عام بعد الانتخابات.. ماذا تغير في تونس وإلى أين نسير؟

مرّت سنة اليوم على انتخابات المجلس الوطني التأسيسي بعد ثورة أطاحت بنظام حكم ديكتاتوري استمر لأكثر من 23 سنة والتي بشرت في بداياتها بتحول ديمقراطي حقيقي وقدرة على التوافق بين كل القوى الليبرالية منها واليسارية والإسلامية وتقديم نموذج يحتذى به في الديمقراطية والتعايش المشترك وفق قيم التمدن خاصة بعد أن قامت حركة النهضة بطمأنة الداخل والخارج وأسست لخطاب معتدل ومتسامح ويحمل قدرا من المسؤولية الوطنية…



عام بعد الانتخابات.. ماذا تغير في تونس وإلى أين نسير؟

 

مرّت سنة اليوم على انتخابات المجلس الوطني التأسيسي بعد ثورة أطاحت بنظام حكم ديكتاتوري استمر لأكثر من 23 سنة والتي بشرت في بداياتها بتحول ديمقراطي حقيقي وقدرة على التوافق بين كل القوى الليبرالية منها واليسارية والإسلامية وتقديم نموذج يحتذى به في الديمقراطية والتعايش المشترك وفق قيم التمدن خاصة بعد أن قامت حركة النهضة بطمأنة الداخل والخارج وأسست لخطاب معتدل ومتسامح ويحمل قدرا من المسؤولية الوطنية.

 

ولكن التوافق الواسع بين كل التيارات لم يكن سوى شكل خارجي سرعان ما انقشع لتظهر التناقضات الحادة بين الإسلاميين والقوى المدنية فازدواج الخطاب والسعي إلى تصدير صورة منقمة للنهضة لم يخف هوس الهيمنة على مفاصل الدولة، والفيديو المسرب الأخير لراشد الغنوشي في حواره مع مجموعة من السلفيين أظهر التوجه الحقيقي لحركة النهضة إذ طلب الغنوشي من السلفيين انتظار الفرصة السانحة للتمكين، قائلا بأن الاعلام والجيش والأمن غير مضمونين.

 

كما أن استخدام حركة النهضة للدين كسلاح لمواجهة الخصوم السياسيين عند الضرورة سيما خلال الحملة الانتخابية التي سبقت انتخابات المجلس التأسيسي ساعدتها على خداع المواطنين قليلي الوعي السياسي والثقافي بعد سنوات من التصحر الديمقراطي في تونس، مما أدى إلى تسمم العلاقات بين الأطياف السياسية وتقسيم الشعب التونسي، وهو ما شرع  فيما بعد لانتشار ظاهرة العنف السياسي وتعثر المسار الديمقراطي.

 

ولم تغب التجاذبات السياسية عن أعمال المجلس الوطني التاسيسي الذي فشل في إدارة المرحلة الانتقالية والتأسيس للمرحلة المقبلة في تاريخ البلاد وذلك بعد تعذر إصدار نصوص تشريعية لمؤسسات وهيئات عليا تقود العملية الديمقراطية فى تونس وتسرع من عملية محاسبة الفاسدين في النظام السابق قبل المصالحة الوطنية من ذللك الهيئات العليا للانتخابات والإعلام والقضاء.

 

كما تتعثر خطى التأسيسي في وضع دستور جديد للبلاد بسبب الاختلافات بين النواب سيما في ما يتعلق بالحريات وفصل الدين عن الدولة والنظام السياسي مما شكل عائقا أمام  المسار الانتقالي حيث فشل المجلس في إدارة المرحلة الحالية والتأسيس لمؤسسات وهيئات عليا تشرع للمرحلة المقبلة بعد الانتخابات من ذلك الهيئات العليا للاعلام والانتخابات والقضاء، إلى جانب بروز المخاوف لدى الرأي العام من إصدار دستور لا يعبر عن طموحات الشعب وعن أهداف الثورة الحقيقية.

 

وفشل المجلس التأسيسي في طمأنة الشارع التونسي والدول الشريكة ليكون التوتر سيد الموقف فى الجلسات العامة وفي أعمال اللجان علاوة على فقدانه لمصداقيته بعد نشر معلومات حول الرواتب المرتفعة للنواب في الوقت الذي تعيش فيه تونس وضعا اقتصاديا واجتماعيا صعبا وذلك عدم توازن علاقته مع الحكومة التي تحظى دائما بمباركة الأغلبية في محاولات سحب الثقة منها لاخطاء ارتكبتها.

 

أما بالنسبة للجانب الاجتماعي لا يمكن أن نتحدث عن تغيير باعتبار أن مدة سنة على  بدء عمل الحكومة ليست بالكفاية لتحقيق التغيير المنشود ولكن في المقابل تعتبر تدخلات وقرارات الترويكا هزيلة مقارنة بأهمية الموارد البشرية والمادية لتونس سيما وأن ميزانية الدولة رصدت أغلبها لفائدة دعم التنمية الجهوية بالإضافة إلى عدم وضوح القرارات التى تتخذها الحكومة من حين إلى آخر فالبلاغات التى تصدرها رئاسة الحكومة في هذا الشان ليست دقيقية وغير محددة التاريخ ولا تحمل التفاصيل الضرورية

 

كما يلاحظ أن عددا من القرارات الحكومية تم اتخاذها بعد وقفات احتجاجية اجتماعية ومهنية وهو ما يطرح التساؤل حول مدى جدية الحكومة في تعاطيها مع الملف الاجتماعي والجهوي وهل أنها تسرعت فى اتخاذ القرارات تحت ضغط الشارع.

 

أمنيا عاشت تونس بعد انتخابات 23 اكتوبر أحداث عنف غريبة ارتكبت أغلبها مجموعات من المتشددين الدينين الذين تتهم حركة النهضة بمساندتهم والذين حملوا السلاح في بئر على بن خليفة ضد الجيش والأمن الوطنيين وهاجموا مقر السفارة الامريكية لتخسر تونس على إثرها الكثير من صمعتها في الوقت عجز فيه الجهازين الأمني والقضائي عن مواجهة هذه المجموعات.

 

كما تجاوزت مجلس حماية الثورة الخط الأحمر والقريبة من حركة النهضة وذلك من خلال قيامها بالتضييق على الخصوم السياسيين للحركة وكان مقتل قيادى في حركة "نداء تونس" بتطاوين بمثابة المنبه لخطورة هذه الجمعية التي نصبت نفسها في أكثر من مرة قاضيا ومشرعا وسلطة من ذلك تعرضها لمسيرة 9 أفريل وتورطها في أعمال عنف ضد المتظاهرين وتنظيمها لاعتصام التلفزة، بالإضافة إلى تنظيمها لمسيرات تنادى باقصاء التجمعيين الذي من المفترض أن يمر عبر مشروع العدالة الانتقالية يكون الحكم القضاءي فيه هو الفيصل.

 

اليوم تونس أمام مفترق طرق يتطلب من الجميع إدراك مدى خطورته وضرورة  تامين المرور بسلام إلى بر الأمان وذلك عبر التسريع في وضع أجندا سياسية واضحة وإقرار مشروع العدالة الانتقالية وتنفيذه واصلاح القضاء وضمان استقلاله حتى يقوم بدوره بعيدا عن التجاذبات السياسية ودعم حرية الإعلام الذي يعد من أهم ركائز العملية الديمقراطية والضامن المستقل للتداول السلمي على السلطة والكف عن العنف السياسي.

 

فالمعركة السياسية والمجتمعية في تونس تزداد سخونة يوما تلو الآخر وبات من الصعب التنبؤ بالخطوة التالية وماذا ستفرز الانتخابات القادمة ولكن السؤال الأهم أين موقع الثورة وأهدافها والمواطن التونسية في صراع السلطة والنفوذ الجارى خاصة وأن طموحات الأغلبية في حياة أفضل كما  بشرت بذلك  الثورة تبددت وحلت محلها الاحباطات والمخاوف على المستقبل.

مريم التايب

تعليق واحد

  1. ا ن الا ؤالاؤخهفري خؤعلا ؤم

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.