خبير جبائي: مجلة التشجيع على الاستثمار تشرع لاستيراد البطالة والتحيّل

تكتسي مهن الخدمات أهمية جدّ بالغة في حياة الأفراد والمؤسسات ووعيا منها بالدور الذي تقوم به في الحياة الاقتصادية بادرت البلدان المتطورة بتنظيمها بصفة محكمة نظرا لمكانتها الإستراتيجية وخير دليل في ذلك التوصية الأوروبية المتعلقة بالخدمات التي صادق عليها المجلس الأوروبي بتاريخ 12 ديسمبر 2006 والتي نحن ملزمون باحترامها بمقتضى سياسة الجوار الأوروبية إذا أردنا النشاط داخل الفضاء الأوروبي…



خبير جبائي: مجلة التشجيع على الاستثمار تشرع لاستيراد البطالة والتحيّل

 

تكتسي مهن الخدمات أهمية جدّ بالغة في حياة الأفراد والمؤسسات ووعيا منها بالدور الذي تقوم به في الحياة الاقتصادية بادرت البلدان المتطورة بتنظيمها بصفة محكمة نظرا لمكانتها الإستراتيجية وخير دليل في ذلك التوصية الأوروبية المتعلقة بالخدمات التي صادق عليها المجلس الأوروبي بتاريخ 12 ديسمبر 2006 والتي نحن ملزمون باحترامها بمقتضى سياسة الجوار الأوروبية إذا أردنا النشاط داخل الفضاء الأوروبي.

 

ولكن حالة التهميش التي تعيشها مهن الخدمات ذات الطابع الفكري خاصة ببلادنا لن تسمح لنا بذلك وهذا من شانه إعطاء أسبقية في المنافسة للمؤسسات الأجنبية على حساب التونسية وتنمية ظاهرة استيراد البطالة.

 

فمهن الخدمات تمر ببلادنا بصعوبات جمة ناجمة أساسا عن عدم التنظيم والتأهيل بالنظر للمعايير الأوروبية والدولية وعن المنافسة غير الشريفة واللاشرعية نتيجة استشراء الفساد الإداري، دون الحديث عن تلك المتأتية أساسا من التحرير العشوائي والمتوحش في إطار مجلة التشجيع على الاستثمارات.

 

ولئن نص الفصل 2 من مجلة التشجيع على الاستثمارات على حرية الاستثمار في عديد الأنشطة باستثناء الأنشطة التجارية و المالية طبقا لمقتضيات نفس الفصل يبقى المستثمر ملزما باحترام النصوص التشريعية والترتيبية المتعلقة بالنشاط الذي يرغب في مباشرته.

 

كما نص الفصل 3 من نفس المجلة على حرية الاستثمار بالنسبة للأجانب المقيمين وغير المقيمين الذين ينجزون مشاريع في إطار نفس المجلة، غير أن مساهمة الأجانب في بعض أنشطة الخدمات غير المصدرة كليا المضبوطة بالأمر عدد 492 لسنة 1994 مؤرخ في 28 فيفري 1994 متعلق بالأنشطة المنتفعة بالامتيازات الجبائية والمالية تخضع لموافقة اللجنة العليا للاستثمار إذا تجاوزت حدود 50 % من رأس المال.

 

 واعتبر لسعد الذوادى رئيس الغرفة الوطنية للمستشارين الجبائيين انه عند صياغة الفصل 3 من تلك المجلة والأمر التطبيقي عدد 492 لسنة 1994، لم يتم الأخذ بعين الاعتبار حالة التهميش واللاتنظيم التي تعاني منها اغلب مهن الخدمات منذ عشرات السنين ولم يكرس مبدأ المعاملة بالمثل ليفتح بذلك الباب على مصراعيه لانتصاب الأجانب بشكل عشوائي على حساب المؤسسات التونسية.

 

كما أن عدم وجود تصنيفة وطنية لمهن الخدمات جعل عبارات الأمر السالف الذكر غير دقيقة وفضفاضة، الشيء الذي فسح المجال للمنافسة غير الشريفة والتهرب الجبائي وتبييض الجرائم وخرق قوانين المهن المنظمة والتشريع المتعلق بإقامة الأجانب والتشريع المتعلق بممارسة التجارة من قبل الأجانب وغير ذلك من التجاوزات التي كانت موضوع دراسة معمقة من قبل مجلس المنافسة خلال سنة 2005 لم يتم الأخذ بتوصياتها الداعية لتنظيم المهن وتأهيلها لأسباب مردها الفساد الإداري.

 

وقد ساهم ذلك حسب رايه بصفة فعالة وناجعة في تنمية ظاهرة استيراد البطالة في الوقت الذي يواجه فيه المهني التونسي صعوبات كبيرة عند سعيه للحصول على تأشيرة وليس باتيندة و أصدرت فيه أوروبا في 18 جوان 2008 توصية العودة  لطرد المهاجرين.

 

وأشار إلى أن الأنشطة المنصوص عليها بالأمر السالف الذكر أحدثت فوضى واضطرابات لا سابق لها في مجال الخدمات ملحقة أضرارا جسيمة بالمهنيين والمستهلكين والخزينة العامة ومحيط الاستثمار على حد سواء، باعتبار أن الباعثين من الأجانب يصرحون لدى وكالة النهوض بالصناعة بمباشرة أنشطة لا تعرف ماهيتها ومجال تدخلها وحدودها كالتدقيق الإداري والاقتصادي والاجتماعي والقانوني والدراسات والمساعدة الفنية والاستشارة ومرافقة المؤسسات والاستشارة في بعث المؤسسات ومساعدة الباعثين وغير ذلك من التسميات الغامضة.

 

وأضاف بان المتتبع للإعلانات القانونية والإشهارية عبر الرائد الرسمي والصحف اليومية يمكنه الوقوف بيسر على خطورة الظاهرة على سوق الشغل وعلى المؤسسات التونسية إلى جانب غياب الرقابة والمتابعة من قبل الهياكل الإدارية وحرمان عدد هام من الهياكل المهنية من الإشراف على مهنها وهو ما ساعد الخارجين على القانون من المقيمين وغير المقيمين ببلادنا على النشاط بحرية دون قيد أو شرط على حساب العاطلين عن العمل والمؤسسات التونسية التي لا تجد نفس المعاملة داخل بلدان هؤلاء الأجانب.

 

وأكد على ضرورة أن يتولى هيكل مشترك يضم الإدارة والهياكل المهنية  للحد من التجاوزات التي تشمل العديد من المهن المتضررة. وقال إنه من المفروض أن تتأكد كل الأطراف من هياكل مهنية وإدارة من نوعية الأجانب الذين يرغبون في الاستثمار ببلادنا وذلك تفاديا لعديد المفاجآت التي بدأت تلوح في الأفق من تحيل وغير ذلك من الجرائم مثلما اتضح ذلك من خلال البلاغات التي تصدرها هيئة السوق المالية بخصوص بعض المتحيلين الأجانب الذين ينشطون بطرق غير شرعية في المجال المالي.

 

واعتبر الذوادي بأن الثغرات التي تطبع النصوص التشريعية و الترتيبية المتعلقة بانتصاب الأجانب ببلادنا أدت إلى  تحرير عدد هام من أنشطة الخدمات غير المنظمة أو المنظمة بقوانين تجاوزها الزمن بالنظر إلى المعايير الدولية  وممارسة نشاط مخالف للنشاط المصرح به على وجه غير قانوني مثلما هو الشأن بالنسبة لمناولة اليد العاملة والوساطة في صكوك المطاعم إلى جانب  تلاعب المؤسسات الأجنبية بمقتضيات المرسوم عدد 14 لسنة 1961 المتعلق بممارسة التجارة من قبل الأجانب.

 

كما تنامت ظاهرة التهرب الجبائي باعتبار أن عددا هاما من المؤسسات الأجنبية أودعت تصريحا بالاستثمار لتكوين مؤسسة مصدرة كليا والحال أن النشاط الفعلي لا علاقة له بالتصدير ويخضع للضريبة حسب التشريع الجبائي الجاري به العمال وتلاعب المؤسسات الأجنبية بمقتضيات الفصل 18 من مجلة التشجيع على الإستثمارات المنظم لعملية انتداب الأجراء الأجانب بالإضافة إلى تبييض الجرائم الجبائية وغيرها من الجرائم وممارسة التحيل الجبائي.

 

وأكد أن الأمر عدد 492 لسنة 1994 لوسيلة ناجعة في تنمية ظاهرة إستيراد البطالة والتحيل على التونسيين وعلى القانون، مشيرا إلى أن مكاتب الدراسات والاستشارات الأجنبية لا همّ لها سوى تحقيق الربح دون تحمل أعباء وخلق مواطن شغل وتأطير اليد العاملة المحلية وغير ذلك، ناهيك أن مواردها من العملة الصعبة المخصصة للإستثمار ببلادنا تكاد لا تذكر.

 

واعتبر ان هذه الأخطاء الفادحة التي ألحقت أضرارا جسيمة بكل الأطراف ناجمة أساسا عن عدم تشريك الهياكل المهنية عند إعداد النصوص التشريعية والترتيبية الماسة بمهنهم وعن عدم الاستماع إلى مشاغلها وعدم وجود إستراتيجية واضحة لتطوير قطاع الخدمات وتأهيله.

 

واقترح التدخل فورا في اطار قانون المالية التكميلي لسنة 2013 لتحوير أحكام الفصلين 3 و16 من مجلة التشجيع على الاستثمارات من خلال التنصيص على تحجير مباشرة الأجانب لأنشطة الخدمات المعنية بالتفاوض والتحرير والتي يجب ضبط قائمتها بأمر مع السماح لهم ببعث شركات مصدرة كليا محجر عليها إسداء خدماتها بالبلاد التونسية.

 

مريم التايب

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.