رسالة “محمد بن علي كومان” الأمين العام لمجلس وزراء الداخلية العرب بمناسبة اسبوع المرور العربي

kouman

رغم الاهتمام المتزايد بموضوع السلامة المرورية في دول العالم، لا تزال نسب الحوادث المرورية تشكل هاجسا مقلقا للدول والأفراد، لما تشكله من أخطار حقيقية وما تخلفه من مآسٍ بشرية، إذ تخلف سنويا على مستوى العالم حوالي 1.25 مليون حالة وفاة، ومن 20 إلى 50 مليون جريح أو معاق، وفقاً لتقارير منظمة الصحة العالمية.
كما تنجم عن هذه الحوادث أعباء اقتصادية كبيرة. فإلى جانب الخسائر المادية المهولة في الممتلكات التي تتسبب بها حوادث الطرقات سواء على الأفراد او الدول، هناك ايضا خسائر مالية تخص تكاليف العلاج بما في ذلك تأهيل المصابين وانخفاض أو فقدان إنتاجية من يُصابون بالعجز بسبب تلك الحوادث، هذا فضلا عن الجهود البشرية والمادية التي تخصص للتحقيق في حوادث المرور، وإزالة آثارها.
وفي البلاد العربية، تفاقمت حوادث المرور والآثار الوخيمة التي تخلفها، وأصبحت هذه الآفة تمثل هاجساً وقلقاً لكل أفراد المجتمع، إذ تتسبب سنويا في مقتل أكثر من 25 ألف شخص، وفيما يناهز 25 مليار دولار خسائر مادية ناتجة عن هذا النزيف الطرقي، وقد ساعدت التحولات البنيوية التي شهدتها الدول العربية في السنوات الأخيرة وعلى مختلف الأصعدة، على تفاقم المشكلة المرورية بوتيرة متسارعة، الأمر الذي يتطلب إعادة النظر في الاستراتيجيات والبرامج والخطط الموضوعة لمعالجة هذه الظاهرة وإيجاد الحلول الجذرية لإيقافها والحد منها، وإعداد بنية تحتية أكثر أمانا واعتباراً للسلامة المرورية، من خلال تخطيط وتصميم طرقات على مستوى عال من الأمان، وتطوير وسائل النقل وأجهزة السلامة في المركبات وتحسين آليات التكفل بضحايا الحوادث، والتركيز على تحديث القوانين المتعلقة بالسلامة المرورية، وذلك بإشراك كافة القطاعات المعنية (النقل، الشرطة، الصحة، التعليم)، لما لها من أهمية في تقليل نسب الحوادث المرورية، ولا ننسى أيضا التركيز على توعية سائقي المركبات ومستخدمي الطريق الآخرين خاصة المشاة، إذ يبقى العامل البشري هو السبب الرئيسي في حوادث المرور بنسبة تفوق 80٪.
ولا بد أن تكون هذه الجهود على جميع المستويات للحد من هذا النزيف، وأن توضع في إطار شامل متجدد تتكامل فيه جهود مؤسسات الدولة المعنية مع مبادرات المجتمع المدني، وذلك بغية تأسيس سلوك حضاري جديد في استخدام المركبة يكون متناسقاً مع أنظمة المرور ومتفاعلاً مع البرامج الوقائية.
ووعياً بما سبق ذكره، فإن مجلس وزراء الداخلية العرب يولي أهمية بالغة لموضوع السلامة المرورية في الوطن العربي، حيث قام بوضع استراتيجيات وخطط لمواجهة هذه المعضلة مثل الاستراتيجية العربية للسلامة المرورية لسنة 2002 التي تهدف إلى حماية المجتمع العربي من الآثار الناجمة عن الحوادث، من خلال توعية الأفراد وضمان احترام وتطبيق القواعد المرورية، وتأتي الخطة المرحلية الخامسة التي شرع المجلس في تطبيقها السنة الماضية استمرارا في العمل على اتخاذ كل ما من شأنه الحد من الحوادث المرورية وحماية الشعوب العربية.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن الأمانة العامة للمجلس قد عقدت حتى الآن (15) مؤتمرا عربيا لرؤساء أجهزة المرور في الدول العربية، خرجت كلها بتوصيات تهدف الى الحد من هذه المعضلة، من خلال التركيز على العنصر البشري وتوعيته وتثقيفه وتبصيره بقواعد المرور عبر برامج فعالة تصل إلى كافة شرائح المجتمع.
ولكون المشكلة المرورية مشكلة سلوكية بامتياز، فقد اعتمد مجلس وزراء الداخلية العرب اسبوعا عربيا للمرور يقام خلال الفترة 4-10 مايو من كل عام، بهدف توعية المواطن العربي بأهمية احترام وتطبيق قواعد المرور، وتنمية إحساسه بمسؤوليته المشتركة تجاه تحقيق السلامة المرورية، واشراك مختلف فعاليات المجتمع من مؤسسات دينية وإعلامية واجتماعية وتعليمية وغيرها، في الجهود المبذولة للتوعية بأخطار هذه الحوادث وتفادي ويلاتها.
ويعتبر الاحتفال بأسبوع المرور مناسبة لتكثيف حملات التوعية المرورية، ولتنمية الحس الوطني لدى مستعملي الطريق، والتذكير بمخاطر الطريق وبالقوانين المنظمة للسير، عبر تبني شعار واحد في الوطن العربي كله، يركز على بعد معين من أبعاد المعضلة المرورية.
ويأتي احتفالنا بأسبوع المرور العربي لهذا العام تحت شعار “سلامتك تهمنا” للتأكيد على أن سلامة مستعمل الطريق شأن لا يخصه لوحده، بل مسألة تهم الجميع، تهم أفراد أسرته وأقاربه وجيرانه وأصدقائه وزملائه ومجتمعه ككل، فلا بد أن يشعر الإنسان بمسؤوليته تجاه نفسه وتجاه الآخرين، فالكل معنيٌ بتطبيق قواعد السلامة المرورية وانظمتها في كل وقت، إذ ليست مرتبطة بمناسبة معينة أو وقت معين، كما أن الجهود التي تبذلها أجهزة المرور في الدول العربية لتطبيق قوانين المرور، وإن كانت صارمة في بعض الأحيان، فإنها تهدف للحفاظ على حياة الفرد وسلامته، وتسعى لتأمين المجتمع وما يمتلكه من مقدرات وامكانيات، وذلك من خلال حرصها الدائم على خفض معدلات حوادث المرور وتخفيف الأضرار الناجمة عنها.
ونظراً لكون حوادث المرور ليست مرتبطة بفترة دون أخرى، فإن برامج التوعية بخطورتها ينبغي أن لا تقتصر على أسبوع المرور العربي، بل يجب أن تكون الحملات والأنشطة التوعوية متواصلة طوال العام وبنفس الرغبة والحماس والإرادة والمسؤولية حتى نتمكن من الحد أو على الأقل التخفيف من هذه الكوارث، لما فيه سلامة أوطاننا ومواطنينا.

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.