تونس- اللّحوم الحمراء: لي الذراع بين الحكومة والجزارة متواصل والمواطن يدفع الفاتورة

ما زال الوضع في قطاع اللحوم يتّسم بالغرابة والغموض مما ترتب عنه التهاب متواصل للأسعار وكان المواطن بذلك أكبر خاسر بما أن الأسعار أصبحت تتجاوز مقدرته الشرائية…



تونس- اللّحوم الحمراء: لي الذراع بين الحكومة والجزارة متواصل والمواطن يدفع الفاتورة

 

ما زال الوضع في قطاع اللحوم يتّسم بالغرابة والغموض مما ترتب عنه التهاب متواصل للأسعار وكان المواطن بذلك أكبر خاسر بما أن الأسعار أصبحت تتجاوز مقدرته الشرائية.

 

واضطر العديد من المواطنين، خاصة في شهر رمضان، إلى تخفيض استهلاكهم من لحوم الأبقار والأغنام وهناك من قاطعها تماما لأن أسعارها لم تعد في المتناول.

 

وكشفت الاهتزازات التي يشهدها سوق اللّحوم الحمراء في المدّة الأخيرة عن عدم اتّضاح الرؤية في علاقة سلطة الإشراف بالمهنيين، والتي من المفروض أن تكون علاقة جيدة يسودها التكامل والتفاهم حتى يحصل التوافق بينهما بشكل يرضي مصالح المتدخلين في القطاع من جهة والمستهلكين من جهة أخرى.

 

لكن هذه العلاقة اتّسمت مؤخرا بالتوتر وأصبح كل طرف منهما يحاول لي ذراع الآخر دون أن يبلغا أية نتيجة إلى الآن بل زاد الوضع أكثر تفاقما: فوضى في سوق اللحوم وأسعار مختلفة وجودة تتراوح من محل إلى آخر وغش غير متناهي في الأسعار وفي البضاعة.

 

وعلى واجهة بعض محلات الجزارة، برزت أسعار من قبيل  18دينارا بالنسبة  للحم العلوش و17دينارا بالنسبة للهبرة البقري، في حين برزت على واجهات محلات أخرى وفي مناطق مختلفة أسعار أقلّ حدة وربما معقولة، تتراوح بين 14.5 و16د بالنسبة للحم العلوش وبين 14.5 و15 د بالنسبة إلى الهبرة، وهو ما يعني أن القطاع محكوم بشيء من الفوضى.

 

ويواجه الجزارون الذين يبيعون بأسعار منخفضة اتهامات بأن اللّحوم التي يعرضونها فاقدة الجودة (لمواشي كبيرة في السن أو لمواشي من صنف الإناث). بينما يواجه من يبيع بأسعار مرتفعة تهمة الاحتيال على جيب المواطن وتحقيق أرباح فاحشة لا تتماشى ومنطق المعاملات التجارية الشفافة.

 

ومنذ مطلع شهر رمضان، أعلنت وزارة التجارة أنها ستحاول التحكّم في سوق اللّحوم الحمراء من خلال تحديد أسعار معينة (عبر مقرر وزاري) وتكثيف المراقبة وتوريد كميات لحوم من الخارج لتوفير العرض والضغط بالتالي على الأسعار.

 

غير أن الأسعار التي حدّدتها الوزارة بقيت مجرد حبر على ورق، حيث لم يقع تطبيقها من أغلب الجزارين. وقد طالب نقابيون يمثلون القصابين منذ أيام وزارة التجارة بوقف العمل فورا بالمقرّر الذي يحدّد أسعار اللحوم الحمراء خلال شهر رمضان.

 

ودعوا، الحكومة المؤقّتة إلى مصارحة المواطن بالأسعار الحقيقية لتكلفة اللّحوم وخاصّة بالأسعار على مستوى الإنتاج ولدى شركات البيع بالجملة وأسعار العلف، والكف عن تسويق صورة تظهر تاجر اللحوم دوما في شكل "السارق".

 

ويقول الجزارون إن ارتفاع أسعار اللحوم خارج عن نطاق المهنيين وأهل المهنة الحقيقيين. وهو مرتبط في رأيهم باضطراب مسالك التوزيع وبارتفاع الأسعار وبوجود دخلاء في القطاع ومحتكرين يتحكّمون في مسالك التوزيع فضلا عن عمليات تهريب المواشي والأبقار إلى القطرين الجزائري والليبي في المدة الأخيرة.

 

كما يتّهمون وزارة التجارة بالتفرّد في الرأي وبعدم التشاور مع المهنيين حول حاجيات السوق من اللحوم وكذلك حول الأسعار التي تتماشى ومصالح كل الأطراف وتراعي النفقات التي يتكبّدونها لتوفير لحوم بجودة عالية.

 

ومن أبرز ما ذكروه هو أن سلطة الإشراف تحاول بكل الطرق وبشكل عشوائي (ربما لغاية تلميع صورتها لدى الشعب ولخدمة أغراض سياسية بحتة) التخفيض في الأسعار متناسية أن تلك الأسعار تحكمها عوامل أخرى كان من الأفضل لوزارة التجارة معالجتها عوضا عن تحميل كامل المسؤولية للجزار وتحويله إلى كبش فداء.

 

ومن هذه العوامل مسالك التوزيع غير المنظمة وظاهرة التهريب والحالة المزرية للمسالخ وعدم مراقبة أسواق الدواب ووجود لوبيات منذ العهد السابق تتحكم في القطاع.

 

غير أن خبراء ومختصين في القطاع يؤكدون أن ما يحصل في سوق اللحوم الحمراء يتسبب فيه بشكل مباشر الجزارة لأن أغلبهم يسعى دوما لتحقيق أرباح عالية وللغش في الجودة وفي السعر ولعدم مراعاة مقدرة المواطن ولا دعوات سلطة الإشراف لعقلنة الأسعار لاسيما في المواسم الاستهلاكية الكبرى وهو ما يمنع باستمرار من تطور القطاع.

 

وبعيدا عن كل هذه التجاذبات فإن ما يأمله المواطن هو أن تنخفض أسعار اللّحوم الحمراء بعد أن مل الأسعار المشطة التي دفعت بكثيرين إلى مقاطعة استهلاك اللحوم في بلد تتوفر به كل مقومات تربية الماشية وكل أسباب تحقيق الاكتفاء الذاتي وزيادة من هذه المادة الغذائية الأساسية .

 

ويعترف الجزارة أنفسهم أن إقبال التونسي على اللّحوم الحمراء انخفض كثيرا في المدّة الأخيرة بسبب ارتفاع الأسعار.

 

ويبقى الحل الأمثل هو ضرورة تدخل الدول في هذا القطاع وذلك على كل المستويات، مثل تكثيف تربية الأبقار والأغنام في الضيعات الدولية وتكثيف التوريد سواء بالنسبة للمواشي الحية أو للحوم المجمدة أو المبردة وإحكام تنظيم مسالك التوزيع ومزيد تطوير عمل المسالخ وتطوير القوانين والتراتيب الجاري بها العمل في القطاع وتكثيف المراقبة والصرامة في معاقبة المخالفين.

 

وليد بالهادي

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.