تونس – الجبهة الشعبية من تحدي التوحيد إلى تحدي الفعل

لا يختلف المحللون والمتابعون لوضع الأحزاب السياسية في تونس على القول أن التجمع الحزبي الذي أعلن عنه باسم “الجبهة الشعبية ” منذ ما لا يزيد عن سنة قد نجح إلى حد الآن في رفع تحديات جسام كانت مطروحة على الأحزاب اليسارية المشتتة والمنهزمة في انتخابات 23 أكتوبر 2013 . ولكن النجاحات التي حققتها الجبهة والتي لها العديد من التفسيرات لا تنفي تواصل تحديات أخرى قد تكون أخطر وأهم وقد تمثل منعرجات مصيرية لليسار التونسي في تونس ما بعد الثورة……



تونس – الجبهة الشعبية من تحدي التوحيد إلى تحدي الفعل

 

لا يختلف المحللون والمتابعون لوضع  الأحزاب السياسية في تونس على القول أن التجمع الحزبي الذي أعلن عنه باسم "الجبهة الشعبية " منذ ما لا يزيد عن سنة قد نجح  إلى حد الآن في رفع تحديات جسام كانت مطروحة على الأحزاب اليسارية المشتتة والمنهزمة في انتخابات 23 أكتوبر 2013 . ولكن النجاحات التي حققتها الجبهة والتي لها العديد من التفسيرات لا تنفي تواصل تحديات أخرى قد تكون أخطر وأهم وقد تمثل منعرجات مصيرية لليسار التونسي في تونس ما بعد الثورة…

كان ذلك في أواسط سبتمبر 2012 وكان لحضور ولجهد الشهيد الراحل شكري بلعيد الدور المحوري في بروز الجبهة الشعبية كتشكيل حزبي يتكون مما يزيد عن 13 فصيلا سياسيا تظم أغلب الأحزاب والتيارات السياسية اليسارية الماركسية والبعثية والقومية وما قرب منها . ولا شك أن تواجد حزب العمال التونسي (ما اصطلح على تسميته طويلا بالبوكت) وحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد (ما اصطلح على تسميته بالوطد) صلب هذا التجمع واضطلاعهما  بالسير حثيثا ومعا إلى التوحد قد أثر في ما تبقى من التشكيلات السياسية المشتتة والتي أمضت سنة 2012 في إعادة ترتيب أوراقها وتمحيص النتائج السيئة لمشاركتها منفردة في انتخابات 23 أكتوبر وكذلك في عجزها ، مشتتة ومتفرقة ، طيلة السنة الأولى من حكم الترويكا في التأثير إيجابيا على سير الأمور وحتى على التموقع كمعارضة فعالة في المجلس التأسيسي وفي الشارع أيضا…

وبعيد انطلاق الجبهة الشعبية في العمل الفعلي والإعلان عنها رسميا في ندوة صحفية أوائل نوفمبر من السنة الماضية تبين بسرعة أن الساحة السياسية والجمهور يتقبل بايجابية هذا المولود السياسي الجديد إذ سرعان ما برزت الجبهة الشعبية في استطلاعات الرأي وسرعان ما تمكنت في مرحلة أولى من دحر أحزاب موالاة الترويكا (وخاصة حزبي التكتل والمؤتمر) قبل أن يقع اغتيال الشهيد شكري بلعيد، أحد أبرز قادة الجبهة في 6 فيفري 2013 …

استشهاد شكري بلعيد زاد من حظوة الجبهة الشعبية بشكل واضح ومكن قياداتها من التسريع بمزيد انصهار مكوناتها مع توافد تشكيلات حزبية صغيرة أخرى إليها في خضم الزخم الشعبي المتزايد لها … وإذ بلغت الجبهة الشعبية في استطلاعات الرأي ما يزيد عن 13 بالمائة من نوايا التصويت وأصبحت الحزب الثالث الأكثر تواجدا تراجع تواجد مكوناتها المنفردة وتضاءل عدد ملفات الخلاف المطروحة ما بين مكوناتها بشدة…كما برز بوضوح تفوقها في ساحة المعارضة على الأحزاب التقليدية ومنها بالخصوص الجمهوري والمسار اللذان لم يتمكنا من الصمود طويلا أمام الزخم الجبهوي الكبير..

وقد تفطنت حركة النهضة بسرعة إلى خطر الجبهة الشعبية  الداهم الذي يضاف بالنسبة إليها إلى خطر حزب نداء تونس الذي زاحمها مباشرة في كل شيء . ولئن شابت العلاقة الأولية ما بين الجبهة وحزب النداء عداوة مبنية على طرح إيديولوجي يعتبر النداء والنهضة شريكين في طرحهما الليبرالي اليميني إلا أن هذا الطرح سوف يزول أو يتناقص مع استشهاد الفقيد محمد البراهمي أحد قادة التيار القومي المؤمن بالجبهة الشعبية والذي خلف استشهاده الأزمة السياسية المعروفة منذ جويلية 2013 وساهم عبر بعث جبهة الانقاذ الوطني في توحيد صفوف كل المعارضات أيا كان انتماؤها السياسي ..

ولكن بداية الحوار الوطني بالرغم عن تعثره وعن عديد العقبات المطروحة أمامه ليست سوى بداية مشوار جديد للجبهة الشعبية ولمكوناتها الأساسية ، مشوار سوف يضطر لطرح الأسئلة المحرجة والمحورية في تواصل نجاح الجبهة وتمكنها من التقدم نحو أخذ مكانها كاملا في الساحة السياسية في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة والقريبة جدا…

فعلاوة على تواصل الأسئلة المطروحة حول تطور الشكل التنظيمي للجبهة تطرح أولا الأسئلة المتعلقة بالبرنامج السياسي الذي ستطرحه في الانتخابات التشريعية وربما الرئاسية وعن فحواه الاقتصادية والاجتماعية بين شق داخل الجبهة يتطرف في طرحه للحلول الاشتراكية وشق أميل إلى المزيد من الواقعية وإلى تمثل التجارب الديمقراطية الاجتماعية لشمال أوروبا …

كما أن مستقبل التحالفات التي ستعقدها الجبهة مطروح بشدة كما هو مطروح  مدى امكانية المضي في التحالف ضمن جبهة الانقاذ والموقف الواضح من الاتحاد من أجل تونس الذي يطرح نفسه كواجهة انتخابية لأحزاب نداء تونس والجمهوري والمسار وحلفائهما المباشرين…

وفي صلب الجبهة وبين مكوناتها فإن الاستعداد للانتخابات سيكون امتحانا عسيرا لصلابة البنية الموحدة في إجابات حول أسئلة الشخصيات المرشحة وكيفية الدخول للانتخابات باسم الأحزاب المكونة أو باسم الجبهة ومسألة إدارة الحملة الانتخابية والتعامل مع وسائل الإعلام ..وكل هذه المسائل لن تتأخر في البروز على طاولة النقاش مباشرة بعيد الانطلاق الفعلي للحوار الوطني وع توضح كل أجزاء خارطة الطريق المؤدية إلى انتخابات 2014 المرتقبة…

علي الشتوي  

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.