تونس تتجه نحو الانقسام والسيناريو المصري يُخيّم على الأبواب

المتابع للشأن الوطني وخاصة المتعلق بالوضع السياسي بعد حادثة اغتيال محمد البراهمي عضو المجلس الوطني التأسيسي والمنسق العام للتيار الشعبي وعضو مجلس أمناء الجبهة الشعبية …



تونس تتجه نحو الانقسام والسيناريو المصري يُخيّم على الأبواب

 

المتابع للشأن الوطني وخاصة المتعلق بالوضع السياسي بعد حادثة اغتيال محمد البراهمي عضو المجلس الوطني التأسيسي والمنسق العام للتيار الشعبي وعضو مجلس أمناء الجبهة الشعبية يوم 25 جويلية 2013 الموافق ليوم الاحتفال بعيد الجمهورية، يلاحظ جليا تأزم الوضع العام في البلاد والدخول في أزمة سياسية حادة ما من شكّ أن تداعياتها ستكون خيمة وقد تعصف بالمرحلتين الانتقاليتين الأولى والثانية وتنسف الاستقرار النسبي الذي تمت ملاحظته منذ بضعة أشهر.

 

ونتج عن هذه الوضعية تحرك شغبي واسع النطاق تقوده المعارضة من أجل المطالبة حل المجلس الوطني التأسيسي ورحيل حكومة علي العريض وتكوين حكومة إنقاذ وطني تكون مهمتها تأمين الفترة الحالية والقادمة وإعداد الانتخابات المقبلة، وكرد فعل مباشر قرر أكثر من 50 نائبا في التأسيسي، من المعارضة من مختلف الكتل ما عدا كتل الترويكا، الانسحاب من المجلس وتعليق أنشطتهم به والدخول في اعتصام مفتوح في ساحة باردو قبالة المجلس التأسيسي.

 

وبمجرد الإعلان عن هذه الخطوة تجنّد المناصرون واحتشدوا بأعداد تتزايد يوما بعد يوم في ساحة باردو منذ يوم الجمعة إثر مراسم تشييع جنازة المغدور محمد البراهمي في خطوة تؤشر على تفجّر الوضع السياسي في البلاد.

 

ولئن حشدت المعارضة قواها وجهودها وتوظيف كل قنواتها من أجل الضغط على الترويكا للرحيل معتبرين أن شرعيتها قد انتهت، فإن الطرف الآخر ونعني به المساند للشرعية ولا سيما من أنصار حركة النهضة لم يقفوا مكتوفي الأيدي ونظموا بدورهم مسيرة ضخمة يوم السبت في شارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة وبعدد من جهات البلاد للدفاع عن الشرعية واعتبار ما تطلبه المعارضة هو انقلاب على الشرعية التي منحتها صناديق انتخابات 23 أكتوبر 2011.

 

وعلى ضوء ما تقدم تزايدت وتيرة المسيرات التي أخذت في ظاهرها طابعا سلميا والتي سرعان ما فرقتها قوات الأمن بالغاز المسيل للدموع، وشكّلت ساحة باردو تقريبا المكان الرمز لأنصار الشرعية وأنصار المطلبين برحيل الترويكا الحاكمة الذين توافدوا منذ ليلة الأحد بالمئات والآلاف وسط حضور أمني مكثف.

 

 وقد بدأت ملامح الفرقة والانقسام تتشكل بشكل بارز للعيان منذ ليلة الأحد من خلال انقسام ساحة باردو إلى جزئين، جزء مخصص لأنصار حركة النهضة وأنصار الشرعية وجزء ثان لأنصار المعارضة بحاجز حديدي وسط حضور لافت لقوات الأمن التي تأهبت لكل تطورات. وتعمد كل فريق الهتاف بهتافات وشعارات معادية الآخر.

 

إن هذه الوضعية الخطيرة تؤشّر لانقسام البلاد وأن السيناريو المصري يخيم على الأبواب فبعد أن كانت المرجعية الدينية وقيم الجمهورية عناوين لوحدة الصف ومظهرا من مظاهر تضامن التونسيين وتآزرهم والذود عن مصلحة البلاد أضحت المرجعية السياسية والحزبية هي عنوان الانتماء أو رفض الآخر وعدم القبول بالرأي الآخر.

 

الكل يعلم كيف بدأ السيناريو المصري لمّا بدأت أحزاب المعرضة لحكم الإخوان تحشد قواها وتنزل الشارع والاعتصام في مختلف ساحات البلاد للمطالبة برحيل مرسي بعد فشله ومن وراءه فشل حزبه ذي المرجعية الإسلامية في إدارة شؤون البلاد وإدخالها في أزمات اقتصادية واجتماعية من الصعب الخروج منها في ظل حكم الإخوان، وقابله اعتصام مناصري مرسي لتتعكر الوضعية بعد خلع الجيش لمرسي والسقوط في دوامة العنف والانفلات الأمني وتساقط المئات من القتلى وآلاف الجرحى من كلا الشقين.

 

ما يمكن التنبيه إليه أنه على خلفية الأوضاع الحاصلة اليوم في البلاد وما قد ينجم عنها من إمكانية حصول تصادم بين مؤيدي الحكومة المستعدّين للدفاع بكل ما أوتوا من قوة عن شرعية الحكومة والمجلس التأسيسي وبين  معارضي تواصل عمل المجلس والحكومة المؤقتة بما قد يقود البلاد إلى دوامة عنف هي في غنى عنها ستدخلها في نفق مظلم من الصعب الخروج منه بعد أن كانت على وشك إنهاء المرحلة الثانية من الانتقال الديمقراطي.

 

والمتابع لتصريحات وخطب ممثلي الترويكا في الأيام القليلة التي تلت عملية اغتيال البراهمي وتصاعد موجة الرفض لها يلاحظ أن حركة النهضة وضلعيها في الحكم التكتل والمؤتمر من أجل الجمهورية بدأت تتراجع بصفة ملحوظة عن بعض المواقف من ذلك قبولها بخارطة طريق جديدة من شأنها تُسرع المسار الانتقالي بالتعهد بالانتهاء من المصادقة على الدستور في موفى أوت وتحديد موعد نهائي للانتخابات شريطة رجوع المعارضة عن مطالبها والجلوس إلى طاولة المفاوضات.

 

إن الوضع الراهن لا يخدم بالمرة مصلحة الشعب التونسي الذي ضاق ضرعا من التجاذبات وصراعات السياسية التي قد تتحول إلى عنف مادي يشبه السيناريو المصري.

 

رياض بودربالة

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.