هل يتكرر سيناريو الثورة الإيرانية أو الرومانية في تونس؟

بعد أحداث العنف الأخيرة والتي تسببت فيها تيارات إسلامية متشددة وعصابات إجرامية حار التونسيون في الكشف عن محركيها الحقيقيين ومع بروز بوادر استعادة التجمعيين لأنفاسهم بعد الثورة وسعيهم إلى توحيد صفوفهم لا يمكن إلا أن نضع سينارويين محتملين لمصير الثورة التونسية قد يجران البلاد إلى إنتاج الاستبداد من جديد…



هل يتكرر سيناريو الثورة الإيرانية أو الرومانية في تونس؟

 

بعد أحداث العنف الأخيرة والتي تسببت فيها تيارات إسلامية متشددة وعصابات إجرامية  حار التونسيون في الكشف عن محركيها الحقيقيين ومع بروز بوادر استعادة التجمعيين لأنفاسهم بعد الثورة وسعيهم إلى توحيد صفوفهم لا يمكن إلا أن نضع سينارويين محتملين لمصير الثورة التونسية قد يجران البلاد إلى إنتاج الاستبداد من جديد.

 

السيناريو الأول هو الثورة الإيرانية التي نشبت سنة  1979 وحولت إيران من نظام ملكي، تحت حكم الشاه محمد رضا بهلوي، لتصبح جمهورية إسلامية عن طريق الاستفتاء.

 

ثورة فريدة من نوعها باعتبارها مفاجأة على مسرح الأحداث الدولية، وذلك من حيث السرعة التي حدث بها التغيير العميق، وكذلك الدور القيادي للدين فيه، كما أنه كان يعتقد أن النظام محمي كما يجب من قبل الجيش والأجهزة الأمنية التي أنفق النظام عليها ميزانيات ضخمة، إضافة إلى انعدام الأسباب الاعتيادية المعروفة للثورة، كالأزمات المالية، أو الهزائم العسكرية، أو عصيان الفلاحين، أو التمرد العسكري.

 

كانت نتيجة ذلك الحدث نشوء جمهورية إسلامية بقيادة الإمام الخميني عالم دين منفي يبلغ من العمر ثمانين عاما، مدعوما من مظاهرات متقطعة لكن شعبية، كما تؤكد التقارير.

 

وقامت الثورة الإيرانية على مرحلتين في المرحلة الأولى تكاتفت القوى الثورية  الليبرالية واليسارية والعلمانية ومعها القوى الإسلامية ضد الشاه حيث كان الخمينى منفياً خارج البلاد وكان ذلك عام 1977 واستمرت الثورة بمظاهرات حاشدة ضد شاه إيران حتى عام 1979 عـندما تم الإطاحة بالشاه ( محمد رضا بهلوى) وعـاد الخمينى إلى إيران.

 

وشهدت المرحلة الثانية حسب ما نشر في موقع ويكيبيديا غالبا ماتسمى "الثورة الخمينية" بروز آية الله الخميني وتعزيز السلطة والقمع وتطهير زعماء الجماعات المعارضة للسلطة الدينية بما فيها الثورة الثقافية الخمينية في الجامعات الإيرانية

 

وكان هناك صراع دائر بين القوى السياسية من يستولى على مقاليد الأمور ولكنهم فضلوا أن يتولى الأمر رجلاً طاعناً فى السـن وخاصة وهو يؤكد مراراً وتكراراً أنه لا يرغب فى الحكم وأنه رجل دين ومع توليه مقاليد الأمور بدأت ثورة خـفية للإطاحة بالقوى الأخرى والتأسيس لدولة ظاهرها الدين وباطنها الديكتاتورية ينفرد فيها الخمينى بالأمر والنهي.

 

وتم ذلك عـن طريق الاستيلاء على المرافق الحيوية وبعد تم إعـداد الدسـتور الذي أعطـى للفقيه (الخمينى) صلاحيات أكثر من صلاحيات شاه إيران الذي تم خلعه بقوة الثورة ومن هذه الصلاحيات عـزل رئيس الجمهورية وتعيين الوزراء وعزلهم واختيار المدعى العام ورئيس المحكمة العليا وأصبح القائد الأعلى للقوات المسلحة.

 

وهكذا صار دستور الجمهورية الإيرانية دستوراً ملكياً مستبداً بكل ما تحمله الكلمة من معنى وقام الحزب الجمهورى الإسلامي (حزب الخمينى) بترشيح رئيساً للبلاد حتى يسيطر على مقاليد الحكم واختار لذلك شخصاً أجنبياً ولكنه خاضع للخميني يستخدمه كوسيلة لتحقيق ما يريد.

 

ورفض الشعـب هذا المرشح وانتخب منافسه فلجأ الخميني لتزوير الانتخابات في البرلمان وعندما ثار الشعب خرج الخمينى على شاشات التليفزيون مؤكداً نزاهة الانتخابات.

 

وبمرور الوقت تم الإطاحة (ببنى صدر) أول رئيس منتخب في إيران واستطاع الهروب لفرنسا وهكذا استقر الأمر للخميني وأنصاره وبعدها قام بسلسلة من الإعدامات لمعارضيه مهدت لها فتوى أصدرها الخمينى بأن اليساريين يحاربون الله وأنهم مرتدون عن الإسلام.

 

وتم فرض الحجاب وكان يشترط اللون الأسـود بصفة خاصة في عهده وتم إجبار النساء على الحجاب من خلال فصل النساء غير المحجبات من الوظائف واعتقالهن من قبل شرطة الآداب وحبسهن وهكذا استتب الأمر للخمينى وأقيمت دولة تبدو ظاهرياً تحمى الشريعة وتقوم بتطبيقها ولكنها فى حقيقة الأمر دولة مستبدة لا تعرف إلا رأياً واحداً رأى المرشد ومن يخالفه يصبح ضده

 

أما السيناريو الثاني فهو سيناريو الثورة الرومانية التي أطاحت بالدكتاتور وأعادت بعد ذلك نظامه إلى سدة الحكم

وبدأت هذه الثورة في 16 ديسمبر عام 1989 في العاصمة بوخارست استمرت لمدة أسبوع, وتمكنت من الإطاحة بالديكتاتور نيكولاي تشاوتشيسكو.

 

و تصاعدت أعمال العنف خلال هذا الأسبوع, حتى أدت إلى الإطاحة بالشيوعية في البلا, وإنشاء أول نظام ليبرالي في البلقان.. وهي الدولة الوحيدة في دول البلقان التي تم الانتقال فيها من النظام الاشتراكي بالعنف والدماء وإعدام الحاكم.

 

أدت الثورة إلى وفاة 1,104 شخص، بما فيهم الرئيس المخلوع وزوجته إلينا قبل الاستيلاء على السلطة بواسطة هيكل سياسي جديد، يسمى جبهة الخلاص الوطني.

 

وبعد هذا النجاح حاولت الأجهزة الأمنية التي كانت ترغب في الحفاظ على مصالحها الشخصية بخلق سيناريوهات إرهاب وهمية لنشر الخوف في قلوب الشعب الروماني فقاموا بمُهاجمة مبنى الإذاعة والتليفزيون والجامعات والعديد من الأماكن الحساسة في البلاد وذلك في محاولة منهم لتشويه مفهوم الثورة عند البسطاء من عامة الشعب. لتمهيد الطريق لجبهة تحفظ لهم مصالحهم وتُسيطر على البلاد بقبضة من حديد.

كانت هذه الجبهة هي (جبهة الخلاص الوطنى) التي انبثقت من الجيل الثاني من الشيوعيين والتي كان يتزعمها "إيون إيليسكو" أحد رجال الديكتاتور المخلوع نيكولاي تشاوتشيسكو ونائبه.

سيطرت "جبهة الخلاص الوطنى" على وسائل الإعلام الرسمية وقامت بعمل دعاية مضادة لخصومهما السياسيين من الأحزاب الديمقراطية التي عملت على الظهور من جديد بعد سنوات عديدة من العمل السري.

عمل إيون إيليسكوعلى إعادة نظام الديكتاتور المخلوع نيكولاي تشاوتشيسكو، بجلب أعضاء نظامه للظهور من جديد على الساحة السياسية وذلك بعد عقد صفقات معهم.

انتبه شباب رومانيا الثوري لمثل هذه الأمور فـ اندلعت المُظاهرات من جديد وقاموا بعمل إعتصامات، وكان التفاف إيون إيليسكو على الثورة بترشيحه لنفسه لفترة ثانية لرئاسة رومانيا بمثابة الفتيل الذي أثار الشباب الروماني.

لجأ إيون إيليسكو للإعلام، فشكك في شباب رومانيا الثائر واتهمهم بالعمالة للخارج، وتلقى التمويل من الجهات الخارجية، بهدف زعزعة استقرار البلاد.

وبالفعل بدأ في محاكماتهم محاكمات عاجلة وعمل على التنكيل بكل من يعارضه، بحجة العمل على زعزعة استقرار البلاد، وأوهم الشعب البسيط بأنه هو الوحيد القادر على توصيل رومانيا إلى بر الأمان وحماية البلاد من الخطر الخارجي!!

وبالفعل نجح إيون إيليسكو في التأثير على عموم الشعب من البُسطاء، فتعاونوا معه وبدئوا في مُهاجمة شباب رومانيا الثائر.

وعندما اشتعلت المواجهات استعان إيون إيليسكو بآلاف العمّال من المناجم وصور لهم أن شباب رومانيا الثأر هم خونة وعملاء ويريدون خراب البلاد فجلبهم في شاحانات إلى العاصمة (بوخارست).

وقام بتسليحهم بأسلحة متطورة وهجموا الطلبة لمدة يومين، أسفر الصدام عن وقوع المئات من القتلى وآلاف الجرحى، وقدم إيون إيليسكو بعد ذلك الشكر لعمال المناجم عمّا قدموه من خدمه لوطنهم لقيامهم بالتصدي لهؤلاء العُملاء حسب وصفه لهم.

نجحت "جبهة الخلاص الوطنى" في إجهاض الثورة الرومانية بعد سنه ونص فقط من قيامها وفقدت الثورة الكثير من التعاطف الدولي لها. وفاز إيون إيليسكو بالرئاسة بأغلبية ساحقه بنسبه 85% عن طريق التزوير.

 

ولكن بالرغم من سوداوية مصير الثورتين الإيرانية والرومانية فإنه من الضروري لفت الأنظار إليهما وقراءة التاريخ لاستخلاص العبر واستدراك الأخطاء والآمال مازالت معلقة على مصير الثورة التونسية وسيناريو نجاحها وبلوغها  بر الأمان عبر نظام جديد ديمقراطي يحترم التعددية والحريات محتمل أيضا.

 

مريم التايب

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.