فإنها لا تعتمد كثيرا على التفتح على الخارج من الناحيتين الاقتصادية والاجتماعية لأنها تعول في اقتصادها على الموارد البترولية الهامة التي تزخر بها أراضيها بشكل يجعلها في موقع قوة باستمرار وقد لا تحتاج لذلك التفتح على الخارج لتحقيق النمو الاقتصادي وتكتفي فقط ببيع منتوجاتها البترولية لتحقيق كل ما ترغب فيه.

 

وإذا كانت تونس قد نجحت طيلة الـ 50 سنة الماضية  في اكتساب ثقة اقتصادية كبرى من الدول المتقدمة، لا سيما الاتحاد الاوروبي، فإن الفضل في ذلك يعود إلى انفتاحها على الخارج بفضل ما توفره قوانينها الوضعية من تحرر اقتصادي وانفتاح ومنح الثقة للمستثمر الأجنبي، فضلا عن الانفتاح الانساني والاجتماعي للتونسيين على الخارج.

 

ويقول خبير اقتصادي أن هشاشة الاقتصاد التونسي قد تتفاقم أكثر إذا ما تم التخلي عن القوانين الحالية أو المزمع اتخاذها وتعويضها بقوانين مستمدة بكل صرامة من الشريعة الاسلامية.

 

ومن أول القطاعات التي يمكن أن تتأثر بسهولة نجد قطاع السياحة الذي يمثل أحد أسس اقتصاد تونس.

فالسياح تعودوا طيلة السنوات الماضية المجيء بأعداد مرتفعة إلى بلادنا لينعموا بعطلهم  بكل حرية (حرية اللباس- حرية المأكل والمشرب – حرية المعتقد – حرية التنقل والتجوال.. وطبعا كل هذا في حدود) بعيدا عن الضغوطات والمخاوف التي قد تُثار داخلهم لسبب من الاسباب، وهذا ما يحبذه كل سياح العالم.

 

فإذا ما تم التخلي عن هذه الحرية وراحة البال، من خلال فرض قيود معينة على السياح عند تواجدهم في تونس (وفق ما ستقتضيه القوانين المنقولة بحذافرها عن الشريعة الاسلامية)، فإن توافدهم عليها سيتقلص تدريجيا وقد ينعدم تماما وتخسر البلاد بذلك أهم رافد من روافد اقتصادها.

وهذا ينطبق أيضا على المستثمر الأجنبي الذي عادة ما يحبذ – عند التواجد في تونس – الحرية في حياته الخاصة (في حدود).

 

ومن جهة أخرى، يجدر التساؤل عند الحديث عن الشريعة الاسلامية عن القطاع المالي والبنكي. فتونس تعودت منذ عشرات السنين على النظام البنكي والمالي الحر الذي تعمل به شتى دول العالم . في حين تعتمد دول عربية على نظام الصيرفة الاسلامية المستمد من الشريعة الاسلامية.

 

ورغم ما لهذه الاخيرة من مزايا إلا أن السعي إلى فرضها كليا الآن في القطاع البنكي التونسي – بعد 50 سنة من النظام المعمول به الآن –  قد يدخل بلبلة على القطاع وعلى المتعاملين الاقتصاديين ويجعل البلاد تمر بوضع اقتصادي صعب ليست في حاجة إليه اليوم.

 

ويضيف خبراء الاقتصاد أيضا أنه بعيدا عن السائح والمستثمر الأجنبي، فإن المواطن التونسي في حد ذاته قد يتأثر – من الناحية الاقتصادية – بالتطبيق الصارم والمتشدد لتعاليم الشريعة الاسلامية.

 

ففرض قيود جديدة على التونسي اليوم، بعد أكثر من نصف قرن من التحرر والحرية قد يجعله ينكمش اقتصاديا، فتموت فيه روح المبادرة والحماس إلى العمل ويصبح منشغلا بمصيره أو بمصير عائلته ان هو خالف تعاليم الشريعة المتشددة.

 

وبالنسبة لشق آخر من الاقتصاديين فإن تطبيق تعاليم الشريعة الاسلامية لا يتنافى مع المرحلة التي بلغها الاقتصاد التونسي اليوم بل هي ستُدعمه وستزيد في قوته خاصة أن دولا غربية اليوم تطالب بتطبيق قواعد اقتصادية اسلامية خاصة في المجال البنكي والمالي.

 

وتدعو أطراف عديدة اليوم في العالم الغربي إلى تطبيق الشريعة الإسلامية كحل مؤكد للخروج من الأزمات المالية التي تهدد بانهيار أسواق المال العالمية، بعد الأزمة الاقتصادية الخطيرة التي هزت أمريكا وأوروبا.

 

وكانت الهيئة الفرنسية العليا للرقابة المالية – وهي أعلى هيئة رسمية تعنى بمراقبة نشاطات البنوك – قد اتخذت في وقت سابق قرارًا يقضي بمنع تداول الصفقات الوهمية والبيوع الرمزية، التي يتميز بها النظام الرأسمالي، واشتراط التقابض في أجل محدد بثلاثة أيام لا أكثر من إبرام العقد، وهو ما يتطابق مع أحكام الفقه الإسلامي.

 

كما سبق أن ذكر تقرير صادر عن مجلس الشيوخ الفرنسي أن النظام المصرفي الإسلامي مريح للجميع، مسلمين وغير مسلمين، ويمكن تطبيقه في جميع البلاد، فضلاً عن كونه يلبي رغبات كونية.

 

بين هذين الموقفين تختلف الرؤى حول اعتماد الشريعة الاسلامية كمصدر قوانين في المجال الاقتصادي وأكيد أن تونس اليوم في حاجة عاجلة إلى انقاذ اقتصادي شامل يمر أولا بإعادة الامن والاستقرار للبلاد لتدور العجلة الاقتصادية وثانيا بتوفير مزيد من التنمية بالمناطق الداخلية ومن مواطن الشغل المتنوعة  وثالثا بالضغط على تكاليف المعيشة والترفيع من المداخيل.

 

وأكيد أن التونسي لا يمكنه بأي حال من الأحوال رفض هذه المكتسبات إذا ما تحققت له وذلك مهما كان مأتاها ومهما كان مصدر القوانين المعتمدة لتحقيقها.

 

وليد بالهادي

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.