ملف 9 أفريل لم يغلق..

يتهاوى أركان الدولة التونسية الحديثة يوما بعد يوم. إذ ما فتىء حكام تونس الجدد يكشفون عن تقلص اهتمامهم بتكريس دولة القانون والمؤسسات. فها هو رئيس الحكومة المؤقت علي العريض يصرّح عند ضريح شهداء انتفاضة 9 أفريل 1938 أن ملف الاعتداءات التي طالت المتظاهرين يوم 9 أفريل من السنة الماضية قد “أغلق نهائياً”! هكذا أصبح المسؤول الأول في السلطة التنفيذية إلى دكتاتور صغير بصدد البروز، تطغى سلطاته فتمحي بقية السلطات…



ملف 9 أفريل لم يغلق..

 

يتهاوى أركان الدولة التونسية الحديثة يوما بعد يوم. إذ ما فتىء حكام تونس الجدد يكشفون عن تقلص اهتمامهم بتكريس دولة القانون والمؤسسات. فها هو رئيس الحكومة المؤقت علي العريض يصرّح عند ضريح شهداء انتفاضة 9 أفريل 1938 أن ملف الاعتداءات التي طالت المتظاهرين يوم 9 أفريل من السنة الماضية قد "أغلق نهائياً"! هكذا أصبح المسؤول الأول في السلطة التنفيذية إلى دكتاتور صغير بصدد البروز، تطغى سلطاته فتمحي بقية السلطات.

 

دكتاتور صغير ليس تهويلا ولا مبالغة. فأن يقوم وزير أول بالتعدي على بقية السلطات التي لا تخضع إليه فإن ذلك لا يعدّ إلا تغولا لصلاحية موظف سام مهمته الأساس تنفيذ السياسات العامة التي تضعها الهيئة التشريعية. فعندما ينظر الجهاز القضائي في مختلف تفاصيل ملف التجاوزات التي وقعت أثناء الصدامات بين المتظاهرين السلميين وبين رجال الشرطة بمعاضدة ميليشيات شبه عسكرية، ولمّا ينظر المجلس التأسيسي من خلال لجنة شكّلها في هذا الغرض للتعرف على حقيقة ما وقع في ذلك اليوم، ليأتي الوزير الأول، متعدياً على صلاحيات بقية مؤسسات البلاد ويُعلن من جانب واحد التوقف عن النظر في قضية الاعتداءات الجسدية التي تضرر منها العشرات من التونسيين الذين خرجوا للاحتفاء بذكرى عزيزة لهم، فهذا لا يُمكن إلا أن يكون تصرفا يقوم به إلا المستبدّين بالسلطة.

ففي ظل النظام السابق، كان الإفلات من العقاب هي القاعدة السائدة. فلا يذكر أن مسؤولا حكوميا في عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي تمت محاسبته ومعاقبته لخرقه القانون، إلا في حالات نادرة جداً. أما بعد الثورة، فأن تجد تلك القاعدة طريقها من جديد إلى أسلوب إدارة الدولة، فذلك هو أمر مرفوض بشكل قطعي.

 

فما وقع يوم 9 أفري 2012 ليس بالأمر الذي يسهل تجاوزه حتى لو أراد له ذلك "الدكتاتور الصغير". فلا شك أن رصيد الحكومة المتمخضة عن الانتخابات الماضية في الانتهاكات يدفع الى تشكيل العشرات من لجان التحقيق، وفتح عدة قضايا عدلية، غير أن أحداث ذلك اليوم تجعل من المهم أولاً كشف الحقيقة، وثانياً محاسبة المخالفين لأن ذلك سيكون إحدى لبنات بناء هيبة دولة تقوم العلاقات فيها على الثقة والاحترام وليس على أساس التوجس والخوف مثلما كان عليه الحال في ظل الحكومات السابقة.

 

لقد أخطأ الدكتاتور الصغير عندما تسرّع في الدعوة إلى غلق الملف. فهو بذلك يشرّع من جديد لعودة اليد الطولى للأجهزة الأمنية لترتكب التجاوزات التي ذهب الاعتقاد أنها ستتوقف نهائياً بعد الثورة. كما أن ما أقدم عليه العريض استنقاصا من كرامة تونسيين تعرضوا في ذلك اليوم إلى أضرار بدنية ومعنوية جسيمة لا لشيء الا لكونهم مارسوا حقهم المشروع في التظاهر السلمي.

 

ما فات الدكتاتور الصغير أن زمن غياب المحاسبة قد انتهى بفرار الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي. ولن تجد تصريحاته أي صدى أمام عزيمة المتضررين من تلك الأحداث المتشبثين بمعاقبة كل تخطى القانون، ومحاسبة الأطراف التي مرغت أنفة تونسيين ذنبهم الوحيد أنهم أرادوا تقديم تحية وفاء وعرفان الى شهداء سقطوا منذ قرابة القرن من أجل دولة حديثة "مهابة" حقيقةً.

 

بقلم سفيان الشورابي

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.