تونس: بعد تزاوجه مع الإرهاب… التهريب من تهديد الاقتصاد إلى زعزعة الاستقرار

باتت ظاهرة التهريب على الحدود بين الجزائر و تونس إحدى اكبر التحديات التي تواجهها سلطات و مصالح امن البلدين، لارتباطها بشبكات الجريمة و المنظمات الإرهابية، و لانعكاساتها السلبية على اقتصاد البلدين، لكن ما يرهق الأجهزة الأمنية من حرس الحدود و جمارك و قوات الجيش هو قدرة المهربين على التأقلم مع …



باتت ظاهرة التهريب على الحدود بين الجزائر و تونس إحدى اكبر التحديات التي تواجهها سلطات و مصالح امن البلدين، لارتباطها بشبكات الجريمة و المنظمات الإرهابية، و لانعكاساتها السلبية على اقتصاد البلدين، لكن ما يرهق الأجهزة الأمنية من حرس الحدود و جمارك و قوات الجيش هو قدرة المهربين على التأقلم مع مختلف الإجراءات التي يتم وضعها للحد من الظاهرة، حيث يلجئون لخطط للإفلات من المراقبة و الملاحقة مستمرين في نشاطهم رغم الخطور التي تهددهم.

لا يمر يوم الا و يتم القاء القبض على مهربين على مستوى الحدود بين تونس و الجزائر، او احباط محاولات تهريب لمواد و سلع مختلفة، من الجانبين، و عن ذلك تقول الوحدات الامنية المرابطة بالمنطقة ان حالات التهميش و البطالة و غياب التنمية احدى اهم اسباب اقدام الشباب على المغامرة، لان المبالغ التي يتلقونها من رؤوس التهريب خيالية، و قال ان السائق العامل 5000 دينار جزائري، ما يعادل 80 دينار تونسي، عن كل عملية ينجح فيه بنقل الوقود من الجزائر إلى تونس، و قد يتساءل القارئ لماذا يلجأ الجميع الى تهريب الوقود؟ و الجواب بسيط، لان الوقود من المواد المدعمة من طرف الجزائر و غير ذلك في تونس اين يباع بأسعار باهضة، ما يجعل هامش الربح كبير جدا يغري الجميع، و لكم ان تتصورا الخسائر التي يتكبدها الاقتصاد الجزائري كما التونسي.

حصة المناطق الحدودية من الوقود تعادل حصة ثلاث ولايات مجاورة

و لكشف مدى سيطرة بارونات التهريب على سوق الوقود على مستوى منطقة تبسة الحدودية، و تأثير ذلك على تذبذب التوزيع في باقي المناطق و ما يسجله الاقتصاد الجزائري من خسائر، قدمت مديرية الطاقة والصناعة لولاية تبسة، ارقاما حول كميات الوقود التي تصل الولاية يوميا لتوزيعها على 51 محطة، حيث تقدر بـ 23 ألف و 662 م مكعب، و الغالبية تتحصل على 12000 لتر يوميا، الا ان المحطات المنتشر على الحدود تغلق أبوابها على أقصى تقدير عند الساعة الرابعة مساءا بعد نفاد الكميات،على الرغم من أن القانون الجزائري يفرض عليها ضمان عملية التوزيع إلى غاية العاشرة ليلا.

هذه الوضعيات خلقت ازمات عديدة و لعل ابرزها معاناة فلاحي المنطق التي تشتهر بإنتاج القمح و الشعير، الزيتون وبعض الحمضيات كما تحتوي على ثروة غابية لا بأس بها في جبالها الشامخة، حيث اثر تهريب الوقود على انتاجهم بعد لجوؤهم في كل مرة لاقتناء الوقود لالاتهم من السوق السوداء و من عند المهربين انفسهم، ما جعل التكاليف ترتفع و الارباح تنخفض، و هو الامر الذي رفع من اسعار بعض المنتوجات الفلاحية و عزوف عدد من الفلاحين الشباب عن الاستمرار في ممارسة نشاطهم، لترتفع نسبة البطالة و توسع المساحات الفلاحية المهجورة و انخفاض الانتاج.

إجراءات ردعية تصطدم بحيل المهربين

لقد اتخذت السلطات الجزائرية إجراءات و تدابير لمحاصرة عصابات تهريب الوقود، انطلاقا من مصادر التموين بمحطات التوزيع العمومية والخاصة، والتي سمحت بانفراج الأزمة قليلا، بعد اقرار تحديد كمية التموين بالبنزين إلى 600 دينار لكل سيارة، و400 دينار للمازوت، و600 دينار للشاحنات من نفس المادة، إضافة إلى إقرار إجراءات ردعية للمحطات المشبوهة بالتعامل مع هذه المافيا، تصل إلى حد تجميد السجل التجاري وسحب رخصة الاستغلال لفترة محددة أو بصفة نهائية إذا ثبت التعامل مع المهربين، قامت السلطات الأمنية كذلك بإجراءات رقابة مشددة وسط محطات التوزيع التي تمركز فيها أعوان الأمن لمراقبة وتصفح وثائق السيارات المشبوهة وتحويلها على جهات التحقيق أو توقيفها بعين المكان في حالة تلبس بإعادة تهيئة المركبات للتهريب بإضافة الخزانات، كما وجهت تعليمات صارمة لتوقف السيارات النفعية التي تتلاعب بلوحات الترقيم أو تحاول طمسها تجنبا للحواجز الأمنية، لكن تطبيقها في الميدان لم يدم طويلا بعد ان اصطدمت ا بحيل ذكية ابتكرها محترفي نشاط التهريب، للافلات من الملاحقة و الاستمرار في النشاط.

خسائر كبيرة يتكبدها الإقتصاد..

و لمعرفة خطورة ظاهرة التهريب على الاقتصاد، تقدم " المصدر" نقطة من احصائيات لمصالح الدرك الجزائري تذكر انه تم إحباط محاولات لتهريب 15410 لتر من البنزين، و 20320 لتر من المازوت، و حجز 48 مركبة كانت معدة لتهريب الوقود، بقيمة مالية بلغت حوالي 18 مليار سنتيم، على مستوى منطقة تبسة، خلال 3 اشهر فقط، بالاضافة الى مواد أخرى كألياف النحاس ومواد كهربائية و الكترونية ومواد التجميل و الألبسة البالية.

بعد تزاوجه مع الإرهاب… التهريب من تهديد الاقتصاد إلى زعزعة الاستقرار

في فترة الثمانينات كان التهريب يعتمد على أفراد غير منظمين وغير ممنهجين حيث كانت المواد المهربة هي تلك المواد المدعمة من طرف الدولة كالحليب والسكر والقهوة ومادة الزبدة والزيت …أما في فترة التسعينيات فقد شمل التهريب مجال الآلات الالكترونية كأجهزة الاستقبال التلفزيوني و أجهزة الكمبيوتر والأدوات المكتبية بصفة عامة، ومع حلول سنة 2000 اخذ التهريب يأخذ منحنى تصاعديا وأكثر تنظيما، و توسع بشكل خطير بعد اعلان اغلب المستثمرين انضمامهم لممارسة النشاط، و الانتقال الى تهريب المواد البترولية من بنزين و مازوت، الياف النحاس، العجلات المطاطية للسيارات السياحية، و تهريب الآثار التي تبقى من اختصاص العصابات الدولية.

لكن مع اكذوبة الثورة ضد الاستبداد و من اجل الديمقراطية و الحرية في ليبيا، التي تشهد وضعا متدهور امنيا مع الانتشار الواسع للاسلحة، اصبح التهريب اكبر خطر يهدد المنطقة و خاصة تونس و الجزائر، بعد ان لجأت عصابات التهريب و الجماعات الارهابية و المسلحة الى ولوج عالم تجارة الاسلحة لما فيها من مداخيل ضخمة، الامر الذي دفع السلطات الجزائرية و التونسية الى تكثيف و ترقية التعاون و التنسيق لمواجهة الظاهرة بعد التقارير التي اكدت تزاوج الارهاب و التهريب. فالتهريب انتقل من تهديد الاقتصاد إلى زعزعة الاستقرار.

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.