تونس: مشروع رائد لإنتاج الطاقة النظيفة يعاني الإهمال والسرقة ويتهدده الفشل

عندما عرفت البلاد شمالا وجنوبا خلال الصائفة المنقضية حالة من الضجر والإستياء الكبير من قبل المواطنين بسبب التقطعات المستمرة في الكهرباء طرح البعض التساؤل عن مدى قدرة تونس على إيجاد حلول كفيلة بإيجاد بدائل لإنتاج الطاقة ما يساهم في التقليص من النقص الحاد على مستوى انتاج الطاقة

تونس: مشروع رائد لإنتاج الطاقة النظيفة يعاني الإهمال والسرقة ويتهدده الفشل

 
 

عندما عرفت البلاد شمالا وجنوبا خلال الصائفة المنقضية حالة من الضجر والإستياء الكبير من قبل المواطنين بسبب التقطعات المستمرة في الكهرباء طرح البعض التساؤل عن مدى قدرة تونس على إيجاد حلول كفيلة بإيجاد بدائل لإنتاج الطاقة ما يساهم في التقليص من النقص الحاد على مستوى انتاج الطاقة…

 

وقبل حدوث كل هذه المشاكل شرعت بعض الشركات المتخصصة والرائدة في البحث عن الطاقات البديلة في تركيز عملياتها من أجل توفير الدعم للبلاد عبر انتاج طاقة نظيفة تكون كلفتها بسيطة، لكنها توفر حلولا كبيرة للقضاء على مشكل النقص الحاد في مصادر التزود بالطاقة.

 

وبرز من بين هذه المشاريع التنموية الرائدة والهادفة للمساهمة في الرفع من تطور اقتصاد البلاد مشروع تنموي تم تركيزه في بعض الجهات والمناطق من ولاية بنزرت وهو مشروع تنموي اقتصادي يساهم في إيجاد الطاقات البديلة والنظيفة التي لا تضر البيئة في شيء، عكس مشروع غاز "الشيست" بالقيروان، وذلك عبر إنتاج الطاقة بالطواحين الريحية أو ما يسمى بالنواعير.

 

ولئن تبدو الفكرة أو المشروع ليس الأول من نوعه في تونس بحكم وجود منطقة أخرى في تونس على غرار مدينة الهوارية، إلا أن تثبيت هذا المشروع في ولاية بنزرت سيحل العديد من المشاكل ويوفر العديد من المنافع الإقتصادية والإجتماعية والبيئية لتونس.

 

هو مشروع كان من المتوقع أن تنتهي أشغاله في موفى أوت 2011 وفي حيز زمني لا يتجاوز 30 شهرا من خلال تركيز 143 طاحونة ريح  تنتج كل واحدة منها حوالي 1.32 ميغاوات أي بطاقة أنتاج اجمالية تبلغ 190 ميغاوات وبكلفة 600 مليون دينار، لكن إلى اليوم لم يكتمل المشروع بالكامل حيث تم تشغيل إلى حد اليوم حوالي 66 وحدة فقط أي أن نسبة إنجاز المشروع لم تتجاوز 46 بالمائة بسبب العديد من المعوقات والمشاكل التي تهدد نجاح المشروع برمته.

 

خسائر فادحة وعراقيل لا حصر لها

 

عندما تم اطلاق ضربة البداية لتركيز هذا المشروع الرائد خلال حقبة النظام السابق استبشر العديد بنجاح تونس في استقطاب مثل هذه المشاريع التي تساهم دون شك في الحل العديد من المشاكل.

 

وقد الاختيار على بعض المناطق المحددة في ولاية بنزرت وهي العالية والماتلين ورأس الجبل ومنزل بورقيبة وأوتيك لإنجاز هذا المشروع لتنطلق الشركة المختصة والمتكفلة بإنجازه وإنحاجه في وضع اللبنة الأولى من المشروع، الذي كان يعتقد أن ينجز في ظرف 30 شهرا فقط، ليتواصل العمل على بخطى ثابتة وحثيثة قبل أن تتغير المعطيات رأسا على عقب ويتم وضع أكثر من مطب أمام سير الأشغال.

 

وفي الوقت الذي انتظر خلاله الجميع وخاصة القائمين على هذا المشروع أن تكون الثورة المباركة بمثابة القاطرة التي ستخفف الضغط عنهم وتمنحهم الدعم المعنوي والمادي لإنجاح المشروع، لكن حدث العكس وبرزت العديد من المشاكل التي دفعت في نهاية المطاف إلى أطلاق صيحة فزع بعد أن أصبح المشروع برمته مهددا بالإلغاء والفشل..

 

لقد بزرت العديد من المشاكل والعراقيل في تلك الفترة وهي متواصلة إلى اليوم ففي ظل انعدام الأمن وانتشار الفوضى التي عمت كل المناطق عمدت بعض اللصوص إلى سرقة الكوابل الرابطة بين طواحين الريح التي تنتج الطاقة الكهربائية وقد تم تسجيل سبع حالات سرقة سجلت كلها ضد مجهول لكنها تسببت في خسائر تقدر بـ 500 ألف دينار، كما تم تخريب وحرق طاحونتي ريح مما كلف ايضا خسارة على الشركة صاحبة المشروع الرائد تقدر بـ600 ألف دينار…

 

كل هذه المشاكل والخسائر فضلا عن ارتفاع الكلفة التي تضاعفت بشكل مهول بعد الثورة جراء ارتفاع أسعار مواد البناء خاصة تسببت في اخلال واضح بالتزامات الشركة على المستوى الوطني من خلال تأخر اتمام انجاز المشروع بالكامل وما ينجر عنه من خسائر إضافية للشركة، وكذلك على المشتوى الدولي بما أن هذه الإخلالات تزيد من تخويف المستثمر الأجنبي من اختيار تونس كوجهة مثالية للإستثمار خاصة في هذا المجال ناهيك وأن بعض الشركات الأمريكية التي كانت تفكر بدورها في الاستثمار بتونس بدأت تفكر جديا في تغيير وجهتها نحو بلدان أخرى إضافة إلى أن المستثمر الإسباني الذي يعتبر شريكا أساسيا في هذا المشروع بدأ بدوره يفكر جديا في المغادرة.

 

هذه الخسائر لا تقف عند هذا الحدّ بل إن العديد من المؤسسات والشركات المساهمة في المشروع أو ذات العلاقة أعلنت بدورها تملمها وقلقها الشديد إزاء هذه الوضعية وتأثرت بدورها بعد أن تعرضت لخسائر مادية فادحة يهدد وجودها ويهدد مصير العديد من المنتمين إليها من كوادر وعمال.

 

إهمال وتقصير واجحاف

 

في الوقت الذي كانت خلاله الحكومة التونسية مطالبة بتبني المشروع ومساندته لما فيه خير البلاد والعباد حدث العكس فعوضا عن تسهيل انهاء انجاز المشروع، تفاجأت الشركة صاحبة المشروع الرائد بزيادة غير معقولة بل مشطة للغاية في أسعار الأراضي والعقارات التي تم فيها تثبيت أسس المشروع ونعني بذلك النواعير مما ساهم في اضطراب واضح وغير متوقع في نسبة تقدم الأشغال، بل أن الشركة الراعية للمشروع وجدت نفسها أمام عقبة خطيرة قد تزيد من الصعوبات والمصاريف التي أثقلت كاهلها وكاهل بقية المؤسسات والشركات المساهمة في المشروع، والحال أنه كان من الأولى أن تعمل الحكومة من جهتها على ضمان نجاح المشروع من خلال تحديد سعر رمزي للتفريط في هذه الأراضي التي سيقع استغلالها لفائدة المجموعة الوطنية وتعود بالنفع العام للجميع، كما يبدو من غير المعقول أن تبقى الحكومة مكتوفة الأيدي أمام تصاعد حدة المشاكل التي قد تسبب في إلغاء فكرة نموذجية ورائدة كهذا مشروع خاصة في ظل التساهل في التعامل مع العابثين و"اللصوص" الذين نهبوا العديد من المعدات الخاصة بالمشروع.

 

كفاءات تونسية ومصلحة وطنية بالمقام الأول

 

فضلا عن ريادة هذا المشروع من حيث توفير طاقات بديلة وبكلفة ضئيلة من شأنها أن تخفف الضغط على الشركة الوطنية للكهرباء والغاز، فإن أهمية هذا المشروع تكمن أيضا في كونه يشغل العديد من الكفاءات الوطنية وهو قادر أيضا على استقطاب اليد العاملة التونسية وبالتالي المساهمة في الحد من نسبة البطالة في البلاد، مكاسب المشروع المحدث لا تقتصر على ذلك بل تتعداها إلي أبعد من ذلك بكثير حيث إن تركيز هذا المشروع في مناطق مختلفة من ولاية بنزرت يقتضي مد شبكات جديدة من الطرقات في المناطق الجبلية الوعرة وهو ما يعني دون شك تقديم خدمة جليلة لفائدة المجموعة الوطنية وخاصة لأهالي تلك المناطق التي تعيش ظروفا مهنية واجتماعية صعبة وقاهرة،  وكل هذه المعطيات تدعو الجميع إلى ضرورة الالتفات إلى المشكل التي تمثل مصدرا ثابتا وهاما للمساهمة في دفع عجلة التنمية الإقتصادية والإجتماعية في البلاد.

 

محمد بن مراد

 

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.