تونس تكتوي بنار الفُرقة والإرهاب

دخلت تونس منذ يوم 25 جويلية 2013 في دوامة من الأزمات المتتالية والمتواصلة لا أحد يعرف متى وكيف ستخرج منها وبأي كلفة وتأثيرات جانبية، فلقد اندلعت شرارة هذه الأزمات …



تونس تكتوي بنار الفُرقة والإرهاب

 

دخلت تونس منذ يوم 25 جويلية 2013 في دوامة من الأزمات المتتالية والمتواصلة لا أحد يعرف متى وكيف ستخرج منها وبأي كلفة وتأثيرات جانبية، فلقد اندلعت شرارة هذه الأزمات باغتيال محمد البراهمي عضو المجلس الوطني التأسيسي وعضو مجلس أمناء الجبهة الشعبية ليكون هذا الاغتيال السياسي النقطة التي أفاضت كأس تواتر الأزمات واشتداد الوضع خطورة بتفجر الوضع السياسي في البلاد.

وإثر حادثة الاغتيال تزايد الحراك السياسي وخاصة الحراك الشعبي بخروج العشرات من المسيرات المطالبة برحيل الحكومة وحلّ المجلس الوطني التأسيسي وتكوين حكومة إنقاذ وطني أو حكومة كفاءات وطنية لإدارة البلاد في المرحلة المتبقية والإعداد للانتخابات المقبلة.

ونتج عن هذا الوضع المتأزم والذي أشرف على الأسبوع والمرشح لأول يطول أكثر انقسام الشارع التونسي ربما لأول مرة في تاريخه إلى شقين،شقّ معارض متمسّك برحيل الحكومة الحالية وحل المجلس الوطني التأسيسي وشقّ مساند للشرعية أي الطرف المنحاز للحكومة الحالية التي تقودها حركة النهضة وتجلى هذا الانقسام في الاعتصام المفتوح ليوم الخامس على التوالي في ساحة باردو قبالة المجلس التأسيسي بين المعارضة وأنصارها وبين مساندي الحكومة وانعكست هذه الصورة على العديد من مناطق البلاد من خلال تواصل المسيرات والدخول في اعتصامات مفتوحة بين الطرفين.

ولعلّ الكلمة التي توجه بها رئيس الحكومة المؤقتة علي العريض عشية يوم الاثنين والتي أكد فيها على تمسك الحكومة بعدم الاستقالة وانتقاده لشديد لما تقوم به المعارضة من تجييش للرأي العام وتهديده بإنزال المناصرين إلى الشارع، عمّقت الأزمة السياسية بينه وبين المعارضة وأغلقت الباب نهائيا للجلوس على طاولة الحوار و المفاوضات وإيجاد حلّ لهاته الأزمة.

هذه الأزمة السياسية الخانقة التي تعيشها البلاد من دون علم العديد من المواطنين مدى خطورتها وتأثيراتها على الاقتصاد الوطني تعمّقت بأزمة أمنية أو لنقل بكل صراحة أزمة سيادية تمثلت في التعدي على حرمة البلاد بتعمّد مجموع إرهابية تسللت إلى جبل الشعانبي وتقتل 9 جنود تونسيين وتنكّل بجثثهم في مشهد فظيع وهي الحادثة النوعية في تاريخ تونس منذ الاستقلال، في تعدّ صارخ على سيادة البلاد بقتل الجنود، أمام اندهاش الرأي العام الوطني واستغرابه من التطورات المفاجئة وغير المنتظرة الآتية من جبل الشعانبي.

وبالتوازي مع نار الفرقة التي تُكوى بها تونس في هذه الفترة العصيبة، ها هو الإرهاب يطرق أبواب البلاد من أوسعها بعد أن أطل برأسه في شهري أفريل وماي الماضيين بعمليات نوعية ذهب ضحيتها بعض الجنود وجرح البعض منها، والآن قد دخل غول الإرهاب بكامل ثقله بالعملية النوعية التي قام بها يوم الاثنين من خلال قتل 9 جنود تونسيين، في رسالة غير مشفّرة ومُعلنة بأنه يستهدف صراحة تونس وشعبها وأنه لن يتوانى في مزيد تحقيق عمليات أخرى بدأت تظهر معالمها عبر رسالة أولى يوم الأحد الفارط بتفجير سيارة تابعة للحرس الوطني من منطقة حلق الوادي (منطقة سياحية) تلتها عملية أخرى في مدينة المحمدية من ولاية بن عروس بتفجير سيارة تابعة للحرس الوطني لم تسفر عن سقوط ضحايا.

إن هذا الوضع يُؤشّر حقيقة لدخول تونس في دوامتي العنف والإرهاب العاصفين وأن الخروج منهما لن يكون بأخف الأضرار وأن هذه الدوامة قد تأتي على الأخضر واليابس لتشُلّ البلاد وتزيد في تأخيرها العديد من السنوات والالتحاق بركب الدول المتخلفة التي سيكون همها الوحيد محاربة الإرهاب على حساب تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

إن تونس تمر بمرحلة عصيبة وربما تعيش أسوأ أزمة خانقة لها لم تعشها مطلقا في السابق منذ الاستقلال فهي الآن تكتوي بنار الفرقة والانقسام والإرهاب الذي لن يتم مقاومته والشعب منقسم ونخبه السياسية وأحزابه سواء كانت في المعارضة أو الحكم تفكر في مصلحتها الضيقة.

نار الفرقة والإرهاب قد اندلعت وبالإمكان إطفاؤها من قبل أن يسري اللهيب ويصعب إخماده إلاّ بوحدة الصفّ وجعل مصلحة تونس فوق كل اعتبار ودحض المصالح السياسية والحزبية الضيقة.

"…مسكينة أنت يا تونس"، " تونس داخلة في حيط"، " لماذا أبحت تونس هكذا لا يُطاق فيها العيش" بعض العبارات والكلمات التي تختلج في نفوس العديد من التونسيين الذين ضاقوا ذرعا من الوضع وتأسفوا للوضع الذي ألت إليه البلاد من عدم استقرار أمني وسياسي جعلهم يتخوفون على مصيرهم ومصير أبناءهم.

رياض بودربالة

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.