العنف الأسود يتجاوز الخط الأحمر

أين قضّى رئيس الجمهورية المؤقت المنصف المرزوقي وقته عندما اشتدت المناوشات بين المتظاهرين لنصرة الرسول وبين قوات الشرطة؟ طبعا ليس من حق التونسيين معرفة تفاصيل يوم عمل رئيسهم، فعلاقة مؤسسة رئاسة الجمهورية بسكان الجمهورية ظلت على حالها منذ نشأتها، من عدى تنميقات شكلية فرضها المرزوقي منذ توليه السلطة لإضفاء خصوصية لفترة حكمه المؤقتة، فهو منظم المسرحيات والدليل السياحي لأطفال الرحلات وملقي المحاضرات وكاتب المقالات على “الجزيرة.نت”…



العنف الأسود يتجاوز الخط الأحمر

 

أين قضّى رئيس الجمهورية المؤقت المنصف المرزوقي وقته عندما اشتدت المناوشات بين المتظاهرين لنصرة الرسول وبين قوات الشرطة؟ طبعا ليس من حق التونسيين معرفة تفاصيل يوم عمل رئيسهم، فعلاقة مؤسسة رئاسة الجمهورية بسكان الجمهورية ظلت على حالها منذ نشأتها، من عدى تنميقات شكلية فرضها المرزوقي منذ توليه السلطة لإضفاء خصوصية لفترة حكمه المؤقتة، فهو منظم المسرحيات والدليل السياحي لأطفال الرحلات وملقي المحاضرات وكاتب المقالات على "الجزيرة.نت".

 

لكن ما وقع خلال المشادات أمام مبنى السفارة الأمريكية يبدو أنه أضجع سكينة الرئيس المؤقت الذي تزايدت فترات تزهده عن الحياة العامة من عدى سفرات يؤديها بين الفينة والأخرى الى مؤتمرات وندوات ليحدث العالم عن التوافق غير الطبيعي، عفوا التوافق الفريد بين العلمانية والاسلام السياسي في النموذج التونسي في "الطريق السهل للوصول إلى بعد ثورة عفوية".

 

لا يملك المنصف المرزوقي من أجهزة أمنية تمكنه من الاطلاع الفوري والدقيق على ما حدث أمس من اضطرابات، سوى قوات الحرس الجمهوري التي انكفأت على نفسها غصباً منذ تركز الحملة الإعلامية التي شُنت ضدها بعد الشبهات التي وجهت ضد ضباطها بالولاء الأعمى للرئيس المخلوع زين العابدين بن علي. ولا يصل إلى مكتب الرئيس من تقارير أمنية سوى ما يرشح له من طرف مصالح وزارة الداخلية، طبعاً بعد تزكية المسؤول الأول عن الحفاظ على أمن البلاد علي لعريض.

 

الوفي لموقع الفايس بوك في فترة ما قبل الثورة منصف المرزوقي لا شك أنه ظل يحافظ على بعض من عاداته القديمة في تصفح الموقع الاجتماعي للتطلع على أخبار البلد، لدرء العزلة التي فرضها عليه بروتوكول حماية الشخصيات العامة بعد أن يفرضها عليه سابقا أعوان البوليس السياسي. الأخبار تتقاطر والصور الأولى تنتشر متحدثةً عن اقتحام أكبر مقر لسفارة أمريكية بمنطقة شمال افريقيا، وانزال علمها وتعويضه بآخر أسود.

 

في حالات سابقة وقع فيها أعمال عنف، لم يكن من الصعب على الرئيس المؤقت أن يوجه الاتهام مباشرة ودون سند إلى أعداء الثورة (التي دفع المرزوقي ثمنها باهضاً من مقر اقامته الفاخرة بالعاصمة الفرنسية باريس) ليخفي عجز مؤسسات الحكم عن حماية التونسيين من العنف الذي يمارسه ضدهم عدد من أصحاب نفس الجنسية.

 

لكن الإدارة الأمريكية لا يهمها من هم أبناء الثورة ومن هم ضدها. والديماغوجية التلفيقية التي تسوق عادة لاستبلاه التونسيين لن تجد لها صدى لدى دولة تراقب كل شيء بما فيها عدد أنفاس ساكن قصر قرطاج. وما كان من حل أمام المرزوقي بخصوص أحداث يوم أمس سوى تسمية الأشياء بمسمياتها الحقيقية.

 

المرزوقي طلع على شاشة التلفزيون التونسي باعتبارها مؤسسة ملحقة بخدمات سيادته ليقول "أن ما حدث هو أمر غير مقبول"، وإن "استفزازات المجموعات المتشددة في بلاده قد تجاوزت الخط الأحمر".

 

ولنتخيل المجموعات السلفية التي عادت آمنة إلى بيوتها تشاهد الطلعة البهية لرئيس جميع التونسيين ليتحدث عن "استفزازاتهم" التي لم تنجر عنها أية مظاهر خراب و دمار متجاوزة جدار بناية سفارة أمريكا العظمى، عفوا متجاوزة "الخط الأحمر"، وهي متوعدة اياه بالهجوم على قصره الآمن لو لم يقرر في آخر لحظة الغاء ندوته الفكرية التي كان من المنتظر أن يشرف عليها "الزنديق" يوسف الصديق. فلن يعجز أمامها القصر الجمهوري وهي التي تكمنت بسلاسة من اكتساح مقر سفارة أكبر دولة في العالم.

 

لا نعلم إن كان رئيس الدولة الذي عيّن رئيس الحكومة المؤقتة قد مارس صلاحيته ورفع سماعة الهاتف ليعطي أوامره لحمادي الجبالي من أجل وضع حد لتلك الاستفزازات، لكنه استطاع أن يقول على التلفزيون أنه يدعو الحكومة إلى تحمل "مسؤوليتها كاملة في وقف هذا الخطر الداهم الذي أصبح لا يهدد فقط حقوقنا وحرياتنا التي اكتسبناها بعد صراع طويل وإنما أيضا علاقاتنا الدولية وصورة بلادنا في الخارج ومصالحها الحيوية".

 

سيخلد التاريخ للأجيال القادمة أن رئيس الجمهورية المؤقت المنصف المرزوقي تقلد منصبه في "قالب غفلة" ليكون شاهد عيان على عملية تفكيك أركان دولة من طرف شريك في الحكم بنى أسس فكره السياسي والايديولوجي على محاربة فكرة الجمهورية في حد ذاتها.

 

بقلم: سفيان الشورابي (صحفي)

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.