تقييم النظام السياسي والدعوات لتعديله …أسباب موضوعية أم مطامح سياسية وراء الدعوة لتنقيح الدستور

بعد مضي أكثر من ثلاث سنوات على المصادقة على دستور الجمهورية الثانية، يعود الحديث خلال الاسابيع الأخيرة الماضية حول ضرورة تعديله لتغيير نظام الحكم في اتجاه منح صلاحيات أكبر لرئيس الجمهورية، وذلك بعد أن أعلن المستشار السياسي لحركة نداء تونس برهان بسيس أن حزبه يفكر
رسميا في المرور إلى استفتاء لتغيير النظام السياسي في تونس.

وقال في تصريح في بداية الشهر الحالي إن الاستفتاء هو خيار مطروح بجدية لأن المنظومة الحالية تحتاج إلى رأي الشعب التونسي ومختلف الأطياف السياسية لتقول كلمتها فيما يتعلق بالنظام السياسي في تونس، خاصة وأنّ النظام الحالي بلغ أقصاه ولا يمكنه أن يقدم أكثر مما قدمه.

مسألة التعديل لم تطرح اليوم لأول مرة ، حيث سبق لنواب كتلة نداء تونس في البرلمان، أن أعلنوا خلال السنة الماضية عن عزمهم تقديم مشروع قانون لتوسيع صلاحيات الرئيس، مبررين ذلك بأن نظام الحكم الحالي أدى إلى إضعاف أداء مؤسسات الدولة نتيجة اختلال التوازن بين صلاحيات رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ورئيس البرلمان كما تسبب في بطء تركيز مؤسسات الدولة والهيئات الدستورية.

وقد وجه رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي في مارس 2016 رسالة إلى مجلس نواب الشعب انتقد فيها “بطء عمل البرلمان وخاصة فيما يتعلق بالمصادقة على القوانين المحدثة للهيئات الدستورية المربوطة بآجال دستورية” ، كما وجه رئيس الحكومة السابق الحبيب الصيد طلبا للبرلمان بمنحه” تفويضًا استثنائيًا لإصدار مراسيم تعوض القوانين دون المرور بالبرلمان.”

وإن أكد رئيس الجمهورية في آخر حوار له يوم 18 سبتمبر الجاري على القناة الوطنية الأولى أنه لن يطلق أية مبادرة بخصوص تعديل الدستور لتغيير النظام السياسي، فإن ذلك لا يمنعه من القول بأن النظام البرلماني تعتريه بعض الهنات، مشيرا إلى أن نواب البرلمان لهم الحق في تغيير النظام السياسي طالما توخوا الطرق القانونية للوصول إلى ذلك.

وكان رئيس الجمهورية صرح في مناسبات سابقة انه لا يرى مانعاً من تعديل الدستور بهدف اعتماد شكل جديد لنظام الحكم في البلاد وأنه لن يكون ضد أي مبادرة في هذا الاتجاه، معتبراً أن أغلبية الشعب التونسي مع النظام الرئاسي، وأن الوضع العام في البلاد يمكن أن يتحسن مع تعديل الدستور واعتماد نظام سياسي جديد.

غير أن الحديث عن تعديل الدستور خلال هذه الفترة يطرح الكثير من نقاط الاستفهام خاصة في ظل غياب محكمة دستورية، والحال أن الفصل 144 من الدستور ينص على أن
“كلّ مبادرة لتعديل الدستور تُعرض من قبل رئيس مجلس نواب الشعب على المحكمة الدستورية لإبداء الرأي في كونها لا تتعلق بما لا يجوز تعديله حسبما هو مقرر بهذا الدستور”.

كما يجدر التساؤل بخصوص هذه االمسألة، حول النوايا الحقيقية والمبررات الفعلية للتعديل، وإذا ما كان الحديث عن التوسيع في صلاحيات رئيس الجمهورية مقابل سلطات المؤسسة التشريعية مرده وجود إشكال حقيقي يتصل بعجز النظام الحالي ووصوله إلى حالة انسداد، أم هي رغبة لأحزاب معينة للسيطرة على الحكم والاستفراد به وبسلطة القرار، أو لطموحات سياسية مستقبلية لا يخدمها النظام البرلماني.

وهل يمكن أيضا، الحسم في مدى جدوى النظام السياسي المعتمد في تونس بعد ثلاث سنوات من اختياره، والحال أن منظومة الحكم لم تستكمل بعد أحد أركانها وهي السلطة المحلية والجهوية والتي يجعلها الدستور سلطة مستقلة باعتماد مبدأ اللامركزية، كما أن السلطة القضائية لم تتركز فعليا بعد ولم تستكمل أهم أركانها وهي المحكمة الدستورية التي بقي إنشاؤها حبرا على ورق بعد مرور قرابة السنتين على المصادقة على قانون إحداثها (نوفمبر 2015).

المدرس والباحث الجامعي في العلوم السياسية محمد الامام صرح لوكالة تونس افريقيا للانباء أن النظام المعتمد في تونس هو الأفضل في ظل الوضع الراهن لأنه، “على الأقل سيجنب تونس العودة إلى هيمنة الحزب الواحد والزعيم الواحد”، معتبرا أن دواليب الدولة مازالت تسير ولا يوجد هناك انسداد وليس هناك من داع للحديث عن تغيير نظام الحكم.

وبعد ان ذكر بأن النظام الرئاسي أو البرلماني أو الأنظمة المعدلة المعتمدة في العديد من الدول الديمقراطية أثبتت جدواها خلال سنوات طويلة ولم تكن سببا في تعطيل سير الدولة، لفت محمد الامام الى وجود” أنظمة لم تتغير منذ سنين وأثبتت جدواها على غرار نظام الولايات المتحدة الأمريكية وإيطاليا”.

وبين في هذا الشان أن كل الأنظمة قادرة على تقديم الأفضل، غير أن النظام الرئاسي هو الأقرب لأن يتحول إلى نظام رئاسوي إذا لم يتم توفير ضمانات الرقابة والمساءلة على رئيس الجمهورية في علاقته بالسلطة التشريعية.

وأضاف في هذا السياق أن الإشكال بالنسبة لتونس لا يتمثل في اعتماد هذا النظام بعينه بل في تجاوز رئيس الجمهورية للصلاحيات الممنوحة له دستوريا، وهو الأمر الذي خلق إشكالا في تعامل السلطة التشريعية بمكوناتها المختلفة ردا على ما وصفه “بالتجاوزات” ، حسب تقديره.

كما اعتبر أن الوضع السياسي هو وضع جيد رغم كل الهنات، وأنه من الجيد أن يكون المشهد السياسي في تونس تعدديا “وإلا كنا عدنا إلى وضع أسوأ من السابق”، حسب تعبيره.

أما “العيب الكبير” المحسوب نظريا على النظام البرلماني أو البرلماني المعدل وهو حالة عدم الاستقرار السياسي وتغيير الحكومات خلال فترات قصيرة ، فقد بين المدرس الباحث محمد الامام أن السبب في هذه الحالة في تونس هو عدم تحمل الحزب الفائز في الانتخابات لمسؤوليته في تعيين رئيس حكومة من داخله واللجوء إلى شخصية من خارجه تتحمل مسؤولية الفوز أو الخسارة وذلك بهدف محافظة الحزب على رصيده الانتخابي للاستحقاقات القادمة.

وشدد من جهة أخرى على أنه لا يمكن لأي طرف القيام بمبادرة لتعديل الدستور طالما أنه لا توجد محكمة دستورية، محملا مسؤولية تعطيل تركيزها لأحزاب بعينها ترى أن تعديل نظام الحكم لن يكون من مصلحتها.

وبخصوص تركيز المحكمة الدستورية المعطل منذ قرابة السنتين، والحال أن الدستور ينص على أن لا تتجاوز آجال تركيزها سنة بعد تاريخ الانتخابات التشريعية، فهو يتوقف على مسألة اختيار أعضائها الذين يتولى كل من مجلس النواب ورئيس الجمهورية والمجلس الأعلى للقضاء تسميتهم.

من جهته افاد عضو المجلس الأعلى للقضاء عماد الخصخوصي “وات” أن المجلس سيتولى اختيار الأعضاء عندما يستكمل تركيبته، حيث سيقوم بتشكيل لجنة تضم ممثلين عن مجالس الأقضية الثلاثة تتولى هذه المهمة، مؤكدا أنه إذا ما قام رئيس الجمهورية ومجلس نواب الشعب باختيار الأعضاء الثمانية الموكولة لهم تسميتهم فإن المجلس الأعلى للقضاء لن يكون سببا في تعطيل تركيز المحكمة الدستورية.

وينص القانون ألاساسي عدد 50 لسنة 2015 المؤرخ في 3 ديسمبر 2015 المتعلق بالمحكمة الدستورية ، على أن تتركب المحكمة من إثني عشرة عضوا، ثلاثة أرباعهم من المختصين في القانون. ويتم تعيين أعضاء المحكمة الدستورية تباعا من طرف مجلس نواب الشعب والمجلس الأعلى للقضاء ورئيس الجمهورية، مع السعي إلى احترام مبدأ التناصف.

وينص هذا القانون في الفصل 40 المتعلق بمراقبة دستورية تعديل الدستور على أن “يعرض رئيس مجلس نوّاب الشعب كل مبادرة لتعديل الدستور على المحكمة الدستورية في أجل أقصاه ثلاثة أيّام من تاريخ ورود مبادرة التعديل على مكتب المجلس ويعلم رئيس مجلس نواب الشعب كلاّ من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة بمبادرة التعديل.

وحسب الفصل 41، ” تبدي المحكمة الدستورية رأيها في مدى تعلّق المبادرة بالأحكام التي حجّر الدستور تعديلها في أجل أقصاه خمسة عشرة يوما من تاريخ عرض مبادرة تعديل الدستور عليها، ويتولى رئيس المحكمة الدستورية فورا إعلام رئيس مجلس نوّاب الشّعب ورئيس الجمهورية ورئيس الحكومة برأي المحكمة.”

وحسب الفصل 143 من الدستور فإنه “لرئيس الجمهورية أو لثلث أعضاء مجلس نواب الشعب حقّ المبادرة باقتراح تعديل الدستور، ولمبادرة رئيس الجمهورية أولوية النظر”.
و”ينظر مجلس نواب الشعب في مبادرة التعديل للموافقة بالأغلبية المطلقة على مبدأ التعديل. ويتمّ تعديل الدستور بموافقة ثلثي أعضاء مجلس نواب الشعب. ويمكن لرئيس الجمهورية بعد موافقة ثُلثيْ أعضاء المجلس أن يعرض التعديل على الاستفتاء، ويتم قبوله في هذه الحالة بأغلبية المقترعين” (الفصل 144 من الدستور).

ويجدر التساؤل بخصوص جدية تعديل الدستور وتغيير نظام الحكم وما يحوم حول هذه المسألة من ضبابية ، خاصة وأن مواقف الأحزاب السياسية والمتحالفة مع حركة نداء تونس مازالت غير واضحة من ذلك أن حركة النهضة التي دافعت في المجلس الوطني التأسيسي وبشدة رفقة أحزاب الترويكا(حركة النهضة وحزب المؤتمر من اجل الجمهورية والتكتل الديمقراطي من اجل العمل والحريات ) على النظام البرلماني المعدل، كانت من اول المنادين بضرورة اجراء تعديل دستوري وذلك على لسان لطفي زيتون المستشار السياسي لرئيس الحركة الذي أكد ضرورة إجراء تعديل دستوري، يتم بمقتضاه توسيع صلاحيات الرئيس، وأن البلاد تحتاج لأن تخرج مما أسماه ب “نظام الشبه – شبه”.

وإن كان الحسم في مسألة التعديل لن يكون في الغد القريب، بسبب غياب ظروف موضوعية (المحكمة الدستورية)، فإن طرحها في هذا الوقت وفي ظل الظروف الراهنة قد يكون جس نبض وتحضيرا للرأي العام خلال الفترة القادمة لتقبل فكرة العودة للنظام الرئاسي أو شبه الرئاسي قبل الانتخابات التشريعية والرئاسية القادمة، بعد أن كان هذا النظام بالنسبة للتونسيين، قبل الثورة يحيل على الاستبداد والتفرد بسلطة القرار.

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.