تونس: مراقبة المال السياسي وتمويل الأحزاب حجر الزاوية لإنجاح المسار الانتخابي

من أهم التحديات السياسية المطروحة في الفترة القادمة اثر الانتهاء من المصادقة على القانون الانتخابي الجديد، الذي يُعتقد انه بالإمكان الانتهاء منه على أقصى تقدير في شهر مارس 2014، انتظار رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات الإعلان بصفة رسمية عن تحديد موعد نهائي للانتخابات القادمة في تونس والاتجاه فعليا نحو الانتهاء من المراحل التأسيسية والتوجه نحو مرحلة الاستقرار السياسي….



من أهم التحديات السياسية المطروحة في الفترة القادمة اثر الانتهاء من المصادقة
على القانون الانتخابي الجديد، الذي يُعتقد انه بالإمكان الانتهاء منه على أقصى
تقدير في شهر مارس 2014، انتظار رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات الإعلان
بصفة رسمية عن تحديد موعد نهائي للانتخابات القادمة في تونس والاتجاه فعليا نحو
الانتهاء من المراحل التأسيسية والتوجه نحو مرحلة الاستقرار السياسي.

وبتحديد الموعد الانتخابي يكون قد تم وضع حدّا لكل التجاذبات السياسية وحالة الترقب
التي عليها الفاعلين السياسيين، ويمكن اعتبار هذا الموعد بمثابة خارطة طريق جديدة
للأحزاب السياسية في تونس للعمل والتحرّك والشروع في إعداد رزنامة تحرّكها وضبط
برامجها الانتخابية.

غير أنه في الأثناء ستطفو على السطح مسألة مراقبة المال السياسي من جديد من
منطلق أن الانتخابات الرئاسية والتشريعية لن تتجاوز سنة 2014 بحسب ما صرح به
مؤخرا رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات شفيق صرصار وهو ما سيفرض على
الأحزاب السياسية إيجاد الموارد المالية الضرورية للتعبئة والتعريف ببرامجها
وتحوّلها داخل البلاد لتنظيم المهرجانات الخطابية والاجتماعات الجماهيرية
والحرص على التموقع في المشهد السياسي والاقتراب أكثر من قواعدها وبخاصة من
المواطنين.

ضمن هذا السياق تبرز عملية تمويل الأحزاب وبالخصوص مسألة تمويل الحملات
الانتخابية، وقد طفا في الآونة الأخيرة موضوع تمويل الأحزاب السياسية في تونس
ومصادر التمويل ومراقبته، وسوف تُطرح هذه العملية بإلحاح خلال مناقشة مشروع
القانون الانتخابي الجديد وخاصة مع تحديد موعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية
القادمة ، في الوقت الذي تُسجّل فيه المنظومة التشريعية العديد من الهنات
والفراغ القانوني بخصوص هذا الموضوع.

وتتبادل الأحزاب التهم تمّ في المدة لأخيرة بشان رصد أموال ضخمة لبعض الأحزاب
البارزة على الساحة السياسية حيث وصل اتهامها بحصولها على أموال مصدرها خارجي
وهو ما يتنافى مع القوانين والمراسيم الحالية وقد اعتبر المتابعون للشأن
السياسي والملاحظون أن هذه المسألة في حال تأكّدها تعتبر خرقا للقانون وضربا
للمسار الانتخابي وجب التصدي إليه بكل سرعة قبل أن تصبح العملية خارجة عن نطاق
السيطرة ولا يمكن تفادي آثارها على الانتخابات التي من المفروض أن تكون شفافة
ونزيهة وتقطع كليا مع ممارسات العهد السابق.

ولكن ما يمكن التأكيد عليه أن المنظومة التشريعية والقانونية الموضوعة لا
تستجيب إلى هذه المواصفات والمعايير إذ دعا العديد من المحللين السياسيين
والخبراء إلى ضرورة الإسراع بوضع نصوص قانونية تتماشى والوضع السياسي الجديد
وتواكب التحولات لا سيما على مستوى التمويل العمومي للأحزاب وتمويل الحملات
الانتخابية.

فالمنظومة التشريعية الحالية التي تنظم الأحزاب السياسية والحملات الانتخابية
وخاصة موارد تمويلها تقتصر بالنسبة إلى الأحزاب السياسية على القانون الأساسي
عدد 32 لسنة 1998 المؤرّخ في 3 ماي 1988 ويتعلق بتنظيم الأحزاب السياسية وقانون
عدد 48 لسنة 1997 المؤرخ في 21 جويلية 1997 ويتعلق بالتمويل العمومي للأحزاب
السياسية وقانون عدد 27 لسنة 1999 المؤرخ في 29 مارس 1999 والمتعلق كذلك
بالتمويل العمومي للأحزاب السياسية.

أمّا الحملات الانتخابية فقد وردت بالقسم الثاني من المرسوم عدد 35 لسنة 2011
المتعلق بانتخاب المجلس الوطني التأسيسي و يرى المختصون في القانون في هذا
الصدد أن الفصل الثاني من قانون الأحزاب لم يستثن من الموارد سوى الإعانات
المادية بصفة مباشرة أو غير مباشرة من أية جهة أجنبية وبالتالي فإنّ التمويلات
الخاصة مسموح بها كما أن الفقرة الثانية من الفصل 12 تطالب مسيري الحزب
بالتصريح إلى وزارة الداخلية بكل هبة أو تبرع خلال الثلاثة أشهر الموالية
لتاريخ الهبة أو التبرع.

ويرى البعض أن هذا الإجراء قاسي وغير عملي الهدف منه نوع من الوصاية والمراقبة
الأمنية اللصيقة للأحزاب المُرخّص لها وتوقّع المختصون أن جلّ الأحزاب الموجودة
بالساحة السياسية لا تعمل به حاليا وهو في نظرهم خرق واضح لأحكام القانون.

ومن بين القراءات القانونية في مجال التمويل، فالحزب يجب عليه مسك حسابيته دخلا
وخرجا وجردا لمكاسبه المنقولة والعقارية وتقديم حساباته السنوية إلى دائرة
المحاسبات، ويُفهم من ذلك أن المحاسبة المُقدمة تعتمد طريقة القيد الواحد وهي
طريقة لا تلبي التطور الحاصل على الصعيد الوطني والعالمي والمعايير الدواية ولا
تعطي للمستعمل والقارئ لتلك الحسابات نظرة شاملة وشفافة.

أما بخصوص تقديم الحسابات السنوية إلى دائرة الحسابات فيرى الخبراء المحاسبون
أن القانون لم يشر إلى ما هية دورها في المراقبة بل بقيت مبهمة وكان بالأحرى
إسناد مهمة الرقابة إلى مراقب حسابات يدلي في تقريره برأيه عن القوائم لمالية
للأحزاب السياسية.

إنّ القانون الموضوع سنة 1988 كانت أهدافه غير التي جاء بها إذ كرّس الإقصاء
والرقابة الأمنية و المالية للأحزاب السياسية وذلك لغاية مقصودة مثلما يعتبره
المختصون إذ أن من مفارقات الدهر أن السحر انقلب على الساحر، فبعد 23 سنة وقع
حلّ التجمع الدستوري الديمقراطي بنفس الحيثيات والأحكام التي وضعها المُشرّع في
ذلك الوقت.

أما التمويل العمومي فقد وقع تفسيره في أحكام القانون عدد 48 لسنة 1997 وهو
الذي يتم عن طريق ميزانية الدولة في شكل منح وفي الواقع فإن المنحة تُصرف سابقا
مباشرة من ميزانية رئاسة الجمهورية في شكل منحة لجميع الأحزاب للمساعدة على
مصاريف التسيير حددت بما قدره 60 ألف دينار لكل حزب يُسدّد على مرّتين.

أمّا المنحة المتغيرة فهي حسب عدد النواب لكل حزب وقد نصّ الفصل 6 من القانون
أن المنحة تتوقف إذ لم يقدم الحزب حساباته إلى دائرة المحاسبات.

غير أن الوضع المالي الصعب الذي تمر به تونس وتواصل الأزمة الاقتصادية الخانقة
بعد الثورة وفي ظل تواجد أكثر من 100 حزب في تونس قد يجعل رئاسة الحكومة ووزارة
الاقتصاد والمالية لا تقدم تمويلا عموميا للأحزاب وهو ما لم تقم به حكومات ما
بعد الثورة كما أن تمويل الحملات الانتخابية سيكون أيضا على المحك ولم يحسم
بشأنه أولا من حيث الأزمة المالية للبلاد وثانيا تفادي ما حصل في انتخابات 23
أكتوبر 2011 حيث تنصلت العديد من القائمات والأحزاب من إرجاع المنحة المالية
التي تحصلت عليها بعد أن فشلت في الحصول على النسبة الدنيا (3 بالمائة) في
الانتخابات.

و جاء المرسوم عدد 35 لسنة 2011 المتعلق بانتخابات المجلس التأسيسي في قسمه
الثاني- الفقرة الثانية من الفصل 37 أن الحملة الانتخابية تخضع إلى مبدأ شفافية
الحملة الانتخابية من حيث مصادر تمويلها وطرق صرف أموالها، وهنا مربط الفرس حيث
أن الشفافية ليست شعارات بل ممارسة تتطلب تظافر كل الجهود والطاقات لإرسائها
ومتابعة مصادر التمويل وآثاره.

أما الفصل 52 فقد أكد على كل حزب أو قائمة مترشحين فتح حساب بنكي وحيد ويعتبر
هذا الإجراء سليما ومطلبا لحسن سير العمليات المالية ومتابعة مصادر تمويلها.
كما أن نفس الفصل 52 منع تمويل الحملة الانتخابية بمصادر أجنبية مهما كان نوعها
ويمنع كذلك تمويل الحملات الانتخابية من قبل الخواص.

غير أن الفصل 77 من المرسوم قد خصّ عقوبة المترشح الذي يتلقى من جهة أجنبية
إعانات مادية بصفة مباشرة أو غير مباشرة بالسجن لمدة عام وخطية قدرها ألف دينار
وقدان صفة المترشح أو لصفة المنتخب ولم يخصّ بنفس العقوبة من يموّل حملته
الانتخابية من قبل الخواص وهي ثغرة يجب تفاديها وقد يُفهم من واضع النصّ أن
التمويل الخاص مُحجّر ولكن من يقوم به لا يُعاقب ويغضّ الطرف عليه.

وإجمالا فإن مراقبة المال السياسي في هذا الظرف الانتقالي الذي تعيشه البلاد
تبدو عملية متأكّدة لتأمين ديمقراطية العمل السياسي وضمان أوفر الحظوظ لكل
الأحزاب مهما كان حجمها وثقلها.
 

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.