من جمهور الشريعة إلى جمهور الاستقلال.. من يكسب الشارع يكسب الدولة!

تشارك الثلاثاء عددا من الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني بمناسبة الذكرى 56 لعيد الاستقلال في مسيرة بشارع الحبيب بورقيبة وسط العاصمة من أجل التأكيد على مدنية الدولة وعلوية القانون والدفاع عن الحرية والاعتدال…



من جمهور الشريعة إلى جمهور الاستقلال.. من يكسب الشارع يكسب الدولة!

 

تشارك الثلاثاء عددا من الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني بمناسبة الذكرى 56 لعيد الاستقلال في مسيرة بشارع الحبيب بورقيبة وسط العاصمة من أجل التأكيد على مدنية الدولة وعلوية القانون والدفاع عن الحرية والاعتدال.

وستضم المسيرة بالخصوص الأطراف المحسوبة على التيارات الوسطية أو ما يطلقون على أنفسهم بالحداثيين ولكنها ستضم كذلك عدة حركات ومنظمات مدنية من بينها "تحالف نساء تونسيات" و"كلنا تونس".

ويأتي الاحتفال هذا العام بذكرى الاستقلال بالتزامن مع موجة المشاعر الوطنية التي هزت التونسيين مؤخرا بعد الحادثة المسيئة للعلم على أيدي شبان سلفيين بكلية الآداب بمنوبة. وهي حادثة أعادت تعريف العلاقة المتينة بين التونسيين وهذه الراية التي تختزن جزءا من الذاكرة الوطنية وتلخص جانبا من الموروث الثقافي والحضاري لكل التونسيين.

ولكن تأتي المسيرة التي ستجوب شارع الحبيب بورقيبة وسط العاصمة، أيضا بعد أيام قليلة من المسيرة التي قادتها التيارات السلفية واجتذبت الآلاف من أنصارها أمام المجلس الوطني التأسيسي يوم الجمعة 16 مارس من أجل المطالبة بتطبيق واعتماد الشريعة الإسلامية كمصدر أساسي ووحيد للدستور الجديد للبلاد.

وتكشف هذه الدعوة المثيرة للجدل عن مخاوف جزء هام من المجتمع التونسي من اختطاف ممنهج للهوية التونسية التي دأبت على التسامح والاعتدال ومن نسف الحريات والمطالب الاجتماعية والاقتصادية الأساسية التي قامت لأجلها ثورة 14 جانفي 2011.

وبالنسبة للأطراف المشاركة في المسيرة فإن تاريخ 20 مارس اليوم يتجاوز مجرد ذكرى للاحتفال بالاستقلال الوطني إلى مناسبة رمزية للتمسك بمفهوم الدولة الحديثة التي تأسست على مبدأ الفصل بين الدين والسياسة وعلى القوانين المدنية التي تنظم العلاقات الاجتماعية وتكرس حقوق المرأة بغض النظر عن انحرافات النظام السياسي والسلطة لاحقا.

وجاء في بيان "تحالف نساء تونسيات من اجل المساواة والمواطنة" أن المسيرة يوم الثلاثاء ستكون مناسبة للتعبير عن حب التونسيات لتونس وعن تقديس الوطن الذي ناضلت من أجله أجيال من التونسيين والتونسيات.

ودعا البيان كافة التونسيين والتونسيات على اختلاف انتماءاتهم السياسية والفكرية للنزول إلى الشارع من أجل إحياء شعارات ثورة 14 جانفي حين خرج الشعب التونسي بكل أطيافه نساء ورجالا للمطالبة بالكرامة والمساواة والتشغيل وبعلوية القانون ومبادئ وحقوق الإنسان كما دعا نفس البيان الحكومة المؤقتة لتحديد موعد للانتخابات الرئاسية والبرلمانية القادمة.

وقالت أيضا "حركة كلنا تونس" التي دعت بدورها إلى تعبئة جماهيرية الثلاثاء في بيان لها إن "يوم 20 مارس هو احتفال بتاريخ تونس بأمجاده وأخطائه، بكل ما صنع هويتنا التونسية التي نحملها بكل فخر واعتزاز. هذه الهوية التي تغذت بعقود من التاريخ وبكل مكوناتنا الحضارية، المتجذرة في عروبتها و إسلامها، المتميزة بخصوصياتها والمنفتحة على ثقافات الإنسانية والفكر التقدمي والحداثي".

وأضافت "حركة كلنا تونس" أنه "لا يحق لنا أن ننسى أن الثورة وليدة شرخ اجتماعي ومن المؤسف أننا نشاهد اليوم محاولات بث الانقسام بين أبناء الشعب الواحد وخلق شرخا إيديولوجيا مفتعلا في حين تحقيق أهداف الثورة بات آخر الاهتمامات".

وفيما تأمل التيارات المشاركة في هذه المسيرة إلى حشد أكثر ما يمكن من أنصارها بهدف الرد على مسيرة السلفيين الحاشدة ليوم الجمعة فإن المتابعون يخشون من أن يتحول النقاش على أمهات القضايا الوطنية من قبة التأسيسي إلى الشارع أين يبدأ ما يشبه جس النبض أو الاستفتاء الضمني على المشاريع مطروحة من قبل الأطياف السياسية في البلاد في وقت يحتاج فيه صياغة الدستور، وهي المهمة الأولى للمجلس الوطني التأسيسي، إلى توافق عام وليس إلى تنازع المشاريع.

ويبدو أنه لا مفر من فكرة التعبئة بالنسبة للأحزاب اليسارية والوسطية بشكل عام طالما أن الأحزاب الإسلامية بما في ذلك السلفية قد حققت نجاحا مدويا إلى حد الآن في الشوارع من خلال سهولة تعبئة جمهور المساجد كل يوم جمعة.

ولكن إذا كانت الأحزاب الإسلامية قد وجدت ضالتها في المناسبة الدينية الأسبوعية (صلاة الجمعة) لتحفيز همم أنصارها فإن الأحزاب اليسارية والوسطية، وفي ظل افتقادها لهذه الميزة باستثناء بعض المناسبات الوطنية المتباعدة،  لن يبقى لها من حل سوى تقوية جبهاتها والعمل على التعريف بجدية برامجها وتسويق خطابها خارج الإطار الضيق للنخبة.

بهذه الطريقة فقط يمكن كسب الشارع، ليس على أسس مناسباتية وإنما أسس تعاقدية.

طارق القيزاني

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.