ثوابت يُراد تعديلها في العمل العربي المشترك على حساب تونس

مذ عادت الجامعة العربية إلى مقرها في القاهرة في سنة 1990، قبل أسابيع من الغزو العراقي للكويت، وضع العرب أسس منظومة مُعدلة لمؤسسات العمل المشترك، وهي المنظومة التي ما زالت سارية إلى اليوم. لكن ظهرت في السنتين الأخيرتين بوادر مراجعة لتلك الأسس على نحو انتقائي يخدم بعض الأطراف العربية التي تريد كسب



مذ عادت الجامعة العربية إلى مقرها في القاهرة في سنة 1990، قبل أسابيع من الغزو العراقي للكويت، وضع العرب أسس منظومة مُعدلة لمؤسسات العمل المشترك، وهي المنظومة التي ما زالت سارية إلى اليوم. لكن ظهرت في السنتين الأخيرتين بوادر مراجعة لتلك الأسس على نحو انتقائي يخدم بعض الأطراف العربية التي تريد كسب مواقع جديدة على حساب أطراف أخرى من دون وضع الملف برمته على مائدة البحث. ربما من المفيد التذكير اليوم بالقرار 4983 الذي توصل إليه وزراء الخارجية العرب في اجتماعهم في 11 آذار (مارس) 1990 في تونس، والذي نصّ على نقل مقر الجامعة العربية من العاصمة التونسية إلى القاهرة. واستطراداً تم اختيار وزير خارجية مصر آنذاك الدكتور عصمت عبدالمجيد أميناً عاماً خلفاً للتونسي الشاذلي القليبي المستقيل.

عملياً تجاوب التونسيون مع رغبة العرب مرتين من دون تردد أو اشتراطات، ففي الأولى طلب الزعماء العرب من تونس في القمة الطارئة التي عُقدت في 1979، بعد خروج مصر، أن تستضيف الجامعة والمؤسسات الرئيسة التابعة لها، فاستجابت وحافظت على «بيت العرب» من التصدع. وفي الثانية اتفق وزراء الخارجية على عـــودة الجامعة إلى مصر فتجاوبت تونس أيضاً.

لم يكن ذاك القرار عبارة عن خطوة إجرائية، تتمثل باستعادة مصر الأمانة العامة بعد اثنتي عشرة سنة من الغياب، وعودة الجامعة إلى بلد المقر، وإنما كرس القرار ذاك تعديلاً عميقاً في منظومة العمل العربي المشترك يمكن إيجازه بنقطتين جوهريتين:

– نقل مقر الجامعة العربية من تونس إلى القاهرة وإنشاء مركز ثان للجامعة في تونس يُعنى بشؤون المغرب العربي والجاليات العربية في أوروبا.

– اعتبار تونس مقراً دائماً لكل من المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الأليكسو) واتحاد إذاعات الدول العربية ومجلس وزراء الداخلية العرب. وكان القرار يقضي ضمناً بأن يكون المشرفون على المنظمتين الأوليين ورئيس مركز الجامعة تونسيين، فيما يكون مجلس وزراء الداخلية العرب من حصة السعودية. هكذا سارت الأمور بشكل توافقي طيلة ما يقرب من ربع قرن، إلى أن بدأت تظهر محاولات لـ»قضم» تلك الخارطة من هنا وهناك، على حساب التونسيين، الذين بدوا المستهدفين من مراجعة بالتقسيط لا تريد أن تُسفر عن وجهها. من هذه الزاوية شكّل نقل الإدارة العامة للأليكسو من أيدي التونسيين إلى غيرهم السنة الماضية الخطوة الأولى من مسار يبدو أنه مستمر، بدليل أن هناك محاولات جديدة لسحب اتحاد إذاعات الدول العربية من تونس بتغيير جنسية المدير العام مرحلياً، تمهيداً ربما لنقل المقر إلى بلد آخر.

بهذا المعنى تبدو تلك الخطوات محاولة لتفكيك المنظومة المُعدلة التي صاغها وزراء الخارجية العرب في 1990 والتي لم تُزعزعها الأزمات اللاحقة، خصوصاً حرب الخليج الثانية واحتلال العراق. وعليه فالخيار الأسلم اليوم هو تأمين استمرار المنظومة الراهنة وتفعيلها من دون فتح معارك في الغرف الخلفية لشطب ما سبق أن اتُفق عليه، وإلا فسيكون البديل هو وضع الملف برمته بصراحة وشفافية على مائدة البحث من جديد، وهو ما قد يعني معاودة نظر شاملة بتوزيع المناصب في جميع مؤسسات العمل العربي المشترك.

 

عبد الرؤوف المالكي

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.