تونس : حرية الاعلام واستقلال القضاء ، الوجه الآخر لأزمة الثورة التونسية

بالموازاة للأزمة السياسية المتواصلة منذ أوائل هذه الصائفة والتي أوقفت تماما التجربة الانتقالية الهشة في تونس بانتظار ما ستتوصل إليه المحاورات والمناورات في هذا الشق أو ذاك من الطيف السياسي , تتصاعد بوادر أزمة أخرى تشمل الإعلام والقضاء اللذين يعكسان متلازمين أو مختصمين في الواقع صورة أخرى للتأزم السياسي العام في البلاد.
..



تونس : حرية الاعلام واستقلال القضاء ، الوجه الآخر لأزمة الثورة التونسية

 

بالموازاة للأزمة السياسية المتواصلة منذ أوائل هذه الصائفة والتي أوقفت تماما التجربة الانتقالية الهشة في تونس بانتظار ما ستتوصل إليه المحاورات والمناورات في هذا الشق أو ذاك من الطيف السياسي , تتصاعد بوادر أزمة أخرى تشمل الإعلام والقضاء اللذين يعكسان متلازمين أو مختصمين في الواقع صورة أخرى للتأزم السياسي العام في البلاد.  

كان يوما أسودا. تبع في الواقع أياما مدلهمة منذ مدة تتراوح بين الرمادي وغامق السواد , يوم الجمعة 13 سبتمبر شهدت أروقة فصر العدالة في تونس إحالة ثلاث صحافيين متهمين بشتى التهم , ومنها التآمر على أمن الدولة …وانتهى اليوم بإيداع الصحفي والناشط النقابي زياد الهاني بسجن المرناقية بطريقة مخالفة للقانون حسب محاميه وفيها الكثير من  العنف والتشفي ..

وتأتي قضية زياد الهاني على خلفية تواتر ظهور انتقادات حادة لأداء جهاز القضاء وخاصة شق النيابة العمومية منه وهي التي تخضع لإشراف السلطة التنفيذية وعلى خلفية امتعاض متزايد أيضا في صفوف السلطة والأغلبية الحاكمة من انتقاد وسائل الإعلام ومما تعتبره اصطفافا للإعلاميين مع المعارضة ومع كل "المتمردين " على الشرعية من منظورها…

وليس خافيا اليوم أن الترويكا الحاكمة وبالأخص حركة النهضة قد عجزت عن التواصل الفاعل بالوسط الاعلامي رغم كل محاولاتها الظاهرة والخفية مما جعلها تعتبر الاعلام حليفا موضوعيا  لكل مناوئيها ولم تتحرر النهضة من هذا الشعور لدرجة جعلتها تزيد من أخطاء التعامل متعمدة أحيانا مثل ما حصل مؤخرا في تسمية مدير جديد لإذاعة تطاوين أفضت احتجاجات الصحفيين به إلى الاستقالة يوم الجمعة الماضي.

كما أن هذا الاحتقان بين الاعلام والنهضة لم تفلح فيه سياسة الدرع المضاد الذي عملت النهضة به إلى خلق قطب إعلامي "إسلاموي" شمل بعض العناوين القديمة التي تقربت منها وشمل أيضا ما استحدث من وسائل مكتوبة وإلكترونية ومسموعة ومرئية . ولكن هذه الوسائل الإعلامية لم تستطع استقطاب القراء والمتابعين لشططها أحيانا ولافتقارها للمهنية الضرورية للحد الأدنى من الإقناع.

الساحة الإعلامية من الجانب الآخر تمر بمخاض عسير عقب سنوات الصمت والتكميم الطويلة وليس من المستغرب ولا من التجني القول بتواجد العديد من التجاوزات والتساهل المهني من فبل الصحافيين . كما أن غياب التجربة وحداثة الممارسة تجعل الكثيرين يقعون بسهولة في فخ الاصطفاف العاطفي للفاعل السياسي قبل التعاطي مع المضمون الإعلامي بأدوات المهنية الغائبة في الأصل. وينتج عن هذا كله اضطراب ملحوظ في الأداء يشل قدرة الإعلام على إحداث التوازن في الساحة السياسية بعد أن يتحول تدريجيا إلى أحد أطرافها على حساب الطرف الثاني.

ومن هنا تنشأ تلك التوترات التي نشهده باستمرار بين قياديي النهضة والإعلاميين مثلما حدث مع عامر العريض وهو المسؤول عن المكتب السياسي للحركة عندما تهجم على صحفي بألفاظ حادة أو مثلما حدث عندما صنف الغنوشي الاعلام في خانة "غير المضمون" مثل الجيش والداخلية …

ويترجم هذا الموقف لدى الحزب الحاكم بعدد متزايد من المؤشرات السلبية بدء بعدم تفعيل المراسيم 115 و116 إلى التلكؤ في إحداث الهيئة المستقلة للسمعي البصري ثم بعد أحداثها احتقارها وعدم الازدراء بمواقفها مثل حالة التسميات في الوسائل العمومية الأخيرة وصولا إلى القضية المرفوعة ضد الطاهر بن حسين للتآمر على أمن الدولة أو ملاحقة زهير الجيس لبرنامج انتقد رئيس الجمهورية …

وعندما تتزامن هذه المواقف مع التشدد الذي تبديه النيابة العمومية في مجمل القضايا المتعلقة بالرأي والتعبير لا يمكن إلا الاستنتاج أن استقلال القضاء وحرية الاعلام بالرغم من تشبث الجميع بها إلا أنها لا تحمل نفس المعنى . وما من شك أن حالة التوتر السياسي وانسداد أفق الحوار بين المعارضة والأغلبية قد زادت من حدة الاستقطاب على المستويين الاعلامي والقضائي بشكل حاد وهذا ما يترتب عنه تعقيد متواصل للأزمة السياسية ككل.

علي الشتوي

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.