تونس: هل دستورنا الجديد معركة أخيرة بين عبد العزيز الثعالبي والحبيب بورقيبة ؟

بالرغم عن بعض التأخير تمكن المجلس الوطني التأسيسي من الانتهاء يوم الجمعة 24 جانفي من المصادقة على فصول الدستور الجديد في انتظار التصويت عليه في قراءة ثانية وأخيرة يوم السبت الموالي وفتح الطريق بعدئذ لحكومة مهدي جمعة وللفترة الانتقالية الثالثة والأخيرة… وتختلف المواقف من الدستور الجديدي حد …



بالرغم عن بعض التأخير تمكن المجلس الوطني التأسيسي من الانتهاء يوم الجمعة 24
جانفي من المصادقة على فصول الدستور الجديد في انتظار التصويت عليه في قراءة ثانية
وأخيرة يوم السبت الموالي وفتح الطريق بعدئذ لحكومة مهدي جمعة وللفترة الانتقالية
الثالثة والأخيرة… وتختلف المواقف من الدستور الجديدي حد التناقض أحيانا بين ممجد
لخصاله الديمقراطية ولنجاحاته التقدمية في مسائل متعددة وبين واصف الدستور
بالاختلال والمخاتلة وبأنه ليس سوى دستور زرعت فيه النهضة والإسلاميين من الفخاخ ما
يكفي لإمكانية بناء الدولة الدينية غدا على هضاب قرطاج…

وبغض النظر عن "العنتريات التي ما قتلت ذبابة" من قبيل صنائع ابراهيم القصاص
ومخاتلات عبد الرؤوف العيادي وجماعة السلفية الجديدة من تيار المحبة وممن هب
ودب "دفاعا " عن الاسلام في ديار البربر فإنه يمكن القول أن السجالات التي
شهدتها ولادة دستور الجمهورية الثانية تحيلنا في واقع الأمر إلى شروخ كبيرة في
المجتمع التونسي لا بد من الانتباه إليها لأنها ستعود للظهور هنا وهناك وبهذا
الشكل أو بشكل آخر…

ذلك لأنه لابد من أن نسجل أن أغلب وأشرس الخلافات التي سجلناها كانت مرتبطة
بالأساس بمسألتي الهوية والدين وما يترتب عنهما سواء على مستوى الحريات العامة
والشخصية أو على مستويات التشريع الاجتماعي أو عي مجال التربية والتعليم
والثقافة بينما لن نلاحظ لا سجالات ولا خلافات عميقة في كل ما هو ذو صبغة
اقتصادية أو إدارية أو تنظيمية أخرى.

ولئن كان منتظرا أن يحصل جدل واسع بخصوص نمط نظام الحكم بين الاسلاميين
المتشبثين بالنظام البرلماني وبين اليسار والديمقراطيين المنادين بنظام متوازن
بين رأسي السلطة التنفيذية فإن لجنة التوافقات وجلسات الحوار الوطني وصلت إلى
صيغة توافقية تعدل فيها سلطات رئيس الجمهورية ما أمكن من سلطات رئيس الحكومة
ولئن بقيت في الأغلب لدى هذا الأخير…

وإن انحصار الجدل في مسائل الهوية والدين يفسره الخبراء بالرجوع لتاريخ تونس
الحديث. فحسب المتابعين يظل الشرخ الذي أدى إلى انقسام الحزب الحر الدستوري
التونسي في سنة 1934 قائما إلى اليوم بين الحبيب بورقيبة وعبد العزيز الثعالبي.
وهو في الواقع شرخ بين توجه يعتبر التأصل في الهوية العربية الاسلامية الأولوية
التي تنفي غيرها وبين التوجه الذي يعتبر أن الانخراط في مقتضيات العصر الأولوية
النافية لغيرها أيضا…وما كان النفس الليبرالي الذي توج دستور 1956 ليكون لولا
وزن بورقيبة الزعيم المنتصر لتوه على الاستعمار الفرنسي بثقافة مفتوحة .

ولا شك أن الواقع أكثر تعقيدا من الايديولوجيا كما أسس لذلك الفيلسوف الصيني
كونفوسيوش منذ آلاف السنين عندما قال : " إن العالم جميل بالمتشددين ولكنه لا
يستمر إلا بالمعتدلين" . ولقد رأينا بورقيبة يستأنس في كثير من المواقع بالتراث
العربي الاسلامي لتونس الذي يفرض نفسه عليه كما رأينا التيارات التقدمية
واليسارية في المجلس التأسيسي تجعل الأغلبية النهضوية والاسلاموية ترضح لمعطيات
الواقع التونسي الجديد المنفتح على العالم وعلى الموروث الانساني.

وبهذا فإن دستور الجمهورية الثانية لم يخرج من تناقضاتنا وإنما عبر بشكل أو
بآخر عنها في الكثير من فصوله. ومن هنا ربما يأتي عذا الاحتفاء به من مختلف
ألوان الطيف…رغم الأصوات التي تحاربه من حزب التحرير يمينا إلى عديد الأفكار
الأخرى يسارا..وهذا حال كل عمل إنساني يسعى للكمال دون بلوغه …
 

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.