هل أخطأت وزارة الداخلية حين منعت التظاهر بشارع بورقيبة؟

الأحداث التي شهدتها العاصمة تونس الاثنين طرحت وراءها جدلا واسعا حول قرار وزير الداخلية منع التظاهر بشارع بورقيبة. فبعض المواقف تقول إن القرار مُجانب للصواب لعدة اعتبارات في حين يرى …



هل أخطأت وزارة الداخلية حين منعت التظاهر بشارع بورقيبة؟

 

الأحداث التي شهدتها العاصمة تونس الاثنين طرحت وراءها جدلا واسعا حول قرار وزير الداخلية منع التظاهر بشارع بورقيبة. فبعض المواقف تقول إن القرار مُجانب للصواب لعدة اعتبارات في حين يرى آخرون أن القرار سليم ويهدف لخدمة المصلحة العليا للبلاد قبل أية مصالح ضيقة أخرى.

بعض الملاحظين في تونس يرون أنه لو لم يكن هناك قرار في منع التظاهر بهذا الشارع لما آلت الأمور إلى ما آلت إليه يوم الاحتفال بعيد الشهداء (9 أفريل) من تبادل للعنف بين المتظاهرين وقوات الأمن بذلك الشكل المؤلم والدامي إلى درجة وصف ذلك اليوم بـ"اليوم الأسود".

وحسب هذا الرأي فإن القرار الذي اتخذه وزير الداخلية يوم 28 مارس الماضي بمنع المظاهرات في الشارع الرئيسي للعاصمة زاد في نشر حالة الاحتقان لدى التونسيين وفي شعور لديهم بعودة القمع الذي طالما مارسه نظام بن علي على الشعب.

الشارع الرمز.. في قلوب الجميع

من الناحية المعنوية والنفسية يرى كثيرون أن شارع بورقيبة تحول منذ أيام الثورة التونسية لا سيما منذ يوم 14 جانفي 2011 إلى "ملك للشعب" لتمارس فيه كل أطياف المجتمع (سياسيون – أحزاب – مجتمع مدني – عاطلون عن العمل –

 

فقراء – فنانون –رسامون …) كل أشكال حرية التعبير والرأي في حدود احترام الآخر وفي حدود المحافظة على الأمن العام والممتلكات العامة والخاصة.

ويرون أنه المكان المناسب لتبليغ أصواتهم بحكم احتوائه وزارة سيادية (وزارة الداخلية) وأيضا بحكم تهَيُّئه من الناحية الجغرافية إلى احتواء أعداد هامة من الجماهير في وقت واحد وكذلك بعد أن تحول إلى رمز للمطلبية وللاحتجاج كلما أراد البعض تبليغ نداء أو طلب للسلطة.

وهذا ما حدث أكثر من مرة على امتداد أكثر من 15 شهرا، حيث شهد الشارع عدة مسيرات ومظاهرات وفي كل مرة تمر الأمور بسلام عدا بعض التجاوزات التي تحدث في كل التظاهرات في العالم. بل أكثر من ذلك فإن الشارع شهد خلال الأيام الأخيرة لحكم بن علي عدة مسيرات ومظاهرات ولم يقع منعها أو قمعها.

فشارع بورقيبة في نظرهم اكتسب رمزية تاريخية قلّما اكتسبها أو سيكتسبها في المستقبل مكان آخر في تونس، بما أنه شهد يوما عظيما وهو سقوط نظام الاستبداد وهروب رموزه (بن علي وعائلته) إلى الخارج.

والدليل أنه يوجد شارع آخر قادر من الناحية الجغرافية على احتواء مسيرات وتظاهرات كبرى وهو شارع محمد الخامس، ومسموح التظاهر فيه، لكنه يبقى مكانا "باردا" في نظر التونسيين ولا يبلغ درجة شارع بورقيبة في الرمزية  وفي القرب من القلوب وفي "حرارة " التظاهر.

ويرون أن الشارع شأنه شأن ميدان التحرير في القاهرة والساحة الخضراء في طرابلس لا بد أن يبقوا رموزا أبدية لثورات الربيع العربي.

ومما لا يمكن التشكيك فيه تماما هو أن الارتباط المعنوي بين التونسيين وهذا الشارع عظيم، بمن فيهم  أولئك الذين لم يحضروا يوم 14 جانفي أو حتى الذين لم يدخلوه أصلا ويكتفون في كل مرة بمشاهدته عبر التلفزة. فمشاهد ذلك الشارع يوم هروب بن علي ما زالت إلى اليوم تبكي كثيرين وتجعلهم يتمنون عودة التاريخ إلى الوراء حتى يعيشوا ذلك اليوم مرة أخرى.

قانوني؟

قرار منع التظاهر بشارع بورقيبة اتخذه وزير الداخلية يوم 28 مارس الماضي على خلفية أحداث عنف  جدت خلال تنظيم تظاهرتين في اليوم نفسه بهذا الشارع، الأولى لتيارات دينية نادت بتطبيق الشريعة في القانون التونسي والثانية للمسرحيين خلال الاحتفال بالعيد العالمي للمسرح، وقد لاقت وزارة الداخلية انتقادات واسعة آنذاك بسبب الترخيص في التظاهر لطرفين مختلفين.

ويرى كثيرون أن وزارة الداخلية تتحمل مسؤولية ما حصل في ذلك اليوم بما أنها رخصت لمسيرتين في اليوم نفسه، وبالتالي عليها تحمل تلك المسؤولية بمفردها وليس بتحميل التونسيين عبء خطئها فتمنع التظاهر على الجميع في ذلك الشارع.

ومن حيث الشكل يرى حقوقيون ان قرار منع التظاهر ليس من اختصاص وزير الداخلية بل من اختصاص الوالي. كما يرون أن القرارمناف لمبدأ حرية التظاهر السلمي التي يضمنها القانون التونسي وأنه يدخل في إطار الحد من الحريات العامة، ويمكن بالتالي الطعن فيه.

ويعبر المناهضون لهذا القرار عن استغرابهم من تعلل وزارة الداخلية بأن منع التظاهر هو لحماية مصالح التجار وأصحاب المحلات العامة والخاصة في هذا الشارع في حين انها تسمح بالتظاهر في بقية الشوارع والأنهج القريبة منه والمتفرعة عنه وكأن هذه الشوارع والأنهج ليس بها تجار ومحلات قد تتضرر من المظاهرات والمسيرات.

ويقولون بالتالي انه من هذه الزاوية كان على القرار أن يمنع التظاهر في كل أنهج وشوارع العاصمة وليس الاقتصار فقط على شارع بورقيبة، لذلك فهو غير سليم من هذه الناحية ويمكن الطعن فيه أيضا.

ويذهب حقوقيون إلى القول أن قرار منع التظاهر غير سليم بالمرة من الناحية القانونية بما أن التنظيم المؤقت للسلط العمومية ينص على أن الحد من الحريات (مثلا منع التظاهر) يكون عبر قوانين وليس عبر مقررات وزارية، وبالتالي لا بد أن يكون منع  التظاهر في شارع بورقيبة بواسطة قانون حتى يكون ساري المفعول في نظرهم وإلا أصبح قرارا باطلا يمكن الطعن فيه.

احترام ..وحوار 

خلال تصريحات إعلامية لوزير الداخلية ولبعض مسؤوليه، يُفهم من كلامهم أن قرار منع التظاهر بشارع بورقيبة وقتي ويمكن التراجع فيه في أية لحظة لكن هذا التراجع لا بد أن يكون بالحوار بين الوزارة والمجتمع المدني والتيارات السياسية وليس بالتصعيد والعنف.

فحسب وزير الداخلية، كان على مختلف الأطياف السياسية والحزبية وغيرها التي شاركت في مظاهرات الاثنين احترام قرار وزير الداخلية وذلك بالامتناع عن الدخول إلى شارع بورقيبة في مرحلة أولى ثم يقع المرور في مرحلة ثانية إلى الحوار وبذلك يمكن التوصل – بعيدا عن كل أشكال العنف – إلى حل يرضي كل الأطراف بما في ذلك الأطراف التي تقول وزارة الداخلية أنها تشتكي من تعدد المظاهرات بهذا الشارع (أصحاب المحلات ).

ومهما يكن من أمر فإن ما يمكن قوله هو ان تونس ليست في حاجة الآن إلى مثل هذه المزايدات إذ توجد مسائل أخرى أهم بكثير وتنتظر حلولا جذرية لها لا سيما المسائل الاقتصادية والاجتماعية ولا بد أن يبقى التظاهر السلمي حقا مسموحا به لكل التونسيين وفي أي شبر من أرض الوطن شريطة أن يكون في حدود القانون واحترام الغير.

وليد بالهادي

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.