تونس– على هامش ذكرى الثورة: حق الاختلاف وبناء التعدد

جاءت ذكرى الثورة واحتفلنا بها مثلما نحن عليه اليوم. تونسيون كثيرا ومختلفون كثيرا حد التحارب وكل يغني على ليلاه… ولئن تحسر البعض على الوحدة الضائعة وتساءلوا على تعدد …



تونس– على هامش ذكرى الثورة: حق الاختلاف وبناء التعدد

 

جاءت ذكرى الثورة واحتفلنا بها مثلما نحن عليه اليوم. تونسيون كثيرا ومختلفون كثيرا حد التحارب وكل يغني على ليلاه… ولئن تحسر البعض على الوحدة الضائعة وتساءلوا على تعدد الأصوات واختلاف التظاهرات وكثرة النزعات فإن ذلك ليس إلا من مخلفات عهود الإجماع المزعوم والمفروض علينا بقوة الحاكم في عهدي بورقيبة والزين الذين كانا يلخصان الوطن في المصطفين في ظلهما ولا صوت يعلو إلا صوت النظام وحزبه وحكومته وشعبه…

إن ظاهرة الإجماع الوطني المزعوم وشعاراتها المستوحاة من الأنظمة الكليانية الاشتراكية استغلتها الأنظمة الشمولية العربية المعاصرة بما في ذلك ذات الاتجاه الوطني أو القومي لقمع الناس ومصادرة أفكارهم وتوجهاتهم وخلق إجماع حول النظام لا يعكس في واقع الأمر شيئا. فها هو النظام السوري وهو المثال الأخير لا يزال يحاول التماهي مع صورة الإجماع الوطني والجبهة الملتفة قسرا حول حزب البعث الحاكم في البلاد لفائدة عائلة الأسد ولا شيء غير عائلة الأسد وبطانتها…

ومن هذا الإرث البغيض الذي بني على محو الاختلاف ونبذه واختلاق الإجماع المزعوم تأتي المخلفات الثقافية الغريبة التي نراها اليوم ونحن في خطواتنا التعددية والديمقراطية الأولى والتي تستغرب أن تعارض المعارضة أو أن تحكم الأغلبية بما تراه الصواب وترى في كل ما هو نقد للحاكم خروج عليه ومس من شرعيته.

إن المدارس المؤسسة للديمقراطية تنبني أولا وقبل أي شيء آخر على قاعدة الاختلاف والتأليف بينه وإلا فلا معنى لمجتمع ديمقراطي بالأساس، وحتى الوفاق الذي نبحث عنه أحيانا في بعض القضايا الخلافية فإنه يظل دائما ظرفيا ومحدودا… إن التصرف في الاختلاف وتقنين التعدد ووضع قواعد التعايش بين مختلف الأطراف في الساحة الوطنية هي المهمة الأولى للديمقراطية وأساسها الأكبر…ويحمل لنا مل الديمقراطية الأمريكية وهي من الديمقراطيات الأكبر والأعرق في العالم كيفية الوصول إلى تقاليد ديمقراطية أصيلة باحترام الاختلاف كأساس حيث عمد الدستور الأمريكي في تنقيحاته العشرة الشهيرة إلى منع أي مساس بحرية التعبير وحرية المعتقد لفهم الآباء المؤسسين أن الاختلاف في هذين المجالين نعمة وليس نقمة وأنه هو الدعامة الحقيقية لباقي الحقوق ولمشاركة المواطنين من موقع الحرية الشخصية ولا شيء غير ذلك…

لذلك فإن الاختلاف في تقييم مفاهيم الثورة وانجازاته وانجازات حكومة الترويكا وقرارنا أن نحتفل كل بالطريقة التي تتناسب وهذا التقييم ليست بالضرورة بالسلبية حتى وإن تفهمنا حرص بعضنا على التوافق في هذه المرحلة وهي فعلا مرحلة بناء ينبغي أن يسعنا جميعا ويحتمل اختلافنا الذي لا بد منه.

علي الشتوي

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.