تبرئة عبد الوهاب عبد الله… عن أيّة ثورة تتحدثون؟

بعدما أثار قرار إطلاق سراح سفيان بن علي المتورّط في قضية شيكات “عن خطأ” وما صاحبه من نقد لاذع لقرار المحكمة من قبل الرأي العام ومن في السلطة كعدنان منصر مستشار الرئيس المؤقت، الذي أطلق سهام نقده في مقال نشر منذ أيام قليلة على موقع “نواة”، بسبب ما لاحظه من عدم تطابق المحاكمات مع ما يتطلبه واقع …



تبرئة عبد الوهاب عبد الله… عن أيّة ثورة تتحدثون؟

 

بعدما أثار قرار إطلاق سراح سفيان بن علي المتورّط في قضية شيكات "عن خطأ" وما صاحبه من نقد لاذع لقرار المحكمة من قبل الرأي العام ومن في السلطة كعدنان منصر مستشار الرئيس المؤقت، الذي أطلق سهام نقده في مقال نشر منذ أيام قليلة على موقع "نواة"، بسبب ما لاحظه من عدم تطابق المحاكمات مع ما يتطلبه واقع الثورة فيما يتعلق بالقطع مع الماضي ومحاسبة رموز الفساد لاستعادة ثقة الناس، صعق الرأي العام مرّة أخرى بقرار المحكمة التي حفظت الحق وأفرجت عن المستشار السابق لبن علي عبد الوهاب عبد الله في قضية الفساد المالي للتجمع الدستوري المنحل، رغم إبقائه على ذمّة التحقيق في قضايا أخرى.

 

وما يثير الذهول والاستغراب الثقة التي تحدّث بها رضوان بالعايبة أحد محامي عبد الوهاب عبد الله، والذي صرح لبعض وسائل الإعلام أنّ موكله قد يتمّ تبرئته –لما لا؟- من بقية التهم الموجهة إليه ليخرج نهائيا من السجن ويعود إلى بيته فرحا مسرورا، كأنّ شيئا لم يكن.

 

وبعيدا عن نزعة التشفي أو الانتقام من الرجل، إلا أنّ خطرا محدقا بات يتربص بالثورة التونسية التي لا تتجاوز مصطلح الانتفاضة على حدّ تقييم كثيرين، باعتبار أنّ العدالة الانتقالية –مثلا- التي من أوكد عناصرها المحاسبة، لم يملك القضاء التونسي، الذي ما زال غير مستقل ويضمّ عناصر مشبوهة، الشجاعة الكافية على إرسائها، أو لا يرغب أصلا في ذلك بسبب مصالحه، فيما تحاول الحكومة الحالية أن تبعد الشبهة عنها بقولها إنها لا تتدخل في شؤون القضاء احتراما لمبدأ استقلاليته وحياده.

 

وعبد الوهاب عبد الله (70 عاما) الذي وضع تحت الإقامة الجبرية بعد الثورة، يعد من أبرز المستشارين السابقين للرئيس المخلوع، وكان المسؤول الأول عن قطاع الإعلام والصحافة في عهده، حيث كانت توزع المنح وصفقات الإشهار على صحف دون أخرى لمعارضتها النظام السابق. ويصف صحفيون عبد الوهاب عبد الله بأنه "مركع الإعلام" في عهد بن علي، نظرا للدّور الذي قام به في زرع مسؤولين داخل المؤسسات والإعلامية (ومازال بعضهم يعمل في كنف الطمأنينة مع الحكومة الحالية) للتطبيل وتلميع صورة النظام الفاسد.

 

وفيما يتعلق بقضية تمويل حزب التجمع المنحل تحاكم رموز أخرى من النظام السابق مع عبد الوهاب عبد الله وأغلبهم من مستشاري بن علي ومن بينهم حامد القروي وعبد العزيز بن ضياء وعبد الرحيم الزواري وعبد الله القلال ومحمد الغرياني، وكلهم مازالوا تحت الإقامة الجبرية "المكرّمة"، لكن القضاء كعادته لم يسرع نسق المحاكمات ولم يثبت أية تهمة موجهة ضدّهم أو يفرج عنهم ويستريح.

 

في الواقع، لا أحد يشكك في نزاهة جزء من القضاة التونسيين، إلا أنّ الجزء الآخر مازال يعمل في إطار استمرارية النظام وكأن الثورة التونسية زوبعة رعدية مرّت بسلام. وقد بدا كثير من التونسيين يشعرون بالغبن واليأس من أن إصلاح القضاء فاسد إلى درجة يصعب فيها إصلاحه. وقد كان القضاء في العهد السابق تحت إشراف الرئيس المخلوع بعينه أي خاضعا للسلطة التنفيذية، باعتباره كان يرأس المجلس الأعلى للقضاء، فيما كان وزير العدل نائبا له.

 

ورغم أن الآمال كانت معلقة على التي تطلق على نفسها "حكومة ثورة" لإصلاح منظومة القضاء من خلال انتخاب هيئة وقتية للقضاء تتولى إدارة شأن هذا المرفق العمومي في انتظار سنّ الدستور وتنظيم السلطة القضائية، كما نص على ذلك نص القانون المنظم للسلط العمومية، إلا أن مشروع القانون الذي تعكف على صياغته بناء على مشاوراتها مع الأطراف المعنية، قد طال أجله أكثر من اللزوم (أكثر من أربعة أشهر)، شأنه في ذلك كشأن الهيئة المستقلة للانتخابات، التي قد يصاب البعض بالغثيان جراء ما يتمّ تسريبه من أعداء الثورة بأنها –عافانا الله- قد تتشكل بناء على المحاصّة الحزبية داخل المجلس التأسيسي، الذي لم ينتخبه سوى نصف الناخبين.

 

في الأثناء، تزيد تصريحات بعض القضاة الناقدين لسياسة الحكومة "الثورية" من المعاناة النفسية وحالة الإحباط وقلة الثقة التي قتلت فرحة الإطاحة بالنظام السابق لدى الناس. إذ يعبر مثلا القاضي أحمد الرحموني رئيس المرصد الوطني لاستقلال القضاء أن الحديث عن سلطة قضائية مستقلة في تونس يعتبر "مغالطة للواقع"، متحدثا عن تعيينات فاقت 70 قاضيا وشملت أغلب المحاكم، ومن بينها المحاكم العقارية والإدارية ومحاكم الاستئناف والتعقيب من قبل الحكومة "المؤقتة"، بصفة فوقية ودون أي تشاور تماما كما فعلت في تعيينها لمسؤولين كبار في مؤسسات الدولة ومن بينها مؤسسات الإعلام العمومي، حيث تبين أن بعضهم ينتمون للتجمع.

 

خميس بن بريك

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.