تونس-مسيرة باردو..لست وحدك يا أخي..

17

مشينا إلى باردو. قمنا باكرا يوم الاحد هذا . او امضينا الليل في الحافلات والقطارات قادمين من المدن والقرى إلى باردو…في الثامنة صباحا كان الأمنيون قد سبقونا إلى اقواس باب سعدون وإلى جنبات وأرصفة شارع مفتاح سعدالله ومحطة سيارات الأجرة وشارع الهادي السعيدي وشارع الحبيب بوقطفة..كان الأمنيون في كل مكان …
الاولون كانوا الابعدون…ثلة من الشباب والكهول والنساء والأطفال قادمين من الجنوب …من مارث ومن قرقنة ومن، ومن…البعض افترشوا عشب باب سعدون الاخضر يحتسون قهوتهم الصباحية والبعض طفق يفتح الحقائب لإخراج اللافتات والأعلام…باعة الاعلام كانوا هناك باكرا ورواد سوق سيدي عبدالسلام أخذوا يتقاطرون إلى المفترق الكبير المؤدي إلى شارع 20 مارس..
بدا واضحا بعد حين أن التونسيين ابتدعوا جوابهم على فظاعة الارهاب. نحن نحب الحياة وهم يحبون الموت ولذلك سنجابههم بحب الحياة. القادمون في الساعات المتتالية إلى باب سعدون كانوا عائلات بأولادها الصغار رافعين الأعلام الوطنية من كل حجم واللافتات البيضاء والحمراء. نحن باردو ، أنا باردو ، العالم باردو… القادمون في الساعات المتتالية إلى باب سعدون كانوا من الشباب والشابات الجميلات ، من الكهول والأطفال ، من كبار السن واليافعين …نحن باردو وهم لا شيء.
عندما تحركت المسيرة حوالي العاشرة والنصف كان أولها لا يرى آخرها …وتواصل قدوم المشاركين حتى لآخر اللحظات . المسيرة رفعت شعارات ضد الارهاب ومع الوحدة الوطنية والتحاما بشهداء الوطن من المواطنين الابرياء ومن الجيش الوطني ومن قوات الامن…ويسري خبر القضاء على الرؤوس التسعة لكتيبة عقبة بن نافع في مواجهة مع الحرس الوطني في سيدي عيش بقفصة بين المتظاهرين مما يزيد من بهجتهم. ويتبين أن احد أبرز المقتولين الارهابي الجزائري لقمان أبوصخر كما يمي نفسه وهو الذي كان وراء أفظع العمليات لإرهابيي الشعانبي منذ مدة…مما يجعل صفعة الرد التونسي ضد شراذم القاعدة في المغرب العربي والدواعش صفعتين. صفعة المسيرة وصفعة الضربة الامنية.
هذه هي تونس. إنهم يكرهوننا لأننا نجحنا في الخروج من جدلية الاستبداد (العسكري أو المدني) أو التطرف الديني. يكرهوننا لأننا أنجحنا رهانات الثورة الشعبية لجانفي 2011 ووصلنا ببلادنا إلى استقرار نسبي في المؤسسات وتمسكنا بنمطنا المجتمعي الحديث والمتماسك والمتأصل في هويته المنفتحة. يكرهوننا لأننا البلد الوحيد الذي يرد على هجوماتهم ومجازرهم بالمسيرات والمظاهرات الرافضة والذي يرد على موتهم بالمزيد من الحياة…يكرهوننا لأننا نعري فراغ أمخاخهم وهوس أحلامهم الدموية ونريهم أن هذا البلد المتجذر في التاريخ سيكون الصخرة التي تتحطم عليها مسيرتهم الدموية وأفكارهم السوداء…
التونسيون والتونسيات بعشرات الآلاف يملئون شارع 20 مارس من باب سعدون إلى متحف باردو والعالم في الشرفات وفي أول المسيرة وعلى اجهزة التلفزيون وعلى الهواتف النقالة وعلى الانترنيت كله باردو ..وهم ماذا بقي لهم؟ الخزي والعار والموت برصاص جنودنا وشرطتنا وبهتافاتنا وبالتحامنا حول الوطن…
لست وحدك يا أخي …
علي الشتوي

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.