تونس– مؤشرات الوضع الاقتصادي الخطرة تغيب عن الأولويات السياسية للحكومة والمعارضة

في خضم التجاذب المحتد بين الفرقاء السياسيين في تونس ما بعد الثورة، وخاصة ما بين حركة النهضة من جهة وحركة نداء تونس القادمة حديثا للساحة السياسية، لاحظ أكثر من مراقب للشأن السياسي أن الحركتين تطرحان في المجمل حلولا ليبرالية تتشابه في فحواها الاقتصادية والاجتماعية بشكل كبير وتظلّ المرجعية الدينية للنهضويين أبرز ما يفرق بينهما…



تونس– مؤشرات الوضع الاقتصادي الخطرة تغيب عن الأولويات السياسية للحكومة والمعارضة  

 

في خضم التجاذب المحتد بين الفرقاء السياسيين في تونس ما بعد الثورة، وخاصة ما بين حركة النهضة من جهة وحركة نداء تونس القادمة حديثا للساحة السياسية، لاحظ أكثر من مراقب للشأن السياسي أن الحركتين تطرحان في المجمل حلولا ليبرالية تتشابه في فحواها الاقتصادية والاجتماعية بشكل كبير وتظلّ المرجعية الدينية للنهضويين أبرز ما يفرق بينهما.

ويلاحظ المراقبون أنه مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية الكبرى بدأت علامات المعركة المندلعة حاليا بحدة بين الحزبين من أجل استقطاب سياسي حاد في الساحة التونسية تظهر بقوة. 

ولكن المتابع للشأن الاقتصادي في البلاد لا يملك إلا أن يلاحظ بسهولة تتواتر المؤشرات السلبية اقتصاديا سواء على المستوى المحلي أو الدولي كان آخرها حجب ترتيب منتدى "دافوس" العالمي لتونس لمرورها بفترة إصلاحات وتغيرات من شأنها التـأثير على المعطيات الاقتصادية الكبرى الضرورية للترتيب…

هذا علاوة على التوقف شبه الكامل للاستثمار المحلي عدى ما يخص التجارة الداخلية والخارجية والتي لا تترجم في الواقع انتعاشا للإنتاج الصناعي الوطني… كما أن مناخ الأعمال بشهادة الجميع مناخ يتميز باضطرابه الشديد المرتبط أساسا بغياب الأمن والاستقرار في المناطق الأكثر طلبا للتنمية، وهي المناطق الداخلية التي كانت الأكثر حرمانا في عهد الرئيس السابق بن علي…

وبالرّغم من اجتهاد الحكومة التي ترأسها حركة النهضة عبر الميزانية التكميلية للدولة لسنة 2012 لبث جرعة من التفاؤل في النسيج الاقتصادي عبر برمجة العديد من الاستثمارات العمومية المتوسطة وحتى الكبرى، إلا أن هذه المشاريع تتعثر بدورها ورغم تواضعها في خضم الغياب الصارخ للأجهزة التنفيذية للدولة مثل الولاة والمعتمدين الممنوعين من العمل في عديد المناطق في قفصة وفي القصرين وفي سيدي بوزيد وفي الكاف وفي قبلي وفي غيرها من المناطق…

وفي هذا المناخ يسجل العزوف الواضح للمستثمر التونسي الذي ينفر بطبيعته من الضبابية التي يتسم بها التصرف العام للحكومة في الملفات الكبرى الاقتصادية علاوة على بروز ظاهرة المحاباة حسب الولاء والتي تضاف إلى ملف التعطيل الثقيل الذي يخص أكثر من 400 رجل أعمال يمنع أغلبهم من السفر ويتعرضون للمساومات بشتى أصنافها ما خفي منها وما بطن…

وبالرغم من أهمية الملف الاقتصادي ومحوريته في إنجاح أي مقاربة إصلاح سياسي مرحلي أو دائم في بلاد يزيد عدد العاطلين عن العمل فيها عن 800 ألف عاطل فإننا نلاحظ استحواذ الشأن السياسي والاجتماعي بكل الاهتمام وتناسي ابتداع أية خطوات عملية في اتجاه فتح الملف الاقتصادي وإعداد خطة عاجلة واضحة المعالم والأهداف من أجل إعادة الثقة للسوق وفتح المجال أمام الفاعلين الاقتصاديين للعودة لأعمالهم وللاستثمار السريع في المناطق الأكثر تضررا…

ولا يقتصر تناسي الملف الاقتصادي على حركة النهضة والترويكا الحاكمة بل ويشمل أيضا المعارضة وعلى رأسها حركة نداء تونس والحزب الجمهوري وحزب المسار وهي العمود الفقري الحقيقي لأية بدائل جدية في الحكم… 

وفي المقابل فإن أهم أوساط رجال الأعمال التونسيين، التي يبدو من خلال تعثر عملية إعادة هيكلة منظمتها الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة، وما يشقها من اختلافات عميقة في مقاربة المرحلة وحلولها، تقدم قراءة للوضع تحاول أن توصلها إلى دوائر القرار انطلاقا من بحثها الجدي عن طريقة للخروج من عنق الزجاجة الذي يعيشه الاقتصاد الوطني حاليا…

وإذ تقر هذه الأوساط أن رجال الأعمال والاقتصاد قد عملوا مع بن علي ونظامه مثلما عملوا من قبل مع بورقيبة وحزب الدستور فإنهم يرون أنهم  في هذا لا يختلفون عن شرائح متعددة من المجتمع لم يكن أمامها من خيار آخر في الواقع …

والمطلوب اليوم الإسراع فعليا بإقامة منظومة للعدالة الانتقالية تسمح ببحث ملفات الإفساد في المجال الاقتصادي مثل ما هو الحال في المجالات الأخرى ودعوة كل من انتفع بطريقة غير شرعية من الأموال العمومية أو كل من تجاوز القانون وثبت عليه ذلك إلى الاعتذار أولا للشعب التونسي و تسوية وضعيته المالية بما يحكم به القضاء بكل استقلالية وبما يفيد البلاد والمؤسسات في نفس الوقت…

ولكن أهمية مثل هذا التمشي لا معنى له إن لم يكن علنيا وشفافا وليس فيه محاباة لأي كان. ومن شأن تسوية كهذه التسوية التي من المفترض أن نرى طرحها لدى الأحزاب الأكثر أهمية في البلاد سواء كانت في الحكم مثل حركة النهضة أو في المعارضة مثل حركة نداء تونس أن تسرع لإعادة الثقة للمستثمرين الوطنيين الذين يقبعون حاليا بعيدا خوفا من المجهول وخوفا من التأثيرات والصفقات الجانبية التي تطرح عليهم في الكواليس وبصفة فردية دون أية ضمانات ولا أي درجة من درجات الثقة في قانونيتها.

ومع اشتداد الاهتمام بالملف السياسي مع اقتراب موعد 23 أكتوبر وتزايد التجاذب بين الدعوات إلى انتهاء الشرعية في هذا التاريخ وبين الدعوات إلى ترك المجال للتأسيسي لإنهاء كتابة الدستور ورغم أهمية الملف وتشعبه وتعقيداته وتأثيراته العميقة على المستقبل السياسي والاقتصادي والاجتماعي للبلاد، رغم الإقرار بهذا الأمر فإننا لا بد أن نقر أيضا بأن المؤشرات الاقتصادية لا تحمل على التفاؤل أيضا بالرغم من التحسن الطفيف للوضع السياحي ولا بد من الإقرار أن البحث في ما من شأنه الإسراع بعودة الروح إلى الاقتصاد التونسي يمثل أولوية مطلقة قد لا يستقيم بدونها أي إصلاح آخر على أي مستوى…ة

 

علي العيدي بن منصور      

 

 

 

 

 

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.