حجارة سيدي بوزيد

مؤسف ما حصل لكل من رئـيس الجمهورية منصـف المرزوقـي ورئيس المجلس التأسيسي مصطفى بن جعفر من رشق بالحجارة في مدينة سيدي بوزيد في احتفالات الذكرى الثانية لاندلاع الثورة التونسية، لكن ذلك يفترض أن يوجه نوعا من التحذير النهائي للحكومة قبل أن تفلت الأمور من بين يد الجميع…



حجارة سيدي بوزيد

 

مؤسف ما حصل لكل من رئـيس الجمهورية منصـف المرزوقـي ورئيس المجلس التأسيسي مصطفى بن جعفر من رشق بالحجارة في مدينة سيدي بوزيد في احتفالات الذكرى الثانية لاندلاع الثورة التونسية، لكن ذلك يفترض أن يوجه نوعا من التحذير النهائي للحكومة قبل أن تفلت الأمور من بين يد الجميع.

 

لا ينكر إلا مكابر أن تونس تعيش منذ أشهر أزمة حادة لا تعود فقط إلا شعور المحرومين والعاطلين وعموم الناس بأن الأمور المعيشية والاقتصادية والأمنية لم تتحسن منذ الإطاحة ببن علي بل ازادت سوءا، وإنما أيضا إلى أزمة ثقة تتنامى باستمرار بين قطاع كبير من التونسيين وحكومة لم تـُفلح إلى حد الآن في إقناع رأيها العام بأنها الأجدر والأكفأ لقيادة البلاد. ما حدث في سيدي بوزيد أمس الأول حلقة من سلسلة أحداث كان يفترض بها أن تدق جميعها ناقوس الخطر وتدفع بالثلاثي الحاكم (حركة النهضة وحليفاها حزبا التكتل والمؤتمر) إلى مراجعة الكثير من حساباته لكن لا شيء جديا من ذلك حدث.

 

حصلت في الأشهر الماضية مواجهات في مدن عدة مثل سيدي بوزيد نفسها والقصرين وسليانة أعقبتها أزمة قوية بين النقابة المركزية العريقة ، الاتحاد العام التونسي للشغل، وحركة النهضة كادت تؤول إلى إضراب عام في البلاد ألغي في آخر لحظة. وها هم الآن رموز الحكم يُـرشقون بالحجارة مما يشكل إساءة بالغة لرموز الدولة وهيبتها، فيما كان يمكن أن يكون حضور رئيس الحكومة حمادي الجبالي سببا إضافيا لمزيد من تأجيج الغضب لولا أن ظروفه الصحية أنقذته من هذا الموقف المحرج والمهين. سببان رئيسيان يقفان وراء وصول الأمور إلى هذا الحد:

 

– أولا عدم مسارعة ‘الترويكا’ الحاكمة إلى مصارحة الشعب التونسي بمجرد إمساكها بمقاليد الأمور بعد انتخابات تشرين الأول/ أكتوبر العام الماضي لتضع أمامه مبكرا حقيقة الوضع الاقتصادي والمالي والاجتماعي وقلة ذات اليد بالنسبة لبلد تقلصت موارده المحدودة أصلا بسبب ما عاشه من ظروف استثنائية.

 

عندما يقول الرئيس المرزوقي إن الحكومة ‘لا تملك عصا سحرية لتغيير الأمور’ فهو صادق بالتأكيد لكن كان يجب أن يقال هذا الكلام أبكر بكثير حتى يوضع الجميع، حكاما ومحكومين ومعارضة، أمام هذه الحقائق المرة وبالتالي أمام مسؤولياتهم.

 

– ثانيا الوقوع في خلل منهجي يتعلق بطبيعة المرحلة الانتقالية، لأن الناس دُعوا لانتخاب مجلس تأسيسي لصياغة دستور للبلاد والقوانين الكبرى للحياة السياسية، فإذا بهذا المجلس يترنح بين هذا الدور وبين الاضطلاع بدور البرلمان المراقب لعمل الحكومة، فلم يفلح لا في هذا ولا في ذاك. هذا الفشل ازداد مرارة في حلوق الناس لما رأوه من مسعى دؤوب من قبل حركة النهضة أساسا وحلفائها لتثبيت أقدامهم في الحكم عوض تثبيت قواعد تونس جديدة ديمقراطية عصرية.

 

ما سبق يزداد سوءا بضبابية الأجندة السياسية للمرحلة المقبلة وعدم معرفة متى بالضبط سيرى الدستور النور ومتى سيتوجه الناس إلى صناديق الاقتراع لاختيار رئيسهم وبرلمانهم، رغم أن كل ما يجري حاليا يشي بحملة انتخابية مبكرة .

هذا فضلا عن تعدد عثرات الوزراء في تسيير إداراتهم ودخول الحكومة والمعارضة في مناكفات ومماحكات بموجب أو بدونه. كل ذلك يجري وسط إحساس عام بأن المجتمع يسير، يوما بعد يوم، نحو مزيد من التشدد الديني وعدم التسامح مع المخالفين مما أعطى الانطباع لكثيرين أن تونس مختلفة بالكامل ستولد عوض تونس المنفتحة العصرية التي عرفها أبناؤها وعرفها العالم طوال العقود الماضية. كل ذلك غذى أكثر وأكثر حالة ملتبسة من التشوش والقلق تسود قطاعات هامة كالمثقفين والنساء حتى وإن طرحنا جانبا بعض المبالغات في هذا الشأن.

 

حجارة سيدي بوزيد على المنصة الرسمية للاحتفال قد تكون جرس الإنذار الأخير للحكومة فإما أن تقدم القيادات السياسية الحاكمة، وأساسا حركة النهضة، على هزة كبيرة وإجراءات شجاعة تعيد للوفاق الوطني اعتباره وتطمئن الحائرين والمشككين، وبها تستعيد جزءا كبيرا من زمام الأمور ومن ثقة تتآكل تدريجيا، وإما أن تظل تردد دون كلل بأن المتربصين بها كثر ولا هم لهم سوى التشويه والمبالغة. عليها أن تختار وتتحمل تبعات اختيار هذا أو ذاك.

بقلم: محمد كريشان

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.