تونس: لماذا يضرب الإعلام؟

شن الصحافيون التونسيون أمس الأربعاء 17 أكتوبر أول إضراب عام قطاعي تعرفه البلاد منذ استقلالها سنة 1956 ولوحظ التجاوب الكامل مع الدعوة للإضراب ليس من قبل الصحافيين فقط وإنما أيضا بمساندة مسيري المؤسسات الإعلامية وحتى الخاصة منها كما لوحظ شمول الإضراب لكل الوسائل الإعلامية مكتوبة وإلكترونية ومسموعة ومرئية… كما لوحظ أيضا غياب أي رد أو موقف رسمي من حكومة الترويكا لا قبيل بدأ تنفيذ الإعلام ولا …



تونس: لماذا يضرب الإعلام؟

 

شن الصحافيون التونسيون أمس الأربعاء 17 أكتوبر أول إضراب عام قطاعي تعرفه البلاد منذ استقلالها سنة 1956 ولوحظ التجاوب الكامل مع الدعوة للإضراب ليس من قبل الصحافيين فقط وإنما أيضا بمساندة مسيري المؤسسات الإعلامية وحتى الخاصة منها كما لوحظ شمول الإضراب لكل الوسائل الإعلامية مكتوبة وإلكترونية ومسموعة ومرئية… كما لوحظ أيضا غياب أي رد أو موقف رسمي من حكومة الترويكا لا قبيل بدأ تنفيذ الإعلام ولا أثناءه وبدت هذه السياسة اللامبالية وكأنها الجواب الوحيد الذي اهتدت إليه الترويكا الحاكمة في مواجهة إحدى أكبر أزمات المرحلة الانتقالية…

ولا ضير هنا من التذكير قليلا بأن الصحافيين التونسيين لم يلجئوا للإضراب منذ الاستقلال بالرغم عن الأزمات المتكررة التي شهدها القطاع طيلة نصف قرن… ويعود هذا بالطبع أولا للطابع الاستبدادي لأنظمة الحكم في عهدي بورقيبة وبن علي اللذان كانا من جهة أخرى ماسكين بقطاعات واسعة من الإعلام عبر مؤسسات الإعلام الوطنية من ناحية وعبر الحزب الحاكم من ناحية أخرى والذي ما كان ليترك المجال لنضال من هذا الشكل…

ولا بد من الاعتراف أولا أن النجاح في الدعوة للإضراب وفي تنفيذه هما أولا إحدى ثمار ثورة الشعب التونسي يوم 14 جانفي 2011  وتعتبر حرية الصحافة إحدى أبرز نتائج الثورة في غياب التقدم الملموس في عدة مسائل أخرى أكثر تعقيدا السيوم في تونس..ولكن الحرية التي أفتكها الشعب التونسي وصحافيوه يوم 14 جانفي وبالرغم مما غنم منها التونسيون تظل منقوصة في غياب الأسس الدنيا لنظام سياسي ديمقراطي يحصنها من الردة ومن الاستعمالات السياسوية التي تفشت الآن باستعمال الوضعيات المتوارثة عن العهد السابق وباستغلال نفوذ من يمتلك السلطة في البلاد لبسط نفوذه خاصة على المؤسسات الإعلامية العمومية عبر تسميات يختارها بالولاء أو بالاستغلال…

وقد لجأت النقابة الوطنية للصحافيين عدة مرات للإنذار مما تراه تدهورا وتعديا على الحريات الإعلامية واستنفذت سبل الحوارات والأشكال الاحتجاجية المتاحة من حمل الشارة الحمراء إلى البيانات إلى الإعتصامات دون أن يجدي ذلك شيئا في ما يقع كل يوم في الساحة الإعلامية وفي المؤسسات التابعة للدولة كليا أو جزئيا وكان آخرها ما حصل في دار الصباح عندما عمدت الحكومة ودون تشاور مسبق لتعيين مسؤول عن إحدى أعرق دور الصحافة التونسية من خارج المؤسسة ومن حاملي ماض يشكك في علاقته بالنظام السابق…

وبعد استنفاد النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين لكل السبل دعت النقابة   للدخول في إضراب عام بكافة المؤسسات الإعلامية، وذلك كامل يوم الأربعاء 17 أكتوبر2012 من أجل المطالب المتعلقة أساسا بالتنصيص على حرية التعبير والصحافة والإبداع  دون تقييد في الدستور وبتطبيق المرسومين 115 و 116 باعتبار طابعهما الملزم لنشرهما في الرائد الرسمي والتعجيل بإحداث الهيئة الوطنية المستقلة للإعلام السمعي البصري، ورفض كل المشاريع التي تزج بالصحفيين في السجن وتحد من حرية الصحافة والتعبير . إضافة إلى مطالب أخرى تتعلق بالعمل الصحفي في البلاد وبوضعية دار الصباح…

ولنا أن نتساءل جميعا ما الذي ألجأ الصحافيين التونسيين إلى هذا الإضراب في ظل حكومة منبثقة عن الثورة وحكومة تعلن يوميا أنها تعمل على إنجاح أهداف الثورة. إن إضراب الأعلام التونسي الذي ساندته أكثر من 300 وسيلة إعلام عربية والذي تحدثت عنه كل وسائل الإعلام في العالم يزيد من صعوبة الوضع للحكومة ويكلفها مشاق جديدة ومساسا بصورة أداءها المهتزة  يترجم في الواقع الفشل الذريع للترويكا الحاكمة ولحركة النهضة بالتحديد في التعامل مع هذا الملف الحساس الذي لا يعقل أن تتجاهله أو أن تواصل فيه سياسة النعامة التي انتهجتها مع الإضراب. إن الترويكا بمكوناتها حتى من وجهة نظر قد تكون انتهازية يجب عليها ابتداع خطاب جديد إعلاميا وابتداع تعامل جديد يمكنها من الدخول في الحملة الانتخابية بأخف الأضرار التي تلحق دائما كل تشكيل سياسي في الحكم في كل الديمقراطيات…الإعلاميون التونسيون مقرون بأن القطاع ككل القطاعات الحساسة في البلاد محتاج إلى عملية إصلاح هيكلية عميقة تمر عبر ميكانيزمات العدالة الانتقالية من جهة وعبر التوافقات الوطنية الكبرى حول أي إعلام نريد للبلاد. وتمكن عملية الإصلاح هذه من التخلص من العفن الماضي الذي لا يزال موجودا في القطاع وتصد الباب في وجه العفن القادم من تخوم أخرى ليس المال السياسي والموالاة الحزبية أهونها مع تكريس مبادئ الحرية والديمقراطية,وكل هذا ليس بالأمر الهين ولا يمكن أن يقوم به أهل الإعلام لوحدهم فالشأن شأن وطني بالأساس…

علي العيدي بن منصور

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.