في رمضان.. التونسي يقتني ويشتكي ثمّ يتذمّر ويتّهم القدرة الشرائية!

لقد مرّ على بداية شهر رمضان 2012 أربعة أيام والمتابع لحركة السوق خلال الأيام الثلاثة الأولى لشهر الصيام يلاحظ بالتأكيد انفلات نسبي في أسعار بعض المنتوجات الاستهلاكية وفي الواقع بدأ منحى الأسعار يرتفع يومان قبل رمضان وهي عملية أصبحت مألوفة سنويا إذ تشهد الأسعار شططا بالرغم من حرص الجهات المسؤولة على الضغط على الأسعار وحصرها في مستويات معقولة تتماشى والقدرة الشرائية للمواطن…




في رمضان.. التونسي يقتني ويشتكي ثمّ يتذمّر ويتّهم القدرة الشرائية!

 

لقد مرّ على بداية شهر رمضان 2012 أربعة أيام والمتابع لحركة السوق خلال الأيام الثلاثة الأولى لشهر الصيام يلاحظ بالتأكيد انفلات نسبي في أسعار بعض المنتوجات الاستهلاكية وفي الواقع بدأ منحى الأسعار يرتفع يومان قبل رمضان وهي عملية أصبحت مألوفة سنويا إذ تشهد الأسعار شططا بالرغم من حرص الجهات المسؤولة على الضغط على الأسعار وحصرها في مستويات معقولة تتماشى والقدرة الشرائية للمواطن.

 

ورغم هذا الارتفاع الملحوظ في الأسعار قابلته لهفة من المواطن على شراء كل المنتوجات وهو المشهد الذي عهدناه كل سنة من تدافع وتهافت مرفقان بانفعال مفرط فيه لأجل اقتناء بعض المستلزمات التي ستجد طريقها بعد الإفطار إلى الفضلات.

 

هذا المشهد يحيلنا على مسألة على غاية من الأهمية تتمثل في تعارض ارتفاع الأسعار والقدرة الشرائية وما بينهما من تذمر متواصل من المستهلك التونسي الكثير الشكوى من تواضع قدرته الاستهلاكية والحال أنه مع كل شهر رمضان يتكرر نفس السيناريو ارتفاع أسعار، تذمر المواطن ومع ذلك يُقبل على الشراء بطريقة غريبة تعكس تناقضا كبيرا إلى حدّ "انفصام الشخصية" خلال شهر الصيام.

 

فشتان بين القول والفعل، التونسي يعترف في الوقت نفسه بارتفاع الأسعار والتعبير عن تذمره منها ويُصرّح بصريح العبارة أن المهم هو عقلنة الاستهلاك في المقابل عند التطبيق ينسى كل شيء وينقاد إلى شهواته التي ترهق كاهله وتنخر جيبه على حدّ التداين.

 

لطالما احتلت مسألة القدرة الشرائية للتونسي صدارة الحوارات والنقاشات لأغلب شرائح المجتمع وكذلك أخذ هذا الموضوع الحساس حيزا هاما في خطب واجتماعات الأحزاب والحكومة في المدة الأخيرة كما استأثر باهتمام الباحثين الاجتماعيين والاقتصاديين، من منطلق أن الطاقة الشرائية يمكن اعتبارها المحرار الحقيقي لقيس مدى تطور المجتمعات وقيس درجة الرفاه.

 

الأمر الثابت أن مستوى المعيشة في تونس أصبح مرتفعا ولا يتماشى مع قدرات أغلب الشرائح الاجتماعية التي وجدت نفسها غير قادرة على مجابهة التطورات الاستهلاكية المتلاحقة بطريقة جعلت العديد من الكماليات تتحول في ظرف وجيز إلى ضروريات ( السيارة، التكييف، الاصطياف، الهاتف الجوال، الترفيه…).

 

العديد من الخبراء الاقتصاديين اعتبروا أن لتونس مشاكل و مشاغل الدول المتقدمة من خلال ارتفاع مستوى المعيشة والبطالة والتهرم السكاني وفي الوقت نفسه فهي غير قادرة على الترفيع من القدرة على الإنفاق أو تطوير الطاقة الشرائية للمواطن باعتبار أن الأجور متواضعة بالنظر إلى النسق السريع للاستهلاك.

 

والمتابع لنسق الاستهلاك في تونس يتساءل فعلا عما إذا كانت هذه الطاقة الشرائية ضعيفة من عدمها خاصة في المواسم الاستهلاكية الكبرى؟

 

العديد من المفارقات الغريبة تدلّ على التباين الكبير الحاصل في هذه المعادلة والتركيبة غير المفهومة في الواقع بين التذمّر المتواصل للتونسي من ضعف مقدرته الشرائية من جهة وكيفية تعامله مع المواسم الاستهلاكية الكبرى على غرار رمضان والموسم الصيفي والعودة المدرسية والأعياد الدينية من جهة ثانية!!!

 

لئن يبدو تصرف التونسي عادي خلال المواسم الاستهلاكية الكبرى عبر اقتناء مستلزماته وحاجياته بطريقة أرفع وأكبر من الأيام العادية الأخرى، أمّا أن يتحول الموضوع إلى لهفة وإفراط في الشراء وتدافع من أجل الحصول على المقتنيات بأي طريقة كانت إلى حدّ التبذير وخاصة التداين فهو أمر غير مقبول بالمرة. وما يقابله من تشكي متواصل من غلاء الأسعار وتذمّر من ضعف القدرة الشرائية.

 

وبناء على هذه الوضعية، تبدو القدرة الشرائية محلّ شكّ وموضوع تساءل وتحيل إلى التفكير المُعمّق والجدّي بخصوص واقع القدرة الشرائية في البلاد ومدى تحمّل المستهلك مسؤوليته كاملة في إيصال نفسه إلى المستويات المرتفعة من التداين الأسري ودخوله في دوّامة القروض الاستهلاكية لتلبية رغبة البطن أو الترفيه عن النفس وهو يعلم مليا أنه مُكبّل بالديون.

 

ما لحظناه خلال الأيام الفارطة من ارتفاع صاروخي لأسعار أغلب المنتوجات الطازجة قابلها لهفة من التونسي على الشراء بالرغم من النداءات بترشيد الاستهلاك والنفقات والضغط على النفقات، تدلّ بحقّ على أنّ تواضع القدرة الشرائية للتونسي مسألة واهية وليست مرتبطة بالمسائل المادية بقدر ما هي متصلة بعقلية وسلوك المواطن وتصرفه السليم وخاصّة حسن التعامل مع الميزانية في المواسم الاستهلاكية الكبرى.

 

المتابع لسلوك المستهلك في المساحات والفضاءات التجارية الكبرى في المدة التي سبقت شهر رمضان الحالي يُشاهد ممارسات لا تمتّ بصلة بتواضع القدرة الشرائية التي يتذمّر منها التونسي إذ أن التدافع واللهفة والإفراط في التبضّع شكّلت العلامات والسمات للمواطن في المدّة الأخيرة. فقد غصت الشوارع بالمواطنين الذين لم يتركوا منتوجا إلاّ واقتنوه وكأن البلاد مهددة بنقص في التزويد.

 

من بين المسائل التي تجعل مسألة ضعف الطاقة الشرائية للتونسي محلّ أخذ وردّ، غياب الدراسات الإحصائيات الدقيقية والمُحيّنة بشأن وجود معطيات حول الإنفاق الأسري في تونس من حيث الكم والكيف بالإضافة إلى عدم القدرة على الجهات المعنية (وزارة التجارة ومعهد الاستهلاك ومعهد الإحصاء) على تحديد قيمة قفة المستهلك والتي يمكن أن تعكس بوضوح  وبصفة جلية ضعف القدرة الشرائية  من عدمها.

 

مهدي الزغلامي

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.