“ولد 15” في “بوفردة” بسبب الذات البوليسية

في زمن قياسي قلّما اعتدنا عليه في المحاكم التونسية، تم اصدار قرار بسجن مغني موسيقى الراب المكنى بـ”ولد 15″ لمدة سنتين ناقذتين، وبالحكم بالسجن مع تأجيل التنفيذ لمدة ستة أشهر لرفيقيه الذين ظهرا معه في فيديو كليب تداولته مواقع التواصل الاجتماعي بكثافة…



“ولد 15” في “بوفردة” بسبب الذات البوليسية

 

في زمن قياسي قلّما اعتدنا عليه في المحاكم التونسية، تم اصدار قرار بسجن مغني موسيقى الراب المكنى بـ"ولد 15" لمدة سنتين ناقذتين، وبالحكم بالسجن مع تأجيل التنفيذ لمدة ستة أشهر لرفيقيه الذين ظهرا معه في فيديو كليب تداولته مواقع التواصل الاجتماعي بكثافة.

 

الأغنية التي انتقدت كلماتها أفراد الشرطة حملت عنوان "البوليسية كلاب"، تضمنت خطاباً جارحاً  موجهاً لممارسات رجال الشرطة.

 

يوم واحد كان كافياً حتى تتحرك أجهزة الأمن بسرعة فائقة وتقبض على المشاركين في فيديو الكليب، بينما ما يزال "ولد 15" متحصناً بالفرار، إلى الآن. وبقدرة خارقة لا نرى مثلها في حوادث معروفة كانت حياة تونسيين مهددة فيها بالخطر، تم الامساك بشباب تجرأ على السخرية من عدة سلوكيات يعلم الجميع أن جزء من أعوان وزارة الداخلية لم يتوقفوا عن ارتكابها، حتى في فترة ما بعد الثورة.

 

أما الشرطيون الذين داهموا منازل الشابيْن فلا شك أنه اعتراهم نشوة بالغة وتحركت فيهم نوازع "فحولة" حنّوا اليها بعد أن حرمهم منها المد الثوري الذي تلى الاطاحة بالنظام السابق، حيث قاموا بذات الأسلوب الذي يُنسب عادةً الى عصابات المتاجرة بالمخدرات، ونشروا صورتا " الرهينتين" على مواقع الأنترنات، حتى قبل ما تثبت التهمة الموجهة اليهما!

 

المس من "الذات البوليسية" يبدو أنها ستضاف الى قائمة الخطوط الحمر التي سيُمنع انتقادها. فبعد "الذات الالهية" ثم "الذات العمارية" (نسبة الى رشيد بن عمار) و"الذات الغنوشية" (نسبة الى راشد الغنوشي) سيكتمل قريباً معالم أركان المنظومة التي سيُعاقب كل من يتطاول عليها. وسيجد الجميع، بمرور الوقت، ترسانةً ضخمة من القوانين تحجّر عليهم التعرض لتلك الذوات، التي ستكتسب، تدريجياً، "قداسة" يحلم بالحصول عليها كل مستبد وطاغ، وليس بنموذج "الذات البن علية" (نسبة الى زين العابدين بن علي) الا خير دليل على ذلك.

 

و"البوليسية كلاب" هي أغنية راب بلهجة الدارجة المحلية. ويُعلم أن أغاني الراب في كل مكان من العالم تنهل من معجم المفردات المنبوذة اجتماعياً. فهذا الجنس الموسيقي يتمرّد على جميع النوتات الموسيقية الكلاسيكية أو التقليدية، ويثور على المخزون اللغوي المعهود لدى بقية الأنماط الغنائية.

 

ولا يُستغرب أن يقوم مغنو "الراب" استعمال أكثر المصطلحات والتراكيب اللغوية "قرفاً" من طرف المجتمع في أغانيهم. فأين الخطب في تونس؟!

 

المحكمة أخطأت بمعقابة "ولد 15" وأقرانه بمجرد أن بثوا ذلك الفيديو كليب. وحقيقةً، ما كان أحد ينتبه الى تلك الأغنية لولا مسارعة أعوان الشرطة الى تهويل الأمر وتضخيمه. فما قاله ذلك الشاب من كلمات لا يقل شحناً للعنف مما تبثه يومياً عدد كبير من القنوات الاذاعية والتلفزية. وكان على وزارة الداخلية التي "حزّها" أن يغني عنهم أحد الشبان، بصفة سلبية، أن تبث أغنية "مضادة" تتضمن مناقب أعوانها ومحاسنها، إن وجدت. وتترك أمام الرأي العام حرية الاختيار والتصديق. أما القاضي الذي عاقب أولئك الشبان فهو مخطئ لا محال، ويعيد الينا نفس المشهد للقضاء الذي كانت تسير وفقه تونس قبل 14 جانفي. فهو مخطؤ ان اعتقد أنه كان وصياً على الناس، ليقرر ما يراه صائباً ويُسمح ببثه وعرضه، وليردع من ينشر رأياً، مهما كان أسلوب ايصاله للناس، يظهر له وفق رؤيته المحدودة، أنه لا يصلح للناس.

 

الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي زجّ في السجن مغني الراب "الجنرال" لأنه تهجم على "الذات البوليسية" التي قمعت زعماء الثورة. وبانزياحه من الحكم، أصبح "الجنرال" بطلاً لدى الجميع، لأنه شجع الناس، حينها، على مناهضة الممارسات القمعية للأجهزة البوليسية. نفس تلك الأجهزة ما تزال ترتكب، وان كان بوتيرة أقل من السابق، عدة تجاوزات رفضها وشهّر بها "ولد 15" في أغنيته الجديدة. وهكذا، نتيجة أخطاء في التقييم واستبطان لاستبداد ينغرس تدريجيا عند حكام تونس الجدد، يقع خلق "أبطال" جدد، من لا شيء!

 

بقلم سفيان الشورابي

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.