السلفية في تونس…شرطة إسلامية وخيم دعوية وقوافل خيرية

بين الدعوة للّه ونصح الشباب ونصرة دين اللّه، ولو بالقوة. وبين العمل السلمي، و”بالتي هي أحسن”، والعنف واستعراض القوة، ترتسم معالم التيار السلفي راهنا في تونس، فلم تعد السلفية في تونس ملمح طيف، لكنها أصبحت تيارا سياسيا ومجتمعيا فرض نفسه على المشهد التونسي بشكل سريع، يتنازع طرفاه تيار متشدّد بدأ …



السلفية في تونس…شرطة إسلامية وخيم دعوية وقوافل خيرية

 

بين الدعوة للّه ونصح الشباب ونصرة دين اللّه، ولو بالقوة. وبين العمل السلمي، و”بالتي هي أحسن”، والعنف واستعراض القوة، ترتسم معالم التيار السلفي راهنا في تونس، فلم تعد السلفية في تونس ملمح طيف، لكنها أصبحت تيارا سياسيا ومجتمعيا فرض نفسه على المشهد التونسي بشكل سريع، يتنازع طرفاه تيار متشدّد بدأ يستعمل مفردات العنف ولغة القوة لفرض حضوره، وتيار يعتمد على منهج مغاير تماما يقول ”بعدم جواز الخروج على الحاكم، حتى ولو كان كافرا”. وبين الطرفين سجال وجدل، ساحة معركته المساجد والفضاءات العامة.

 

لم ينتظر السلفيون في تونس أكثـر من ثلاثة أيام بعد هروب الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي للإعلان عن أنفسهم، ففي 17 جانفي 2011 قرّر السلفيون تأدية صلاة العصر جماعة قبالة مقر وزارة الداخلية في شارع الحبيب بورفيبة، كان الشارع مازال يغلي، والثورة تتلمّس أيامها وساعاتها الأولى. وغاب عن التونسيين، في وهج الانتصار على نظام بن علي، وفي غمرة الفرحة العارمة بكسر قيود الطغيان، الانتباه إلى ”الفتنة” التي بدأت منذ اللحظة الأولى لانتصار الثورة تستجمع صورها، وتقفز على حالة السلم الأهلي الذي عمّ، بالقهر، تونس لعقود. وباتت السلفية من أبرز التيارات التي ستصنع، لاحقا، جدلا سياسيا وإعلاميا، وتحبس أنفاس التونسيين وتعيد استحضار المشهد الجزائري الدامي في التسعينيات.

 

في الجمعة الأولى التي تلت هروب بن علي، في 21 جانفي2011 ، خرج السلفيون من مسجد الفتح في شارع محمد الخامس، الذي يتعامد مع شارع الحبيب بورفيبة، ورفعوا شعارات التوحيد وأطلقوا العنان للرموز الدالة عليهم. واكتشف التونسيون مظاهر جديدة في اللباس والعباءة وإطلاق اللحى والجلباب والنقاب، فقد كان الأسبوع الأخير في الثورة، قبل الانتصار على الاستبداد، كافيا للسلفيين لإعداد أنفسهم للخروج على الناس، بعد عقود ذاقوا فيها، كغيرهم، ويلات القمع والسجون والمعتقلات.

 

يعدّ ”الفتح” من أقدم المساجد في العاصمة التونسية وأجملها. هندسته المعمارية ذات الطابع المغاربي تميّزه عن باقي المساجد في تونس، وموقعه يجعله الأكثـر استقطابا للمصلّين، لكنه بات، مع مرور الوقت، المحضن الأبرز للسلفيين الذين عملوا، في غفلة من الحكومة، على السيطرة على المساجد بعد الثورة. ومن مسجد الفتح خرجت المسيرة الضخمة باتجاه السفارة الأمريكية في 41 سبتمبر الماضي، للاحتجاج على الفيلم المسيء للرسول (ص)، ومنه أطلق زعيم ”أنصار الشريعة”، الشيخ أبو عياض، تهديده ووعيده للحكومة، وضد حركة النهضة وقيادات التيار العلماني.

 

بعد كل صلاة ينتشر باعة العباءات والجلابيب والقفازات الخاصة بالمحجّبات والعطور المكيّة والسواك، ويُحيط بالمسجد باعة الكتب والمجلّدات والأقراص الدينية.

 

في محيط مسجد ”الفتح”، وسط العاصمة تونس، يتحلّق الشباب السلفي في مجموعات بعد كل صلاة، ويبدأ النقاش السياسي الساخن، وتنزلق المناقشات التي تتمحور حول أفكار التكفير، ويطغى عليها الحديث عن الحاكمية وسيد قطب، فقد استعار السلفيون في تونس مفردات الطاغوت والخروج عن ولاة الأمور والروافض والحاكمية وشرع الله، ومصطلحات كثيرة باتت تشكّل اللغة الأبرز في النقاش. وفي مسجد الرحمة، في منطقة الزهراء في الضاحية الغربية للعاصمة تونس، يبرز الحضور السلفي بشكل أكبر، وفي هذا المسجد تكثـر لقاءات ونشاطات التيار السلفي، فهم يسيطرون على كل مفاصل الأنشطة المسجدية، بدءاً بالصلوات والخطب والحلقات الدينية، وصولا إلى كل الأعمال الخيرية والدعوية التي ينظّمها المسجد. وقد أدى بسط السلفيين أيديهم على عدد كبير من المساجد إلى بروز خلافات ومشاحنات بين الأئمة الذين تعيّنهم وزارة الشؤون الدينية التونسية، وبين السلفيين الذين يرفضون التعاطي مع هؤلاء الأئمة.

 

بين العلمية والجهادية.. حرب المساحات

 

بالنسبة للجزائريين كانت هذه المظاهر، وغيرها، التي رافقت صعود الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحلّة في بداية التسعينيات، ويمكن لأي جزائري أن يشعر أن ”الفيلم راه يتعاود” بكثير من تفاصيله المأساوية في تونس، حتى فيما يتعلّق بالصراع بين مجموعات التيار السلفي أنفسهم. ففي مسجد ”الفتح”، كما في كل مساجد تونس، يفضّل أنصار السلفية العلمية تجنّب المواجهة مع أنصار السلفية الجهادية. وتشعر حين تتحدّث إلى أيّ من العلميين أنهم يخشون سطوة الجهاديين.

 

يقول أكرم، وهو مهندس في الاتصالات عاطل عن العمل، فضّل التحوّل إلى بيع الأقراص الدينية والعطور والكتب الدينية، إن ”أنصار السلفية الجهادية يتّسمون بالعنف والحدّة في نقاشاتهم. إنهم يكفّرون الحاكم ويرفضون طاعة ولي الأمر، ويعتمدون منهج التكفير والتفجير”، ويضيف ”نحن في السلفية العلمية نعتقد أن وقت الجهاد ليس الآن، وقته مرتبط بوجود الإمام الواحد. لذلك نختلف، في منهجنا الدعوي، عن السلفية الجهادية. هؤلاء ظهروا فقط بعد الثورة، أما نحن، في السلفية العلمية، فقد كنا موجودين حتى في عهد بن علي، ولم يكن يتعرّض لنا النظام، لأننا كنا نقول بعدم الخروج عن الحاكم، ومازلنا نعتقد بذلك”، ويضيف ”نحن لا نخالط أنصار السلفية الجهادية، ولا نودّ مناقشتهم، إنهم يعتدون على كل من يخالفهم. هم يسيرون في مجموعات، وغالبيتهم من الشباب الذي تديّن حديثا، ولا يفقه الدين بشكل عميق”.

 

يمكن بسهولة كبيرة التفريق بين أنصار السلفية العلمية والسلفية الجهادية في تونس.. عادة يلبس الجهاديون ألبسة شبه عسكرية ويضعون قبعات على رؤوسهم، أو عباءات أفغانية، ولا يجدون حرجا في رفع أصواتهم خلال النقاشات ضد الحكومة، وضد ”الإخوان المسلمين والنهضة والصوفية والأشاعرة والشيعة والتحرير”. بالنسبة إليهم كل هذه التيارات تدخل في دائرة العداء، فهم بالنسبة لطارق الشاب البالغ من العمر 21 سنة، يدرس بكلية الإعلام في تونس، والذي بدأ يتأثّـر بأفكار السلفية الجهادية في تونس ”خارجون عن الدين وضالون.

 

وهم ممن يصنعون الفتنة في الدين”. لم يجد طارق بديلا عن التوقّف عن دراسة الإعلام والتحوّل إلى دراسة العلوم الشرعية على يد مشايخ السلفية، منذ بدأ يتابع قنوات دينية كـ”الكلمة”، و”الرحمة” و”الناس”، ويعتبر طارق أن ”الأحزاب فتنة، والديمقراطية كفر، لأنها تقضي بالحكم للشعب وتنفي الحاكمية لله”. كما لا يجد رفيقه عبد الحميد حرجا في وصف الشيخ يوسف القرضاوي بــ”القرداوي”، ويهاجم الغنوشي والمرزوفي وحكومة النهضة، ويصفهم بأنهم عبيد أمريكا والغرب، ويؤكد أن مكان المرأة في البيت وليس في العمل. ويستلهم إبراهيم، كما غيره، مواقفه وأفكاره ممّا يتشرّبه من خطب مشايخ ”أنصار الشريعة”، ويبرز ذلك واضحا من خلال الصفحات الرسمية للتنظيم على الأنترنت، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي التي تحفل بأسامة بن لادن والزرقاوي، وصور الجهاديين في العراق وأفغانستان والشيشان، وتحفل بمئات من أشرطة الفيديو للعمليات الانتحارية والجهادية في كثير من المناطق، وخطب بن لادن ومحمد المقدسي وأبو مهند التونسي، وغيرهم. كما ترتسم على مواقع التنظيم، وصفحاته، صور الأسلحة والقنابل والتعاليق التحريضية، إضافة لصور وفيديوهات أنشطة مختلف فروع أنصار الشريعة الدعوية والخيرية.

 

رائحة النار وشرارة الحريق

 

برز الحضور السلفي العنيف في تونس منذ أكتوبر 2011، إثـر الهجوم على قناة ”نسمة” بعد بثّها لفيلم ”بيرسي بوليس”، الذي عُدّ مسيئا للذات الإلهية، وتكرّس هذا الحضور مع أحداث جامعة منوبة، التي تلت منع مدير جامعة الآداب بمنوبة للمنقّبات بالدخول إلى الجامعة. وفي الثاني أفريل 2012  اعتدت مجموعة سلفية على كنيسة أرثوذكسية في جربة، وتمّ تهديد اليهود الذين يحجّون إلى الغريبية في جزيرة جربة. وبدأ التيار السلفي يأخذ شكلا أكثـر عنفا مع الهجوم على فندق بسيدي بوزيد لمنعه من بيع المشروبات الكحولية، وباتت السلفية الجهادية تستعرض قوّتها في الساحات والأماكن العامة، وتصنع لنفسها حضورا لافتا في الساحة التونسية، عبر أنشطة متعدّدة تقيمها منذ فترة، كخيمة السقاية التي تسقي فيها المواطنين في عزّ فصل الصيف، والقوافل الخيرية التي يخرج فيها ”أنصار الشريعة” إلى الأرياف والقرى الجبلية والمدن الصغيرة لتوزيع المؤن والمساعدات الخيرية، ولجان الحماية الشعبية التي ينظّمها ”أنصار الشريعة”، يقولون إنها لحماية الممتلكات وردّ المظالم عن النساء وحماية الضعفاء، وتحوّلت هذه اللجان إلى ما يشبه الشرطة الإسلامية أو ”هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”.

 

وعشية 23 أكتوبر 2012، موعد انتهاء الشرعية الانتخابية لحكومة الترويكا والمجلس التأسيسي، أصدر تنظيم ”أنصار الشريعة” بيانا دعا فيه السلفيين إلى ”تشكيل لجان لحماية أعراض وممتلكات ودماء شعبنا، في صورة حدوث أي انخرام لأمن البلاد في تاريخ 32 أكتوبر وما بعده، وأن يستعدوا لحفظ أمن شعبنا، وتوفير قوته في حال حدوث فوضى”، وسعى التنظيم إلى لعب دور الشرطة المحلية.  لكن أحداث السفارة الأمريكية في تونس مثّلت نقطة التحوّل الكبير في المواجهة المفتوحة، ليس بين الحكومة والأمن والسلفية فقط، ولكن أيضا بين السلفية والتيار العلماني ووسائل الإعلام، فقد لفتت هذه الحادثة أنظار الداخل والخارج إلى ”السلفية الجهادية”، وركزت الأضواء عليها، وبدأ جرد الحساب، وأخذت حركة النهضة، وحكومتها بقيادة حمادي الجبالي، نصيبها من الجلد الداخلي والأوروبي بسبب ما يُعتبر تساهلا منها مع السلفيين، أو تواطؤا معهم لإرعاب العلمانيين. وترافق ذلك مع حالة مشبّعة من الشحن الإعلامي والسياسي الطاغي، فقد أدّت أحداث السفارة الأمريكية إلى إلغاء الآلاف من الحجوزات في الفنادق، وهو ما كلّف الوكالات السياحية والفنادق خسائر كبيرة. وشكّلت تلك الأحداث، وما تلاها من مواجهات بين السلفية وقوات الأمن بمناطق مختلفة في منطقة ”الهيشر”، علامة فارقة في تأثير أي أحداث مماثلة على صورة تونس، وعلى السياحة التي تمثّل الدعامة الأبرز للاقتصاد في تونس، خاصة في ظلّ تنامي معدّلات البطالة والغليان الاجتماعي وارتفاع الأسعار. يشعر التونسيون أن ”ثورة 41 جانفي بدأت تتجزّأ إلى ثورات داخلية، ولم يعد الخوف من الثورة المضادة وحده ما يقلق التونسيين، لكن مخاوف أخرى باتت تؤرقهم ”السلفية والجهاديون الجدد، والخوف على الحريات، والعنف السياسي الذي بدأ يتدفّق في شوارع تونس”، وبدأت تتنقّل من مرحلة العنف اللفظي إلى العنف المادي والمصادمات الدامية، لكن أخوف ما يُقلق التونسيين أن تدخل تونس مرحلة ”العنف المسلّح”، وهو ما دفع الكثير من عقلاء تونس إلى دقّ جرس الإنذار والدعوة إلى إطفاء شرارة الحريق قبل أن يشتعل.

 

في لقاء سامي الصيد.. عضو خلية ميلانو وأنصار الشريعة في تونس

 

كنت محظوظا في أن أحصل على لقاء سامي الصيد، خاصة في تلك الأيام التي كانت تتمّ خلالها ملاحقة قيادات السلفية من قِبل الشرطة بعد أحداث السفارة الأمريكية. بالنسبة لصحفي يمثّل سامي الصيد ”صيدا ثمينا”، فهو عضو في خلية ”ميلانو” المتّهمة بتدبير عمليات إرهابية في إيطاليا وأوروبا، وهي الخلية التي يُزعم قيادتها من قِبل الجزائري جمال لونيسي.

 

”غالبية أعضاء التنظيم من الشباب الذي عانى كثيرا من القمع والسجون والمضايقات في عهد بن علي، أو من الشباب الذي بدأ يتديّن”.

 

وقد اعتقل سامي الصيد في إيطاليا سنة 2001، وحُكم عليه بستة أعوام بتهمة الانتماء إلى منظمة إرهابية، وأُعيد اعتقاله عام 2005، وسلّمته السلطات الإيطالية إلى نظام الرئيس بن علي في جوان 2008، حيث كان محكوما عليه من قِبل المحكمة العسكرية في تونس بأحكام يصل مجموعها إلى 60 عاما سجنا، بتهم الانتماء إلى تنظيمات إرهابية تنشط بين إيطاليا ولندن وأفغانستان، كـ”أنصار السنة” و”أهل السنة والجماعة” و”الجبهة الإسلامية” في تونس. أُفرج عن سامي الصيد، البالغ من العمر 44 عاما، بعد الثورة في إطار العفو العام عن المساجين السياسيين. انضم إلى تنظيم ”أنصار الشريعة”، وشرع في تنظيم حملات الاستقطاب الدعوي وقوافل الرحمة لمساعدة الفقراء في القرى النائية في تونس.

 

رفض سامي الصيد في اللقاء معه التقاط صور له، ولم يبرّر ذلك بدوافع دينية، ولكنه أكّد أن الأمر يتعلّق بأمنه الشخصي ورغبته في الابتعاد عن الأضواء، حيث قال إن ”هناك قضايا مازالت تلاحقه في إيطاليا”. كان حينها يحضّر لقافلة خيرية تخرج إلى قرى منطقة الكاف، فقد اعتاد أنصار الشريعة الخروج في هكذا قوافل إلى القرى والمدن الفقيرة، من أجل الاحتكاك بالناس ومساعدتهم.  سألت سامي عن تنظيم أنصار الشريعة في تونس، والذي يمثّل تيار السلفية الجهادية، فقال: ”نحن تنظيم غير مهيكل، لسنا حزبا ولا جمعية ولا هيئة، وليس لنا قيادات معيّنة في الولايات، لكننا ننظّم أنفسنا بأنفسنا”. سألته لماذا لا تفكّرون في تأسيس جمعية أو حزب؟ قال: ”نحن لن نشارك في العمل السياسي، ولن نفكّر في تأسيس حزب سياسي. ساحة عملنا المساجد والميادين العامة، ونحن نقوم بعمل الخير وتبيان الحق للناس وردّ الحقوق والمظالم، إن كان في وسعنا ذلك. في القصرين مثلا سُرق من امرأة ألف دينار تونسي، لم تتحرّك الشرطة لردّ حقها، لكن شباب التنظيم تحرّكوا سريعا وأعادوا لها 950 دينار مما سرق منها”، ويضيف: ”ننظّم القوافل الخيرية ولن يمنعنا أيّ كان من فعل الخير. وأمرنا شبابنا بتنظيم لجان لحراسة الأحياء ليلة 23 أكتوبر 2012”.

 

وبالتأكيد يرتبط هذا العمل، أيضا، بالجانب الدعائي للتنظيم، وسعيه لتقديم نفسه إلى التونسيين، تحسّبا للاحق الأيام. كما يعمل ”أنصار الشريعة” على استقطاب مزيد من الشباب، عبر الخيم الدعويّة التي ينظّمها بشكل متواصل لدعم صفوفه، ويُشرف عليها قياداته كالشيخ أبو عياض، ويقول سامي إن ”غالبية أعضاء التنظيم من الشباب الذي عانى كثيرا من القمع والسجون والمضايقات في عهد بن علي، أو من الشباب الذي بدأ يتديّن”.

سألتُ سامي الصيد عن بعض الدعوات التي يطلقها بعض السلفيين لاستعمال العنف في تونس، فأكّد أن ذلك ”تلفيق من قِبل وسائل الإعلام، وأن قيادات أنصار الشريعة تؤكّد أن تونس أرض دعوة، وليست أرض جهاد”.

 

ونفى أن يكون لتنظيم ”أنصار الشريعة”، أو أي تنظيم آخر، مراكز لتدريب الجهاديين في جنوب تونس، ولا في أي مكان آخر، وقال: ”هذا كذب وافتراء، ليس لدينا، وليس في نية أيّ منّا، التفكير في مراكز لتدريب الجهاديين. نحن مقتنعون أن تونس أرض دعوة، وليست أرض جهاد، ولن نمسّ أهلنا وشعبنا بأي ضرّ”. ويعتبر سامي أن ”هذه المعلومات محلّ تسويق من قبل الإعلام البنفسجي، الذي يستعدي الإسلاميين والسلفية، ويسوّق عنهم معلومات وأخبار وقصص كاذبة، لتأليب الرأي العام عليهم”. ويعلّق سامي الصيد على تحوّل المواجهة بين الحكومة والشرطة مع ”أنصار الشريعة”، منذ أحداث السفارة الأمريكية في 14 سبتمبر2012 ، ويقول ”لدينا شعور بأنها تعيد استعمال نفس وسائل بن علي. منذ انتخاب الحكومة زاد الاستفزاز ضد الشباب السلفي.

 

وعندما يقول الرئيس المنصف المرزوفي إن هناك ثلاثة آلاف سلفي جهادي في تونس، فهو يحاول أن يقدّمنا كعربون هدية إلى أمريكا. نشعر، منذ فترة، أن هناك استهدافا مباشرا لهذا الشباب، فقد تمّ القبض على قيادات أنصار الشريعة، كحسن بريك وغيره”. ويشير إلى أن التنظيم عمل على تهدئة الشباب، ومعه من الجمهور، ومنعهم من المواجهة المباشرة مع الأمن، حيث قال: ”يسألنا شباب التنظيم عمّا يجب فعله، لكن الشيخ أبو عياض وكمال رزوق والشيخ حسن بريك يقومون، منذ فترة، بتهدئة شباب أنصار الشريعة، حتى لا تنفلت الأمور، ونقوم بضبط النفس. لقد حذّرنا الحكومة من مآلات الأمور إن استمر استفزاز السلفيين. وعليهم أن يتحمّلوا مسؤولياتهم، ليكون واضحا هذه المرّة. لقد تعرّضنا في عهد بن علي للقمع، ولن نقبل أن نكون عرضة للقمع ثانية. نحن أبناء تونس ولدينا الحقّ في ممارسة فكرنا وعقيدتنا الصحيحة بكل حرية، وليتركوا الخيار للناس ليحكموا علينا”.

 

الباحث والمحامي التونسي مبروك كورشيد:

 

كيف يمكن قراءة التنامي اللافت للتيار السلفي في تونس؟

 

 في الواقع لم يكن الحديث لافتا عن السلفيين، لكن أحداث السفارة الأمريكية كانت نقطة تحوّل. مناخ الحريات الذي أفرزته الثورة في تونس سمح للسلفيين بالعمل والسيطرة على المساجد، وبدأ معه الخطاب الديني المشحون الذي يستثمر في العواطف الدينية، وهو الذي أوصلنا إلى هذه المرحلة من التجاذب والخطر، وتساهُل حكومة النهضة مع السلفيين لعب دورا في ذلك.

 

هل تتخوّف من أن تتحوّل السلفية إلى العنف المسلّح؟

 

إن شاء اللّه لا. يجب أن يعمل الجميع على ألّا تتحوّل السلفية من الطور الدعوي إلى طور قتالي عنيف، وعندها ستكون تونس في مهبّ الريح، لا أتمنّى إعادة إنتاج المشهد الجزائري، لكن هناك بوادر وبوادر سلبية. هناك سلفيون تونسيون يتدرّبون في شمال مالي والصحراء التونسية وفي ليبيا، وهناك من ذهبوا بالمئات إلى سوريا ليقاتلوا هناك، وسيعود بعضهم وقد تدرّب على السلاح وتشبّع بفكر التكفير، وسيعتبر تونس دولة كفر، وعندها ستقع الكارثة. تونس ليست الجزائر التي هي دولة قوية وتملك إمكانات عسكرية لمواجهة الإرهاب. تونس على العكس، دولة صغيرة، وأي كرطوشة ستؤدي إلى كارثة على الاقتصاد التونسي.

 

هل قيادات التيار السلفي في تونس على وعي بهذه المخاطر؟

 

 المشكل في التنظيمات الجهادية أنها تنظيمات عنقودية ولها أجندة شمولية. والسلفية الجهادية في تونس هي جزء من تنظيم القاعدة، ولا ترتبط بأجندة تونسية، وعندما يقال لهم قاتلوا في تونس سيقاتلون. ومسؤولها الشيخ سيف الله بن حسين، المكنى أبو عياض، سافر إلى أفغانستان وإلى الجزائر، وسُلم من قبل أمريكا إلى تونس، وكان مقرّبا من الرجل الثاني في القاعدة أيمن الظواهري. السلفيون في تونس ليسوا صناعة تونسية، وليسوا تطوّرا طبيعيا للمجتمع التونسي، هم جزء من الصناعة الأمريكية- السعودية.  

 

قالوا عن السلفية

 

أبو إياد المتحدّث باسم ”أنصار الشريعة” في تونس:

 

عبّرت السلفية الجهادية في تونس عن عدم تبنّيها للعنف، وهي تعتبر البلد أرض دعوة وليست أرض جهاد، وتحاول الدفاع عن وجهة نظرها، وهو أمر لابد من أخذه بعين الاعتبار، وألّا نقع في خطة أولئك الذين يريدون إحداث نزاع بين النهضة والسلفية، وألّا نسقط في هذه اللعبة، ونتعامل مع الناس حسب الواقع. فإذا وُجدت أطراف سلفية ثبت تورّطها في العنف فمن الضروري تطبيق القانون.

 

راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة:

 

 السلفية من قوى الثورة، وهناك أطراف في تونس تراهن على دفع الشباب السلفي إلى التصادم مع السلطة ودفع شباب التيار السلفي إلى ممارسة العنف، خاصة وأن بعضهم تدرّب فعلا على العنف، وقدِم فعلا من ساحات جهادية في الصومال وأفغانستان. لقد التقيت قيادات التيار السلفي ونصحتهم بالتريّث وعدم التسرّع والعمل في المساجد وتأسيس الجمعيات والصحف والإذاعات.

 

باجي قايد السبسي رئيس حركة نداء تونس:

 

 السلفية في تونس امتداد لحركة النهضة. راشد الغنوشي يقول إنهم أبناؤنا، وهو نفسه كان سلفيا. النهضة تشجّع السلفيين، ولم تصدّهم عن العنف. أنتم في الجزائر حسمتم موضوع السلفية، لكن من حقّ التونسيين أن يخافوا من أن يتكرّر ما وقع في الجزائر.

 

رضا بلحاج رئيس ”حزب التحرير” الداعي إلى الخلافة الإسلامية:

 

هناك مغالطات كثيرة وتضخيم في وسائل الإعلام لمسألة السلفية. هناك تجاوزات ناتجة عن التدافع والتهوّر والجهل، لكون التيار السلفي في تونس غير مؤطّر. لديّ اتصالات مع قيادات التيار السلفي الجهادي، وهم يؤكّدون أنه ليس لهم نيّة في استعمال العنف، ويؤكّدون أن تونس ”بلد دعوة وليست بلد جهاد”.

شكري بلعيد رئيس جبهة الوطنيين الديمقراطيين:

 

 السلفية ليست قوة طبيعية، هي ظاهرة مفبركة لعبت فيها أطراف وعملت على تصعيدها ككيان سياسي، وعملت على تضخيمها. هناك دور أجنبي خليجي، ودور مخابراتي أمريكي، ودور للمنظّمة الأمنية، وهي تعبير عن أزمة وليسو جزءا من المسار الطبيعي للثورة والشعب التونسي.

 

مبعوث لحياني عن جريدة الخبر الجزائرية

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.