هل ما زال التونسي يقبل على منتوج بلاده؟

بقدر ما استبشر الشعب التونسي بثورة 14 جانفي الماضي وما حملته معها من مبادئ الحرية الحقيقية والتفتح والتضامن بين مكونات الشعب التونسي فقد رافقت هذه الثورة والفترة التي تلتها صعوبات جمة لا يزال يعاني منها الاقتصاد الوطني الأمر الذي عطّل سير دواليب الحركة التجارية و الاستثمار الخاص خاصة في الجهات فضلا عن تواصل موجة الاعتصامات والإضرابات.
..



هل ما زال التونسي يقبل على منتوج بلاده؟

 

بقدر ما استبشر الشعب التونسي بثورة 14 جانفي الماضي وما حملته معها من مبادئ الحرية الحقيقية والتفتح والتضامن بين مكونات الشعب التونسي فقد رافقت هذه الثورة والفترة التي تلتها صعوبات جمة لا يزال يعاني منها الاقتصاد الوطني الأمر الذي عطّل سير دواليب الحركة التجارية و الاستثمار الخاص خاصة في الجهات فضلا عن تواصل موجة الاعتصامات والإضرابات.

هذا إلى جانب التراجع المُسجّل في الاستهلاك بفعل عوامل الريبة والشك اللذين انتابا المجتمع التونسي من الخوف من المستقبل وهو ما أثّر على مستوى السيولة المتوفرة في السوق المفروض أن تضخ الحركة على مستوى تنشيط الدورة الاقتصادية في البلاد.

 

وفي ظل تراجع نسق النمو في منطقة اليورو الحريف الأول لتونس على مستوى المبادلات التجارية وارتفاع أسعار المواد الأولية في الأسواق العالمية علاوة على الأوضاع الصعبة التي تمر بها الشقيقة ليبيا من أكبر حرفاء تونس ( التصدير بمعدل 2000 مليون دينار سنويا).

وفي ظل تواصل دخول السلع الأجنبية غير المطابقة للمواصفات والتي أغرقت السوق التونسية بأسعار لا تقبل المنافسة وأضحت تمثل خطرا على النسيج الاقتصادي التونسي، فإن آفاق الاقتصاد التونسي تبدو متذبذبة وغير واضحة وهو في حاجة ماسة إلى العودة إلى عافيته حتى يتمكن من رفع تحديات التشغيل واستحثاث نسق الاستثمار الخاص.

 

الحلول العملية التي يراها الخبراء الاقتصاديون أكثر جدية ومعقولة تتمثل أساسا في مبادئ انبنت عليها الثورة ألا وهي التضامن والتكافل والتآزر وتتجسّم على أرض الواقع في العودة إلى الإقبال على استهلاك المنتوج المحلي التونسي الذي يظهر في هذا الظرف واجبا وطنيا، باعتبار أن شراء البضاعة المُصنّعة محليا من شأنها أن تخلق حركية اقتصادية بين كافة المتدخلين من مصانع ووحدات إنتاج وتجارة توزيع وتفصيل وتجار وصولا إلى  المستهلك.

 

التشجيع على استهلاك المنتوج الوطني يمثل في الوقت الراهن ضرورة وليس خيارا وهو مرتبط بدرجة وعي التونسي الذي صنع ثورته وانتفض ضد الغطرسة والظلم، فهو اليوم وأكثر من أيّ وقت مضى مطالب بأن يجعل لهذه الثورة معان نبيلة وسامية من خلال مساندة النشاط التجاري واقتناء منتوج بلاده.

الوضع الحالي لا يعكس بالمرة إقبال التونسي على منتوج بلاده في العديد من المجالات والقطاعات، ففي ظل موجة الانفتاح الاقتصادي الملتزمة بها تونس في نطاق تعهداتها مع الاتحاد الاوروبي والمنظمة العالمية للتجارة وخاصة دخول العديد من السلع المهربة بأسعار لا تقبل بالمرة المنافسة للسوق التونسية من شأنها أن تغري المواطن التونسية ولا سيما الفئات الاجتماعية الهشة تجعلها تقبل على اقتنائها استجابة لحاجياتها ولا تفكّر في تفضيل المنتوج المحلي الذي صنع في تونس بأنامل تونسية.

 

فمن هذا المنظور تبدو المسألة معقولة باعتبار أن المواطن التونسي وأمام موجة ارتفاع الأسعار يُخّير الحصول على سلع ومنتجات موردة ويرضى رداءة جودتها أحسن من أن يقتني منتوج محلي أكثر جودة وأرفع سعرا.

والأفضل من كل هذا أن الظرف الانتقالي الذي تمر به البلاد وما أفرزه من تحولات كبيرة يحتّم على كل تونسي التحلي بدرجة عالية من الوطنية والالتفات إلى منتوج بلاده في حركة تضامنية مثلما فعلت العديد من الشعوب المتقدمة والمتحضرة التي آثرت على نفسها أن لا تشجع سوى منتوج بلادها، ولنا في هذا المضمار العديد من الأمثلة والتجارب البارزة منها على الذكر لا الحصر دولة ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية واليابان وكرويا الجنوبية والعديد من دول جنوب شرق آسيا.

 

يمكن من خلال هذا الطرح أن نتحدث عن تضامن اقتصادي حقيقي بين مختلف شرائح المجتمع التونسي والأطراف الاقتصادية المطالبة من موقعها بأن تقترب أكثر من المستهلك، وبالإمكان إحداث حراك تجاري واقتصادي من شأنه أن يساعد على تجاوز هذه الوضعية الصعبة.

 

الوضع الاقتصادي للبلاد على غاية من الدقة والحساسية ويتطلّب مضاعفة الجهود من أجل إنقاذ الاقتصاد والذي قد يكون الترفيع من استهلاك المنتوج المحلي  من بين الحلول العملية والهامة لتنشيط الحركة التجارية وإحداث حلقة اقتصادية متكاملة العناصر انطلاقا من تعزيز نشاط الوحدات المختصة في   المواد الأولية وتشغيل الوحدات الإنتاجية ومرورا بإعادة الحياة إلى التجار وخاصة الصغار منهم الذين يعيشون حالة كساد هامة في هذه الفترة ووصولا إلى المستهلك الذي سيكون المُنشّط الرئيسي للدورة الاقتصادية.

 

طبعا من دون أن نتغافل عن الانعكاسات الإيجابية لهذه المسألة على مستوى الحفاظ على مواطن الشغل وتدعيمها بفضل ما يساهم فيه الإقبال على المنتوج المحلي وبالتالي تفادي غلق مؤسسات أخرى أشهرت إفلاسها بفعل المنافسة الحادة وغير المتكافئة.

 

إنّ الحكومة وعبر الوزارات المعنية وبالتعاون مع المنظمات المهنية واتحاد الشغل ومختلف مكونات المجتمع المدني مُطالبة بتنظيم حملة وطنية واسعة النطاق تدعو فيها إلى ضرورة التشجيع على استهلاك المنتوج التونسي وجعله محركا للوضع الحالي للاقتصاد التونسي.

 

رياض بودربالة

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.