المستشار الجبائي محمد صالح العياري للمصدر: الميزانية التكميلية… تمخض الجبل فولد فأرا!

على هامش مناقشات المجلس الوطني التأسيسي خلال هذه الأيام لمشروع قانون المالية التكميلي لسنة 2012 فصلا فصلا التقينا بالمستشار الجبائي محمد صالح العياري وطرحنا عليه بعض …



المستشار الجبائي محمد صالح العياري للمصدر: الميزانية التكميلية… تمخض الجبل فولد فأرا!

 

على هامش مناقشات المجلس الوطني التأسيسي خلال هذه الأيام لمشروع قانون المالية التكميلي لسنة 2012 فصلا فصلا التقينا بالمستشار الجبائي محمد صالح العياري وطرحنا عليه بعض الأسئلة المتعلقة بموقفه كخبير في الجباية فيما تضمنه المشروع التكميلي من إجراءات والهنات ونقاط الضعف الواردة به، علاوة على مستوى النقاش العام من طرف أعضاء المجلس الوطني التأسيسي. وكان الحوار التالي:

 

1) كيف تقيّمون مشروع قانون المالية التّكميلي لسنة 2012؟

 

لقد علّق التّونسيون كلّ آمالهم على قانون المالية التّكميلي لسنة 2012 وذلك بعد الخيبة الّتي منّوا بها إثر صدور قانون المالية الأصلي لسنة 2012، نظرا للفترة الانتقالية بين حكومة السّبسي وحكومة التّرويكا. وتهاطلت العهود من قبل الحكومة الحالية بحلّ العديد من المشاكل المتعلّقة بخلق مواطن الشّغل ودفع الإستثمار والحدّ من الفوارق الاجتماعية والنّهوض بمناطق التّنمية الجهوية وذلك في إطار قانون المالية التّكميلي لسنة 2012. لكن ودون مبالغة، يمكن القول بأنّه "تمخّض الجبل فولد فأرا" باعتبار أنّ قانون المالية التّكميلي لم يتضمّن حلولا جذرية للمشاكل اليومية الّتي أثقلت كاهل المواطن التّونسي والمتمثّلة خاصة في تفاقم البطالة وغلاء المعيشة وتدهور الأوضاع الاجتماعية.

 

2) ماهي مميّزات هذا المشروع بالنّظر مع الظّرف الاقتصادي للبلاد؟

 

ما يمكن تأكيده هو أنّ مشروع قانون المالية سالف الذّكر قد تضمّن العديد من الإجراءات الّتي حاول من خلالها المشرّع أن يعالج بعض الإشكاليات المطروحة والمتعلّقة أساسا بالوضع الاقتصادي والاجتماعي للبلاد.

 

ولكنّي أعتقد بأنّ الأحكام الواردة بمشروع قانون المالية التّكميلي قد لامست بعض الحلول، ولكنّها لم تتوصّل إلى حلول ناجعة يمكن أن يكون لها تأثير مباشر على التّرفيع في نسق النّموّ الاقتصادي وخلق مواطن شغل جديدة بالقدر الكافي للاستجابة للطّلبات الإضافية الّتي مافتئت تزداد يوما بعد يوم وتحسين القدرة الشّرائية للمواطن الّذي أصبح يبحث عن لقمة العيش بعناء كبير.

 

أمّا الإجراء الهامّ الّذي كنّا ننتظره والّذي كان بإمكانه إعطاء الدّفع اللاّزم للاستثمار وإرساء العدالة الجبائية المنتظرة وتوزيع العبء الجبائي بأكثر شفافية بين كلّ الأصناف الإجتماعية، والبدء في إصلاح المنظومة الجبائية والّتي كان من الواجب إعطاؤها الأولوية المطلقة.

 

بعد القيام بالثّورة المجيدة الّتي بعثت النّخوة والاعتزاز في نفوس كلّ التّونسيين بصفة عامّة وفي نفوس الشّباب بصفة خاصّة، أصبحنا نتطلّع إلى ما هو أفضل في جميع المجالات وأصبحنا نحلم بتحقيق الثورة في المجال الإقتصادي وفي المجال الجبائي وفي المجال الاجتماعي وفي كلّ ما يتعلّق بالحياة اليومية.

 

إنّ التّونسي لم يعد يرضى اليوم بالحلول التّرقيعية وبالمبادرات الهزيلة وبالإجراءات الآجلة، وعلى هذا الأساس، يجب أن تتضافر كلّ الجهود لتحقيق هذه الأهداف الطّموحة لأنّ الحكومة المؤقّتة، ومهما كانت حسن نواياها وحجم مجهوداتها، فإنّه سيكون من الصّعب جدّا الاستجابة للطّلبات العديدة للمواطن التّونسي خاصّة في ظلّ ظرف اقتصادي صعب ومناخ اجتماعي متوتّر.

 

3) ماهي نقاط القوّة ونقاط الضّعف لمشروع قانون المالية التّكميلي؟

 

تتمثّل أهمّ نقاط القوّة في الإجراءات التّالية:

 

– الإجراءات لفائدة السّكن الإجتماعي.

 

– التّمديد في فترة الخسائر المتأتّية من الاستغلال من 4 إلى 5 سنوات، خاصّة إذا أخذنا بعين الاعتبار الظّروف الصّعبة الّتي مرّت بها المؤسسة الاقتصادية من أعمال نهب وحرق وإتلاف.

 

– التّرفيع في المبلغ الأقصى لأقساط التّأمين على الحياة القابل للطّرح من قاعدة الضّريبة على الدّخل من 3.000 دينار إلى 10.000 دينار سنويّا، ممّا سيكون له تأثير إيجابي في ارتفاع حجم الادخار ولو كان ذلك على المدى المتوسّط والبعيد، باعتبار أنّ الظّروف الصّعبة الحالية سوف لن تساعد المواطن التّونسي على إبرام عقود التّأمين على الحياة.

 

أمّا نقاط الضّعف، فيمكن حصرها في ما يلي:

 

– إجراءات تمويل الاستثمار وخلق مواطن الشّغل باعتبار أنّ الأهداف الموجودة سيصعب تحقيقها لأنّها مرتبطة بنوايا المستثمرين في قطاعات منتجة، مقابل صرف النّظر عن الأموال الّتي لم يصرّحوا بها في الآجال القانونية من ناحية، وبربط خلق مواطن الشّغل بطرح إضافي في حدود 50% من أساس الضّريبة بعنوان الأجور المدفوعة في حين أنّ المؤسّسة تجد صعوبات كبيرة لتحقيق الأرباح الّتي تسمح لها بالانتفاع بهذا الطّرح من ناحية أخرى.

 

– إحداث مساهمة ظرفية تطوّعية لفائدة ميزانية الدّولة في حين أنّ الظّروف المالية الصّعبة للمواطن التّونسي ستكون عائقا كبيرا لتحقيق هذا الهدف، هذا إضافة إلى الغموض الّذي صاحب هذه المساهمة الّتي تمّ تقديرها بـ 450 مليون دينار وعلاقتها برجال الأعمال الممنوعين من السّفر.

 

– الإجراءات المتعلّقة بالعفو الجبائي الّذي مهما كانت النّتائج الّتي سيؤول إليها لاستخلاص بعض الدّيون المثقّلة لدى قبّاض المالية وتمكين المطالبين بالضّريبة من إيداع تصاريح تصحيحية لتسوية وضعيتهم الجبائية، فإنّه سيخلّف إحساسا بالظّلم إزاء الأشخاص الّذين احترموا واجبهم الجبائي وقاموا بإيداع تصاريحهم الجبائية في الآجال القانونية.

 

4) ما هو رأيكم في النّقاش العامّ من قبل النّواب حول مشروع قانون المالية التّكميلي؟

 

لقد لاحظت وبدون مجاملة أو تجنّي على السّادة النّواب المحترمين، أنّ بعض النّواب لم يكونوا في مستوى الحدث. ولعلّ ذلك يعود إلى عدم خبرتهم باعتبار أنّ الأغلبية السّاحقة تعيش هذه التّجربة لأوّل مرّة في حياتها ونظرا لصعوبة الأحكام الجبائية الّتي تبقى دائما معقّدة حتّى بالنّسبة للخبراء في ميدان الجباية أنفسهم.

 

كما لاحظت كذلك اضطرابا في مستوى تسيير النّقاش حول الأحكام المضمّنة بمشروع قانون المالية التّكميلي لسنة 2012 وذلك راجع بالأساس إلى عدم الانضباط من قبل بعض النّواب من ناحية وإلى التّجاذبات السّياسية بين الأحزاب المتنافسة الّتي لم تستطع تجاوز خلفيتها السّياسية لتقوم بدورها بكلّ حيادية وتجعل نصب أعينها مصلحة تونس الّتي يجب أن تبقى فوق كلّ اعتبار.

 

  مهدي الزغلامي

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.