دعوات ملحة للتقارب بين “الجبهة الشعبية” و”نداء تونس” ضد خطر الاستبداد الديني

تشهد الساحة السياسية والإعلامية في الفترة الأخيرة دعوات ملحة من الطبقة السياسية والنخب المثقفة لتجاوز الخلافات المتكررة بين التيارات الديمقراطية المعادية للاستبداد الديني والمؤمنة …



دعوات ملحة للتقارب بين “الجبهة الشعبية” و”نداء تونس” ضد خطر الاستبداد الديني

 

تشهد الساحة السياسية والإعلامية في الفترة الأخيرة دعوات ملحة من الطبقة السياسية والنخب المثقفة لتجاوز الخلافات المتكررة بين التيارات الديمقراطية المعادية للاستبداد الديني والمؤمنة بالقيم الديمقراطية والحداثية. ومن هذه الدعوات الدعوة التي أطلقها المؤرخ عميره عليّه الصغيّر وهو الذي لا يخفي انتماؤه للجبهة الشعبية ولكنه يرى أن الوقت الآن يتطلب من القوى الديمقراطية التأسيس لجبهة جمهورية ضد خطر الاستبداد الديني…

وفي ما يلي النص الذي نشره عميره عليّه الصغيّر وتعليقه هو على بعض الردود التي نشرت حول الموضوع:

الجبهة الشعبيّة و نداء تونس: لماذا لا يحصل التقارب؟

الأرضية التي اجتمعت عليها مكوّنات الجبهة الشعبيّة ، أحزابا و مستقلّين ( و هم الأكثر لمن لا يعلم ذلك ) هي الالتزام بتحقيق أهداف الثورة في الحريّة و الكرامة و بناء الدولة الديمقراطيّة و المدنيّة و ترجمتها بناء جمهورية مدنية اجتماعيّة و الوقوف امام خطر بناء دولة دينيّة استبداديّة و الانحياز الواضح لصفّ المنتجين للثروة في تونس من كلّ الشغالين و كل المنتجين الحقيقيين و بناة تونس من العمّال و الفلاحين و رجال الأعمال ، هي منحازة للعدالة الاجتماعيّة و للتوزيع العادل للثروة عبر تدخل الدولة و النظام الجبائي العادل، و ليس كما يروّج أعدؤها هي مع الاشتراكية و انتزاع أملاك الناس و اختطاف أرزاقهم.

هي مع الحداثة في الثقافة و في التعليم و في المجتمع و مع تكريس المساواة المطلقة بين رجال تونس و نسائها و مع تطوير المكتسبات الحاصلة و هي ضد الظلاميّة و ضدّ تيارات العودة للماضي و تقديس السلف مع ايمانها الصادق بهوية شعبها التونسي و انتمائه العربي الاسلامي لكن دون انغلاق و لا تزمت و دون حشره في صور ثابتة ، جامدة تعود للقرون الوسطى او للستينات من القرن الماضي و لا استعداء للشعوب الأخرى و لا عنصريات قاتلة تتبجح بما ليس فينا .

و الجبهة الشعبية هي طبعا حاملة لروح الثورة فهي تريد القطع مع نظام الفساد ومع رموزه ومحاسبتهم بالقانون و بالقضاء العادل لا بالمليشيات و بابتزاز الناس و قبول الرشاوي ممن يشترون براءتهم كما يفعل الحزب الحاكم و هي مع تكريس الحريات طبعا و ارساء القوانين و الهياكل الضامنة لها من استقلال القضاء الى الهيآت التعديلية في الاعلام و الاعلام…

لماذا اذا لا تتقارب الجبهة الشعبيّة مع نداء تونس ليوقف الجميع الخطر الداهم و الماثل من القوى الظلاميّة و على رأسها حزب الاخوان ( النهضة ) التي تريد اجهاض الثورة و بناء دولة دينيّة و العودة بمجتمعنا قرونا الى الوراء و محو كل مكتسباتنا و وَهْبَنَة المجتمع ( تحويله كالمجتمع السعودي مثلا و اعادة تشكيله حسب ما ينادي به الوهّابيون السلفيّون ) و تخريب الاقتصاد باعتماد ليبرالية أوحش ممّا كانت عليه زمن بن علي؟

هذا السؤال يطرحه جلّ التونسيّون المؤمنون بأنّ وطنهم هو ارفع و أجدر من أن يحكمه الاسلاميون و يديره منعدمي الكفاءة و الجهلة و أصحاب اللحي الوسخة و دعاة الموت و التحجر الفكري . انّ التقارب بين الجبهة و نداء تونس ممكن و ليس اتحادا حتى و ان كانت القاعدة الاجتماعيّة و العقيدة السياسية لكلاهما مختلفتان ، لكن التقارب ليس فقط ممكن بل هو واجب و مصيري لانقاذ وطننا ، على شرط ان يعي جماعة نداء تونس ان ليس باعادة رسكلة التجمع المنحل سوف ننقذ البلاد و ليس بالسكوت على عصابات المفسدين و على رموز الاستبداد النوفمبري يمكن أن تقنعوا الناس ليناحزوا لكم و ليس باعادة انتاج النظام الاقتصادي السابق لبنعلي الذي ادى لتخريب الاقتصاد و تهميش جهات كاملة و ملايين البشر و سدّ أبواب الأمل أمام شبابنا سننهظ بوطننا و ليس بمغازلة حزب النهضة و البروز كلّ يوم بتصريح جديد سوف يقنع النّدائيّون الناس بصدقيتهم و مصداقيتهم .

فليوضحوا أمورهم و ليقتنع الجميع ان لا خلاص لتونس و لشعبها الا بوحدة كلّ الجمهوريين الحقيقيّين و كلّ الحداثيّين الحقيقيّين و كلّ المؤمنين بالعدالة الاجتماعيّة و كل الرافضين لحكم الأحزاب الدينيّة و أزلامها و كلّ المعتبرين بالتاريخ الذي علّمنا ان تسليم شعب مصيره لأحزاب دينية مصيره الاستبداد و الخراب.

جبهة الجمهوريّن ، مرّة أخرى

كنت واثقا من أنّ ردود فعل كثيرة سوف تكون رافضة لما اقترحه النص المصاحب و هذا من طبيعة الواقع السياسي و هذا ايضا من المعقول .

النص لا يقترح تكوين حزب واحد تندمج فيه الجبهة الشعبيّة مع نداء تونس و حلفائه بل برنامج عمل نضالي مرحلي يهيّئ لجبهة انتخابية قادمة ينتصر فيها الجميع .

 كاتب النص يعرف السبسي ، ربما أكثر من الكثيرين ، و كتب في حقه الكثير و لم يتراجع ، لكن السبسي يراه حاليا رأس تيار سياسي له وزنه و يحسب له الف حساب .ثانيا كثير من الاصدقاءهم -في تقديري – غافلون على طبيعة المرحلة و المهام المطروحة .كان بودّنا ان تكون الجبهة قادرة لوحدها على ربح الانتخابات القادمة لكن هذا صعب جدا في المنظور . ماذا نفعل و الخطر الاسلامي الوهابي الاخواني قائم و انّ دولة دينيّة استبدادية لا محالة سوف ترسى و ان الثورة ستجهض، ان لا قدّر الله ، انتصر الاسلاميون و مشتقاتهم في الانتخابات المرتقبة ؟

لأننا في الجبهة الشعبية مع الثورة و مع الفقراء و مع المنتجين الحقيقيين للثروة و مع التوزيع العادل للثروة و مع القطع مع الاستبداد و مع الدولة المدنية و ضد رموز النظام السابق الفاسدين و المتورطين مع بن علي ، نبقى لوحدنا و نتعنت و نركب رؤوسنا و نخسر كلّنا ، نحن الديمقراطيون ، نحن دعاة الجمهورية المدنية ، نحن المعادون لنظام اسلامي يحكم تونس ،- و ليس معادون لهويتنا العربية الاسلامية العميقة كما يروّج الجهلة و المعادون -، هكذا بحمق سياسي نخسر تحول شعبنا و تونسنا الى نظام ديمقراطي حقيقي و نمنح وطننا لتجار الدين و أمراء النفط و الصهيونيّة. ما يغيب أيضا على ذهن الرافضين للتقارب مع نداء تونس ، هو أن هذا الحزب ( أو التجمّع لتيارت مختلفة ) و رغم التقائه مع النهضة في اختياراته الاقتصادية و الاجتماعية – و ان كان لحدّ الساعة لم يعبّر عنها بوضوح- هو أيضا في أغلب مكوناته و في أغلب المنخرطين فيه و المتعاطفين معه ، ضد المشروع المجتمعي للنهضة و ضدّ حتى اختياراتها الاقتصادية ( خاصة رجال الاعمال المرتبطين بالسياحة و الخدمات ) و ليس بالضرورة أنّ بشرا كانوا في التجمّع سابقا لا يتعلّمون من تجربتهم الخاصة او تجربة البلاد عامة ، اليسار أيضا راجع الكثير من مسلّماته ، و الكثير من الوثوقيات السياسيّة لديه ،فلماذا نمنع على الآخرين حقهم في التغيّر و المراجعة؟، الحياة السياسيّة ليست جامدة ، و النجاح هو في القدرة على فهم الواقع و متطلباته و رسم الخطط الذكية و الناجعة لبلوغ الأهداف. الشعارات و الجمل الثورية لا تكفي لوحدها و مهما كان صدق نية حامليها و مهما كانت نضاليّتهم. نعم لجبهة شعبيّة قويّة ، و نعم لجبهة الجمهوريين الواسعة ضد الدولة الدينيّة و الاستبداد الاخواني و الرأسمالية المتوحشة.

بقلم عميره عليّه الصغيّر

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.