فرعون جديد يطل برأسه في مصر

لا تترك حضور المؤتمرات الفرصة أمام شخص أجنبي لاكتشاف البلد الذي يفد اليه. فالأجندة المزدحمة بالندوات والورشات لا تسمح بالقيام بزيارات أو التواصل مع الناس للإطلاع عما لا يُمكن التعرف عليه عن ذلك البلد في الوثائق المكتوبة أو المسموعة أو البصرية…



فرعون جديد يطل برأسه في مصر

 

لا تترك حضور المؤتمرات الفرصة أمام شخص أجنبي لاكتشاف البلد الذي يفد اليه. فالأجندة المزدحمة بالندوات والورشات لا تسمح بالقيام بزيارات أو التواصل مع الناس للإطلاع عما لا يُمكن التعرف عليه عن ذلك البلد في الوثائق المكتوبة أو المسموعة أو البصرية.

 

غير أن حس الصحفي يبقى دائما يقضا مهما كان ضيق مساحة الوقت محد لحرية التحرك، خصوصا عندما يتصادف الحضور في بلد يعيش غليانا سياسيا واجتماعيا لا يتوقف، مثلما هو عليه الحال في مصر.

 

تواجدتُ بالقاهرة في اطار المؤتمر العربي الصحافة الاستقصائية الذي تنظمه سنويا شبكة "أريج"، تزامنا مع تزايد وتيرة الاحتجاجات الغاضبة ضد الرئيس المصري محمد مرسي.

 

فمجرد نزولي بفندق قريب من وسط العاصمة المصرية، كانت أنباء تتحدث عن دعوات أطلقها مجموعة من الشباب الثوري الذي أسقط نظام مبارك بمعية عدد من الأحزاب السياسية المعارضة، للتظاهر بساحة التحرير الشهيرة احتجاجا على منعطف خطير اتخذته السياسة المحلية المصرية.

 

فالليلة السابقة لـ"جمعة الغضب" أعلن محمد مرسي عدد من القرارات الفجئية التي أفزعت النخبة السياسية في ذلك البلد. حيث أصدر مرسي اعلانا دستوريا جديدا قرّر فيه "إعادة المحاكمات في قتل والشروع في قتل المتظاهرين"، وأمر أن تكون القرارات الصادرة عنه "نهائية ونافذة بذاتها غير قابلة للطعن عليها بأي طريقة وأمام أي جهة، كما لا يجوز التعرض لقراراته بوقف التنفيذ، أو الالغاء وتنقضي جميع الدعاوي المتعلقة، بها والمنظورة أمام أي جهة قضائية"، ومنع مرسي "أي جهة قضائية حل مجلس الشورى أو الجمعية التأسيسية لوضع مشروع الدستور"، وأقال أيضا النائب العام الذي يفتح عادة القضايا العدلية ضد المتهمين.

 

اعلان غير منتظر قال عنه المرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي في تغريدة على التويتر "الثورة لن تقبل ديكتاتورا جديدا".

 

في اليوم الموالي، احتشد الآلاف من الغاضبين في ساحة التحرير، رافعين شعارات مستنكرة لتلك القرارات، عازمين على القيام بالعصيان المدني إلى حدود اسقاط نظام الاخوان المسلمون.

 

"لقد سرقوا منا الثورة، لقد أصبح مرسي فرعون مصر الجديد"، هذا هو الرد التي توجه به أحد الجالسين بمقهى وادي النيل المجاور لميدان التحرير الى إمرأة تساءلت بصوت عال قائلة "وبعدين؟ عايزين ايه؟". الشخص الناقم على سؤال تلك السيدة التي لم يبدو على ملاح وجهها أية تقاسيم خوف من طرحها هكذا سؤال في وسط حشد يعج بمعارضي محمد مرسي، صرخ في وجهها قائلا: "ما من رئيس مصري حتى في فترات الاستبداد لم يملك مثل تلك الصلاحيات. فما معنى أنه لا توجد أي جهة تطعن في قراراته؟ هل يتشبه مرسي بالله؟"

 

آذان الجالسين في ذلك المقهى اشرأبت إلى حوار لم يكن متكافئا أبدا، سواء من حيث عدد مناهضي مرسي أو من حيث ضعف الحجة لدى السيدة التي اضطرت الى ملازمة الصمت في آخر المطاف.

 

الرجل الغاضب الذي بدا من هندامه الأنيق أنه ينتمي إلى المرفهين اجتماعيا مقارنة بالغالبية الساحقة من المصريين، انتبه بحنكته إلى كوني لم أكن مصري الجنسية رغم  السمرة الظاهرة على لون بشرتي. فبمجرد فتحي لكاميرا التصوير قصد تفقد الصور التي سبق أن التقطتها عن التحركات، توجه الي سائلا: "شفت.. هناك من يدافع عن مرسي اليوم بعد اللي عملو في الدولة!" فأجبته بلهجتي التونسية قائلا: "هي حرة في رأيها، ما نجموش نفرضو عليها راينا". اجابة كانت سببا في تغيير مجرى الحوار الى مسار آخر. فسألني عن الحال في تونس بعد أن تقلص الاهتمام بها بأفول الحراك السياسي الذي كان يميزها في الأشهر الماضية".

 

"لا تحمل هما! فالحالة سيان بين بلدينا. حكومتنا هي اسلامية التوجه مثلكم، وهي تجتهد لاستغلال كل الوقت المسموح لها في ادارة شؤون الحكم من أجل الاستحواذ على مفاصل الدولة. وهي مثلما يفعله حزبكم الحاكم، يصنف كل من يُخالفها في السياسة ضمن فلول النظام السابق، وهي لديها بلطجية تسمى زيفا بـ"لجان حماية الثورة، وتُقاسم المساجد مع سلفيين يزدادون سطوة وقوة يوما بعد يوم". فما كان إلا أن ربّت على كتفي قائلا: "لا شيء يتحد فيه العرب سوى قمع أنظمتهم".

 

صبيحة يوم السبت، كان هناك مجموعة من الشبان المتلفين حول أغطية قضوا ليلتهم في عدة أركان بميدان التحرير. انهم معتصمون إلى حد أن يتراجع محمد مرسي عن قراراته. لم يكن المتجمهرون ينتمون الى الطبقة السياسية فحسب، ففيهم المشردين والمفقرين وشبان الألتراس وباعة الأكلات الخفيفة وتجار الأقمصة والأعلام وعابري السبيل وغيرهم من الذين تقلصت آمالهم من الاخوان المسلمين في أن تتيح لهم الثورة تغييرا حقيقيا في نمط حياتهم نحو الأفضل.

 

وفي محيط هذا المجتمع المضيق، يواصل ملايين القاهريين نسق عيشهم غير آبهين بما يحدث، وقد أنهكهم اللهث وراء لقمة عيش تأتي يوما، وتغيب أياما عديدة.

 

سفيان الشورابي (صحفي تونسي)

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.