تعيين ” النهضاويين ” في مفاصل الإدارة : المواطن خائف من تكرار تجربة التجمع .. والحكومة خائفة من” إدارة معارضة “

كثر الحديث في المدة الأخيرة عن التعيينات الجديدة للمسؤولين وللموظفين بالإدارة التونسية والتي يقول كثيرون إنها أصبحت تتم بناء على الولاء والانتماء لأحزاب الترويكا الثلاثة، لا سيما النهضة…



تعيين " النهضاويين " في مفاصل الإدارة : المواطن خائف من تكرار تجربة التجمع .. والحكومة خائفة من " إدارة معارضة "

 

 

كثر الحديث في المدة الأخيرة عن التعيينات الجديدة للمسؤولين وللموظفين بالإدارة التونسية والتي يقول كثيرون إنها أصبحت تتم بناء على الولاء والانتماء لأحزاب الترويكا الثلاثة، لا سيما النهضة.

وتواجه حكومة حمادي الجبالي انتقادات لاذعة مع كل عملية تعيين مسؤول جديد في المناصب العليا والحساسة آخرها ما حصل بمناسبة تعيين ولاة جدد بزغوان، و نابل، والمنستير ومدنين والكاف.

ويطرح هذا الواقع جدلا بين موقفين، الاول يقول إن للحكومة الحق في تعيين مسؤولين موالين لها ولتوجهاتها وخياراتها حتى تقدر على تنفيذ سياساتها دون عراقيل من أي طرف.

بينما ينتقد الموقف الثاني هذا التوجه من الحكومة الحالية ويقول إنه لا بد من تطبيق مبدأ حياد الإدارة وعدم الخلط بين الحزب والدولة وعدم الزج بالموظفين السامين للدولة وبالمسؤولين الاداريين وبالمسؤولين الجهويين والمحليين في المعارك السياسية الضيقة والحسابات الحزبية.

 لا للتعينات حسب الولاءات
تقول الانتقادات الموجهة للحكومة في هذا المجال أن أغلب التعيينات بالمفاصل الكبرى للإدارة التونسية طيلة 100 يوم من عمل الحكومة جاءت مخالفة لمبدأ الفصل بين الحزب والدولة وأنها تمت بناء على انتماء المسؤول لحزب من الاحزاب الثلاثة الحاكمة وولائه له، وتوجه أغلب أصابع الاتهام في هذا المجال لحركة النهضة.

وتشغل الإدارة التونسية اليوم 583 ألف موظف عمومي من بينهم 25 ألفا في الجماعات المحلية، وحوالي 170 ألف في المنشآت العمومية.

وطيلة فترة حكم بن علي عانى التونسيون من اصطباغ إداراتهم بلون التجمع الدستوري الديمقراطي إلى درجة أن المواطن أصبح بدوره مجبرا على الانتماء لهذا الحزب حتى يقدر على قضاء شؤونه أمام الإدارة.

كما تسبب ذلك في تعطيل كلي للعمل التنموي بالجهات باعتبار أن المسؤولين الجهويين والمحليين كان همهم الوحيد خدمة حزب التجمع وليس الجهة، وكذلك الشأن بالنسبة لإدارات مركزية هامة لم يشهد عملها أي تطور لأنها كانت مرتبطة بشدة بالتجمع.

واليوم أصبح الخوف كل الخوف لدى شق هام من التونسيين ان يتواصل هذا المشهد وأن لا يحصل أي انفصال بين الحزب والدولة فيتواصل اهتمام المسؤولين على الصعيدين المركزي والجهوي بالنشاط الحزبي وينسوا بذلك مهامهم الأصلية لا سيما تحقيق أهداف الثورة التي أوصلتهم إلى تلك المناصب.

ويطالب أحزاب المعارضة وكذلك شق كبير من المواطنين اليوم بإعادة النظر في عدد من التعيينات الأخيرة التي تمت سواء بالإدارات المركزية أو بالمؤسسات العمومية أو بالإدارات الجهوية والجماعات المحلية.

ويرون ان التعيين يجب أن يتم على أساس الكفاءة والقدرات العلمية وغيرها دون النظر إلى الانتماء الحزبي مع تحميل الموظف كل المسؤولية إن هو أخفق في مهمته أو تعمد عرقلة عمل وتوجهات الحكومة.

وطالبت أحزاب سياسية في الفترة الأخيرة بضرورة التخلي عن هذا التوجه من الحكومة في التعيينات  خاصة الاعتماد على الولاء والانتماء الحزبي أو على القرابة العائلية والدموية و المصاهرة.

كما دخل نواب المجلس التأسيسي على الخط وانتقدوا أداء الحكومة في هذا المجال وحذروا من امكانية تسببه في احتقان شعبي في عدة مناطق بما يهدد الاستقرار الأمني والاجتماعي الذي يعمل الجميع على تحقيقه.

حق الحكومة
منذ يومين نفى الوزير لدى رئيس الحكومة، المكلف بالإصلاح الإداري، محمد عبو، وجود تعيينات في الوظيفة العمومية ذات خلفيات سياسية، مؤكدا التمسك في اختيار المسؤولين الإداريين "بشروط النزاهة والكفاءة وعدم التورط مع النظام السابق" وذلك ردا على انتقادات النقابة الوطنية لمستشاري المصالح العمومية، التي رأت أن بعض التعيينات الأخيرة في وظائف إدارية عليا على المستويين المركزي والجهوي "ارتكزت أساسا على ولاءات حزبية" بما يتنافى حسب قولها "مع ضرورة تكريس مبدأ حياد الإدارة".

وبخصوص التعيينات الأخيرة في سلك الولاة أفاد عبو بأن منصب الوالي لا يعتبر في ظل القوانين الجاري بها العمل منصبا إداريا وإنما هو منصب سياسي بالأساس بما يعني أنه "مطالب بتنفيذ سياسة الحكومة لا إعاقتها".

وكان علي العريض وزير الداخلية قد ذكر في جلسة حوار بالمجلس الوطني التأسيسي الأسبوع الماضي أن التعيينات الأخيرة جاءت متماشية مع روح وأهداف ثورة الحرية والكرامة بما أن التغيير يتطلب تعيين مسؤولين جدد حتى يعملوا على تحقيق أهداف الثورة.

وفي ما يخص التعيينات في الجهات قال العريض إنّ العمدة والمعتمد والوالي يمثلون الدولة وينفذون سياسة الحكومة. ومطلوب منهم أن يكونوا أكثر الأشخاص حيادا في التعاطي مع المواطنين ومع التشكيلات سواء كانت حزبية أو نقابية أو اجتماعية.

ولا يعني ذلك أن لا يكون له أي انتماء إنّما المطلوب منه أن يفرّق بين واجبه ممثلا للصالح العام ويجسم سياسة الحكومة ويتعامل مع المواطنين على حد السواء، وينفصل عند ممارسة مهامه عن البرامج الحزبية الخاصة، وعندما ينشط في حزبه ويحضر جلساته فله ذلك.

ويُفهم من كلام عبو والعريض ان الحكومة الحالية لا تعتمد في تعييناتها إلا على الكفاءات لكن شريطة ان تكون هذه الكفاءات قادرة على تنفيذ السياسة التي تحددها الحكومة وليس أية سياسة أخرى، وهذا ينطبق على الصعيدين المركزي والجهوي .

وفي الواقع، تجد الحكومة كل المبررات لهذا التوجه خاصة عندما تقول إن مسؤولا جهويا أو مركزيا رفض تنفيذ توجهاتها وبرامجها وعرقلها فعجزت بذلك عن تنفيذ المطالب الشعبية خاصة في الجهات.

وفي هذه الحالة ستحشد آراء كثيرة تساندها وتمنح لها الضوء الأخضر لتعيين من تراه صالحا بسياستها وبتوجهاتها، خاصة أن جل المواطنين ينتظرون إلى اليوم تحقيق عدة مطالب اجتماعية وتنموية وغيرها، فلن يعارضوها في ما تقرره بالنسبة للتعيينات حتى تقدر – وفق ما تقوله – على تلبية مطالبهم.

الانتقادات اللاذعة الموجهة لحكومة الجبالي في ما يتعلق بالتعيينات الأخيرة في المناصب العليا والحساسة والمفصلية بالإدارة التونسية لن تتوقف بكل تأكيد. لكن من جهة أخرى فإن الحكومة ستحاول بكل الطرق الدفاع عن مصالحها بالقول إنه لا توجد حكومة واحدة في العالم تسمح بانتصاب إدارة معارضة لها.

وليد بالهادي 

 

 

 

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.