نحو إحداث هيئة جديدة لمقاومة الفساد وإعداد تصور جديد لدمج كل اللجان المختصة في المصادرة

من أهم الشعارات التي تم رفعها خلال ثورة تونس هي إسقاط دولة الفساد نظرا لكون هذا الداء قد نخر البلاد وخرّب الاقتصاد الوطني لأكثر من 20 سنة في عهد الرئيس السابق. وقد استفحل هذا السرطان الخطير وصار من الصعب …



نحو إحداث هيئة جديدة لمقاومة الفساد وإعداد تصور جديد لدمج كل اللجان المختصة في المصادرة

 

من أهم الشعارات التي تم رفعها خلال ثورة تونس هي إسقاط دولة الفساد نظرا لكون هذا الداء قد نخر البلاد وخرّب الاقتصاد الوطني لأكثر من 20 سنة في عهد الرئيس السابق. وقد استفحل هذا السرطان الخطير وصار من الصعب استئصاله في ظرف وجيز بدليل اعتراف العديد من الخبراء والمسؤولين بتواصل الفساد والرشوة حتى بعد الثورة وهناك من يرى أن هذا الداء الخطير تفاقم بعد الثورة بشكل مخيف.

 

إن مسألة تقصّي الحقائق حول الرشوة والفساد هي من المواضيع الجوهرية وأصبحت من المطالب الشعبية في تونس وتطرح نفسها بإلحاح في ظل البطئ الحاصل في معالجة الملفات المتصلة بهذا المجال.

 

وسعيا إلى الاستجابة إلى هذا المطلب الشعبي أحدثت الحكومة المؤقتة وزارة لمقاومة الفساد والحوكمة شرعت في جمع المعطيات اللازمة للتشخيص الدقيق لواقع الفساد في كل من القطاعين العمومي والخاصّ كشرط ضروري لإرساء قواعد الحوكمة الرشيدة وقيم النزاهة.

 

ومن ضمن الأعمال التي قامت بها الوزارة بلورة تصور حول إحداث هيئة جديدة لمقاومة الفساد، ستتمتع بالاستقلالية من جهة وتُشرّك القضاء في أعمالها التحقيقية من جهة أخرى ممثلين في قلم التحقيق نيابة عمومية لا تخضع إلى سلطة وزير العدل.

 

وهذا المشروع بصدد الدرس على مستوى رئاسة الحكومة. والمؤمّل أن يتمّ إقراره قريبا حتى تبدأ الهيئة المذكورة في التحقيق في ملفات الفساد المتراكمة علما وأنّ الهيئة المقترحة لا تمثل إلغاء للهيئة المنصوص عليها بالمرسوم عدد 120، بل هي تعديل لها وتحسين لتركيبتها ووظيفتها وفاعليتها.

 

كما ستضم هذه الهيئة ممثلين عن المجلس الوطني التأسيسي ومكونات المجتمع المدني والهيئات والمنظمات الوطنية والأطراف المهنية والجمعيات الناشطة في المجال لغرض تقديم الاقتراحات والتوصيات الرامية إلى بحث السبل الكفيلة بتكريس الحوكمة الرشيدة والقضاء على الفساد بكل أنواعه وأشكاله في المجتمع التونسي.

وجدير بالتذكير أن الهيئة الوطنية الجديدة التي تم إحداثها والتي ستعوض اللجنة السابقة حصل حولها جدل قانوني وتشريعي كبير من ذلك أنها لا تندرج في إطار مبادئ العدالة الانتقالية وتم تكوينها بطريقة تمس صلاحيات السلط القضائية وأن نصوصها وفصولها تجعلها فوق المؤسسات.

ولتجاوز هذا الإشكال تم اقتراح إحداث الهيئة الجديدة المُشار إليها سابقا بحيث تكون مستقلة تشارك فيها جميع مكونات المجتمع بما في ذلك القضاء ممثلا في نيابة عمومية متخصصة تعمل بمعزل عن وزارة العدل أي دون أن تخضع لسلطة وزير العدل.

 

أما بالنسبة إلى بقية اللجان الأخرى وهي لجنة المصادرة ولجنة التصرف على مستوى وزارة المالية ولجنة استرجاع الأموال المنهوبة والمُهرّبة إلى الخارج على مستوى البنك المركزي التونسي فإن هناك تصور جديد اقترحته وزارة مقاومة الفساد والحوكمة.  وتعكف الحكومة على دراسته وهو يهدف إلى توحيد كل اللجان في إطار قانوني معين في مستوى رئيس الحكومة يتعهّد بالإشراف على أعمالها والتنسيق بينها ودعمها تحقيقا للنجاعة والفاعلية وضمانا للإسراع في إنجاز مهامها.

 

وفي مستوى آخر ستعمل الحكومة أيضا على رفع التحفظات من الاتفاقية الأممية المتعلقة بمقاومة الفساد لسنة 2003 والتي صادقت عليها تونس في سنة 2008، وقد أعدت الوزارة في ذلك مشروع قانون سيُعرض على المجلس الوطني التأسيسي حالما يُوافق عليه مجلس الوزراء.

 

مهدي الزغلامي

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.