الإسلاميون ومأزق التمركز حول الذات

التمركز حول الذّات هو مصطلح صاغه وأسّس له الفيلسوف الأمريكي “رالف بارتون بيري” (1876: 1957). وهو يشير إلى المأزق المعرفي للعقل المنغلق على أفكاره وتصوّراته، المكتفي بأوهامه عن ذاته وعن العالم من حوله، الذي يجد أنّ من المستحيل عليه الخروج من دائرة إحساساته وإدراكاته الخاصّة، ليعرف العالم على حقيقته كما هو بالفعل. ..



الإسلاميون ومأزق التمركز حول الذات

 

التمركز حول الذّات هو مصطلح صاغه وأسّس له الفيلسوف الأمريكي "رالف بارتون بيري" (1876: 1957). وهو يشير إلى المأزق المعرفي للعقل المنغلق على أفكاره وتصوّراته، المكتفي بأوهامه عن ذاته وعن العالم من حوله، الذي يجد أنّ من المستحيل عليه الخروج من دائرة إحساساته وإدراكاته الخاصّة، ليعرف العالم على حقيقته كما هو بالفعل.

 

وقد أعتقد الفيلسوف الرّوسي نيقولا برديائف ( 1948:1874)، أنّ انغلاق الذّات وتمركزها حول نفسها والعجز عن الخروج من دائرتها الضيّقة، هو "الخطيئة الأولى للإنسان" وهي خطيئة تحُول دون التحقّق الكامل للذّات، وتمنعها من أن تكون فعّالة ذات تأثير، وقدرة على الإصلاح والتغيير.

 

ولعل هذا المأزق وتلك الخطيئة، هما اللذان وقعت فيهما تيارات السلفيّة الإسلاميّة بجميع فصائلها، تمركزوا في الحاضر حول ذواتهم وقياداتهم وجماعاتهم، وأوهامهم عن حجمهم وقوّتهم.

 

وتمركزوا في الماضي حول مرحلة معينة "عابرة" في التّاريخ الإسلامي، ولم يروا فيها إلا ما أرادوا هم أن يروه فيها.

 

وتمركزوا في كتب الدّين والتّراث، عند كتب معيّنة واجتهادات لعلماء بعينهم، قدّسوهم، ولم يريدوا أن يتجاوزوهم.

 

وبناء عليه، فنحن نرى السلفيّة الدّينيّة والسياسيّة، بمثابة مرضا دينيًا وحضاريًا، وعقبة في طريق التطوّر والتجدّد الرّوحي والحضاري للدّين؛ يقول الدّكتور عبد الرّحمن بدوي: "كلّ دين في أصله رمز، رمز قابل لما لا نهاية له من أنواع التّفسير التي قد يبلغ الفارق بين بعضها وبعض حدّ التّناقض، والدّين الذي يقدّم نفسه على أنّه ناموس واضح كامل الأجزاء، صريح في كلّ تفصيلاته قد فض للنّاس كلّ ما فيه من مضمون على مرّ الأجيال والأزمان، هو دين مقضي عليه بالموت العاجل أو التحجّر السّريع، وكلاهما في نهاية الأمر سواء".

 

والسّلفيون يجعلون من أنفسهم ومن مشايخهم، سلطة على النّصوص وعلى النّاس، ولا يقدّمون بدائل حضاريّة لإنسان مسلم يريد أن يعيش عصره وزمانه، لا عصر ولا زمان السّلف الصّالح.

 

وهذا نوع من الاستسهال ورفض التّفكير، تحت قاعدة: "لا تفكّر، فالسّلف الصّالح قد فكّروا لنا، ونحن نفكّر لك!".

 

 النّهاية فإنّ أمثال هؤلاء، لا يستطيعون أن يديروا دولاً، أو أن يؤسّسوا لمشروع نهضوي وحضاري إسلامي كما يدلسون ويدعون، وفشلهم محتوم.

 

بقلم: أحمد عمر  

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.