رسائل تونسيّة: لماذا إدخال “التّدافع” في الدّستور؟

يطالب أقصى يمين النّهضة، بقيادة الغنّوشي، بإدخال كلمة “التّدافع” القرآنيّة في الدّستور. فما عساه يريد من وراء ذلك؟…



رسائل تونسيّة: لماذا إدخال “التّدافع” في الدّستور؟

 

يطالب أقصى يمين النّهضة، بقيادة الغنّوشي، بإدخال كلمة "التّدافع" القرآنيّة في الدّستور. فما عساه يريد من وراء ذلك؟

 

جاءت كلمة "التّدافع" في قوله تعالى:

 

 "إنّ الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربّنا الله ولولا دفع الله النّاس بعضهم ببعض لهدمّت صوامع وبيع[1] وصلوات[2] ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً ولينصرنّ الله من ينصره".

 

 الآية 40 من سورة الحج

 

آية الدّفع هي في الواقع جزء لا يتجزأ من الآيتين التي قبلها (39) والتي بعدها (41).

 

الآية التي قبلها هي آية مفصليّة لأنّها آية الانتقال من الإسلام المكّي المسالم الرّوحي[3] الذي اقتصر عليه المتصوّفة؛ إلى الإسلام المدني المحارب السّجالي[4]، الذي "تسمر" فيه أقصى اليمين الإسلامي التّقليدي والسّياسي؛ الآية التي قبلها تقول:

 

"أذن للذين يقاتلون[5] بأنّهم ظلموا وأنّ الله على نصرهم لقدير"

 

الآية 39 من سورة الحج

ّ

وهكذا دشنت الإذن في الجهاد لكي يعود المهاجرون إلى ديارهم، أي وطنهم مكّة الذي أخرجهم منه مشركو قريش ظلماً وعدواناً. الإذن عادة مؤقت. ولكن هناك من المؤقت ما يدوم! والآية التي بعدها هي امتداد لها معنى ومبني، إذ جاء فيها:

 

"الذين إن مكّنّاهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزّكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر".

 

الآية 40 من سورة الحج

 

قادة أقصى اليمين الإسلامي، على غرار مرضى الفصام، يستخدمون التّورية أو الرّمز؛ والرّمز هو كلّ معنى مباشر يرمز إلى معنى غير مباشر، كل كلمة ترمز إلى معنى مكنون في مخزونها الرّمزي: كلمة "قلب" مثلاً ُيكنى بها عن رمزها: الشّجاعة. ضحايا الفصام مسكونون بالفكري السّحري. أقصى يمين النّهضة أراد هنا أن يتفاءل بما وعدت به الآيات الثلاث: كلمة التّدافع تعني حرفياً إزاحة النّاس بعضهم ببعض ليحل بعضهم محل بعض. لكن رمزها، أي ما تخفيه في مخزونها التّاريخي والأنثروبولوجي: الحرب.

 

كنى أقصى يمين النّهضة، بـ"التّدافع": "الذي لابدّ منه" كما أكّد الغنوشي، عن الحرب الأهليّة التي يتأهّب لإشعال فتيلها بالاغتيالات، إذا لم يردعه عن ذلك رادع قوي، داخلي و/أو خارجي كالجيش والأمن مجتمعين وكالاتّحاد الأوربي مثلاً.

 

يقول الإمام السّيوطي في تفسيره لآية التّدافع: "وعن أبي حاتم عن ابن زيد: "ولولا دفع الله النّاس أي "لولا القتال والجهاد"(…) ولولا ذلك لهلكت هذه الصّوامع وما ذكر منها".

 

الغنّوشي عندما يكتب لابساً طاقيّة إخفاء الأسماء المستعارة، يطلق لنرجسيّته المتفجّرة العنان ناعتاً نفسه بـ"الشّيخ الجليل المجاهد راشد الغنّوشي"! أصدقاءه يعرفون نقطة ضعفه هذه فعندما قدّم عصام العريان كتابه "الحرّيات العامّة في الدّولة الإسلاميّة" نعته بما يحبّ "الشيخ المجاهد" إلخ.

 

"تفاءلوا بالخير تجدوه"(حديث). فلماذا لا يكون دستور تونس صورة طبق الأصل من قناعات حاكمها الفعلي، سراً طبعاً، الغنّوشي حاثاً على "القتال والجهاد". ضدّ من؟ ضدّ "المرتدّين" في تونس وربّما الجزائر. يمكن الافتراض باحتمالية عالية أن "الشيخ" بمجرد أن "يمكن" لنفسه في تونس فقد يحولها إلى قاعدة لـ"القاعدة" لإسقاط "حزب فرنسا" الحاكم في الجزائر الذي له معه ثأر شخصي وديني ـ سياسي لن ينساه.

 

"الشيخ"، الذي مزق الُفصام جميع وظائفه النفسية، يهتدي بالفكر السحري، الذي يطلب من الواقع إعطاءه نتائج مخالفة لقوانينه: قوانين الطبيعة وقوانين العقل؛ الفكر السّحري هنا هو أخذ الفأل، هو التيمّن والتطيّر أي الإيمان بالتّفاؤل كمتدخّل في صناعة التّاريخ خاصّة التّفاؤل بالآيات القرآنيّة. آية التدافع تتفاءل له بأن "القتال والجهاد" سنة الله ولن تجد لسنة الله تبديلا. الآية التي قبلها تعطيه توقيعاً علي بياض بالإذن في القتال مع الوعد بالنصر.

 

قتال من؟ مثلاً قتال الجيش والأمن "غير المأمونين" كما قال "الشيخ" ومعهما المجتمعين المدني والسياسي "المرتدين"! والآية التي بعدها تتفاءل له بـ"التمكين"[6]؛ إذ أنّ نعت "المؤقتة" لحكومته يرنّ في سمعه، هو المسكون بهذيان التفاؤل والتشاؤم، كطنين رصاصة.

 

التّمكين هو إقامة الدّولة الدينيّة التي "تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر"؛ ميليشياتها العديدة، على الطّريقة الإيرانيّة، هي منذ الآن على قدم وساق. تهاجم الحانات والسّفارات وربّما غدًا حليقي الذّقون. ألم تكن ميليشيات طالبان، التي يحمل أقصى يمين النّهضة مشروعها الظّلامي، تسجن من لا تفيض لحيته عن الكفّ إلى أن تطول لحيته!

 

صباح الخير تونس الطالبان على أبوابك بقيادة الشّيخ الجليل المجاهد… إلخ.

 

بقلم: العفيف الأخضر

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.