مشروع الدستور التونسي.. المحاسن والمآخذ

أثار الإعلان عن مشروع الدستور التونسي الذي ينتظر أن يناقش داخل المجلس الوطني التأسيسي في غضون أسبوعين، انقساما في آراء السياسيين وخبراء القانون الذين اختلفوا في تقييمهم بين مشيد بمزاياه ومنتقد لعيوبه…



مشروع الدستور التونسي.. المحاسن والمآخذ

 

أثار الإعلان عن مشروع الدستور التونسي الذي ينتظر أن يناقش داخل المجلس الوطني التأسيسي في غضون أسبوعين، انقساما في آراء السياسيين وخبراء القانون الذين اختلفوا في تقييمهم بين مشيد بمزاياه ومنتقد لعيوبه.

 

مؤيدو هذا المشروع يرون فيه دستورا توافقيا يستجيب لطموحات الشعب التونسي بعد الثورة في إرساء نظام ديمقراطي، غير أنّ منتقديه يرون فيه دستورا منافيا لمبادئ الدولة المدنية ومهدّدا للحريات واستقلال القضاء.

 

الخبير القانوني عياض بن عاشور أكد أنّ مضامين الدستور الذي انكب المجلس التأسيسي على إعداده بعد انتخابه يوم 23 أكتوبر/تشرين الأول 2011، "تحسن كثيرا" مقارنة ببقية المشاريع التي صدرت سابقا.

 

ويرى أن مشروع الدستور "أصبح مقبولا" من حيث فلسفته العامّة ومن حيث إرضاء جميع القوى السياسية، ملاحظا وجود "ايجابيات كثيرة" في هذه النسخة الأخيرة سواء على مستوى التراكيب اللغوية أو القانونية أو التقنية.

 

وأشاد بن عاشور -الذي كان يترأس هيئة تحقيق أهداف الثورة قبل انتخاب المجلس التأسيسي- بتضمين الدستور التوافقات التي حصلت بين أبرز الأحزاب في الحوار الوطني الذي انتظم الشهر الماضي برعاية رئاسة الجمهورية.

 

واتفقت الأحزاب في ذلك الحوار الذي استمرّ فيما بعد برعاية الاتحاد العام التونسي للشغل ثمّ تعطل لعدم إحرازه تقدما جديدا، على إقرار مدنية الدولة والتوازن بين السلطات وضمان الحقوق والحريات الفردية والعامّة.

 

إلا أنّ بن عاشور أبدى احترازا على بعض المضامين لاسيما تلك المتعلقة يالأحكام الانتقالية الواردة بالباب العاشر، وهي بمثابة دستور صغير ينظم الحياة السياسية بين فترة دخول الدستور حيّز التنفيذ وانتخاب الحكومة المقبلة.

 

ويقول "يجب مراجعة جميع تلك الأحكام"، مبرزا أنها "لا تضبط" سقفا زمنيا للفترة الانتقالية بعد المصادقة على الدستور و"تعطّل" عمل المحكمة الدستورية لثلاث أعوام بعد دخول الدستور حيز التنفيذ.

 

من جهته يرى الخبير القانوني غازي الغرايري أن الدستور "قابل للتحسين"، لافتا إلا أنّه رغم التوافق حول إقرار نظام سياسي مزدوج، إلا أن المشروع تبنى نظاما "شبه برلماني" تتفوّق فيه صلوحيات رئيس الحكومة على رئيس الدولة.

 

وأعرب عن تحفظه حيال تركيبة المجلس الأعلى للقضاء والمحكمة الدستورية، التي يطغى فيها الأعضاء غير المنتخبين على الأعضاء المنتخبين وهذا "ليس تدعيما" لاستقلالية السلطة القضائية، بحسب قوله.

 

ودعا لمراجعة الفصل 141 الذي ينص على منع القيام بتعديل يمس من الإسلام باعتباره دين الدولة أو اللغة العربية كلغة رسمية أو الصفة المدنية للدولة، معتبرا القول بأن الإسلام دين الدولة سيولد "هشاشة" على صفتها المدنية.

 

لكنّ النائب وليد البناني عن حركة النهضة الإسلامية أكد أنّ مشروع الدستور "ضامن" لمدنية الدولة، معتبرا أنّ هناك "حساسية" لدى بعض الأطراف الذين يتمسكون بقراءة معينة للدستور على أساس حياد الدولة "بمفهومهم العلماني".

 

ويقول إنّ معارضي مشروع الدستور لا يرون "حرجا" في سحب صفة الإسلام عن الدولة، بينما "يرفضون بشدّة" مطالبة أطراف تدعو إلى التنصيص على الشريعة الإسلامية في الدستور ويعتبرونها "مغالاة".

 

من جانبها اعتبرت مية الجريبي الأمينة العامة للحزب الجمهوري المعارض أن القول بهشاشة مدنية الدولة في مشروع الدستور "غير صحيح"، مؤكدة أنّ الدستور تضمّن "توافقا تاريخيا" بين الأحزاب السياسية حيال هذه المسألة.

 

وتقول إن حزبها تقبّل بايجابية الدستور الذي تضمّن "توافقات سياسية" بشأن إقرار نظام سياسي مزدوج وإحداث مؤسسات دستورية وتضمين مبادئ حقوق الإنسان وحرية الضمير وحق الإضراب، وهو نفس الموقف الذي أبداه البناني.

 

ويرى كلاهما أنّ المشروع لازال قابلا للتطوير خلال النقاش العام بالمجلس التأسيسي لاسيما فيما يتعلق بالحريات والأحكام الانتقالية، التي اعترضت عليها عديد الأحزاب من بينها حزب المؤتمر حليف حركة النهضة بالائتلاف الحاكم.

 

ورغم إقرارهما بأنّ مشروع الدستور تضمن الحدّ الذي يضمن النظام الديمقراطي وحقوق الإنسان والحقوق والحريات، إلا أنّ الخبير غازي الغرايري يقول إنّ بعض أحكامه "قيّدت" بعض الحريات مثل الفصل 30 المتعلق بحرية التعبير.

 

واحتدم الجدل بشأن مشروع الدستور -الذي يتعيّن المصادقة عليه بأغلبية الثلثين داخل المجلس التأسيسي (217 عضوا)- إلى درجة أنّ بعض النواب قدموا شكاية للمحكمة الإدارية لرفض محتواه، متهمين هيئة التنسيق والصياغة أحد اللجان الدستورية "بتزوير" أعمال اللجان التأسيسية.

 

خميس بن بريك

 

مقالات ذات علاقة:

هل يؤسس مشروع الدستور التونسي لدولة دينية؟

خبراء يحذّرون من خطورة الأحكام الانتقالية في مشروع الدستور التونسي

تونس- تعثر الحوار الوطني وسط جدل كبير حول مشروع الدستور

الاتحاد من أجل تونس يكشف عن تحفظاته بشأن مشروع الدستور

 

 

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.