الفرح المؤجل في تونس

الخبر مفرح بالتأكيد ولكن المفارقة أن لا أحد عبر عن هذا الفرح بعد أشهر من الحيرة. رغم أن الاعلان في تونس مؤخرا عن موافقة حركة ‘النهضة’ الاسلامية أكبر الاحزاب الثلاثية الحاكمة على مبادرة الوسطاء (اتحاد الشغل، اتحاد أرباب العمل، رابطة حقوق الانسان، هيئة المحامين) بكل ‘صراحة ووضوح’ للخروج من …



الفرح المؤجل في تونس

 

الخبر مفرح بالتأكيد ولكن المفارقة أن لا أحد عبر عن هذا الفرح بعد أشهر من الحيرة. رغم أن الاعلان في تونس مؤخرا عن موافقة حركة ‘النهضة’ الاسلامية أكبر الاحزاب الثلاثية الحاكمة على مبادرة الوسطاء (اتحاد الشغل، اتحاد أرباب العمل، رابطة حقوق الانسان، هيئة المحامين) بكل ‘صراحة ووضوح’ للخروج من الازمة السياسية في البلاد فإن الاستبشار بهذا الانفراج بدا خجولا جدا إن لن يكن مؤجلا. لهذا أكثر من سبب :

حركة النهضة التي وافقت على هذه المبادرة، التي تتضمن خارطة طريق واضحة لاستكمال أعمال المجلس الوطني التأسيسي وتشكيل حكومة جديدة وبداية حوار وطني شامل، فعلت ذلك بعد لأي شديد ومراوغات عديدة. لقد وافقت عليها بالتقسيط المريح جدا إلى درجة أن البعض ما زال يعتقد أنها في الحقيقة لم توافق عليها بعد بالشكل المطلوب .

الحكومة التي يفترض أنها ستستقيل في مواعيد محددة سلفا من انطلاق الحوار الوطني سارعت إلى نفي أنها ستقوم بذلك قريبا، بل وقالته بطريقة من أرعبته فكرة أنه يوشك على المغادرة حتى غدت استقالتها ‘مكرمة’ وليست استحقاقا .

التشكيك الدائم من قبل المعارضة، لا سيما الجبهة الشعبية اليسارية والقومية، في مواقف حركة النهضة أو تصريحات وزرائها التي وصف بعضها حسين العباسي زعيم اتحاد الشغل بأنها ‘متشنجة’ ولا توحي بالاطمئنان على نتائج الحوار الوطني الذي يفترض أن ينطلق بعد أيام قليلة .

الانصراف المتزايد من الناس عن نكد السياسة ومماحكاتها العميقة وانشغالهم في المقابل أكثر وأكثر بصعوبات الحياة اليومية لا سيما الغلاء الفاحش .

ردود الفعل هذه تعكس للاسف أزمة ثقة متفاقمة بين الفرقاء السياسيين موالاة ومعارضة، وبين هذه جميعها والناس. هذه الازمة التي من المفترض أن تتراجع أو تختفي في نهاية الحوار الوطني الذي سينطلق قريبا بين جميع الاحزاب الممثلة في المجلس التأسيسي.

 

حوار إن لم يعتمد التوافق قاعدة للتوصل إلى حلول عملية فلن يكلل بأي شيء. لعل ما اقتنع به التونسيون جميعا بعد سنتين من مرحلة انتقالية متعثرة أن لا بديل عن التوافق وأن لا فصيل قادرا على حكم البلاد مهما كان وزنه الحقيقي أو المفترض.

 

إن تاريخ 23 أكتوبر، وهو الذكرى الثانية لانتخاب مجلس تأسيسي في أول انتخابات حقيقية في البلاد منذ عقود، لا ينتظر أن يمر مرة أخرى كيوم عادي لانه إذا لم تعلن فيه تفاهمات ملموسة واضحة فإن البلد قد يدخل في متاهة حقيقية وحتى أزمة شرعية خانقة لانه كان من المفترض ألا يعمر هذا المجلس أكثر من سنة واحدة على الاكثر .


أسوأ ما يمكن أن يحصل في تونس في الايام المقبلة هو دخول الحوار الوطني الوشيك في متاهات التسويف والمماطلة وحسابات ربح الوقت من قبل الثلاثي الحاكم ولا سيما حركة ‘النهضة’. مثل هذا الافتراض ،غير المحبب على الاطلاق، سيكرس لدى الرأي العام إلى غير رجعة أن لا أحد من هؤلاء الذين جاؤوا بعد الرئيس بن علي إلى الحكم حريص فعلا على مصلحة البلد، وأنهم جميعا شركاء في جريمة تمكين أنفسهم في الحكم قبل أي شيء آخر خاصة في الوقت الذي تعاني فيه البلد الامرين اقتصاديا واجتماعيا وأمنيا .

هذا الوضع المخيف لا أحد من هؤلاء بدا مهموما به مع أنه من الصعب تحقيق اي تقدم سياسي في ظله.

 

وأي خيبة أمل جديدة لدى التونسيين من حوار يراوح مكانه لاسابيع دون فائدة قد تستقر نهائيا مزاجا عاما ثابتا لديهم. هكذا مآل، لا سمح الله، سيعني فشل التجربة الانتقالية في تونس بعد فشلها على الطريقة المصرية.

عند هذه المحطة قد تنطلق ثورة جديدة هي ثورة المحرومين والمهمشين الذين ازداد وضعهم سوءا هذين العامين وستكون ضد الجميع حكومة ومعارضة ودون افق سياسي ولا قيادة وتلك هي الكارثة بعينها. كارثة يمكن تجنبها بالاسراع بإنجاح الحوار الوطني والمرور بسرعة إلى أجواء جديدة في البلاد تخرجها من الكآبة التي تعيشها والتي جعلتها تستكثر على نفسها الفرح أو تؤجله حتى تتأكد تماما أنه فعلا يستحق ذلك .

 

محمد كريشان
القدس العربي اللندنية

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.