المعطيات الجديدة في قضية اغتيال الشهيد شكري بلعيد تلقي بظلالها على الذكرى السادسة لهذه الجريمة السياسية

يبدو أن المعطيات التي كشفت عنها هيئة الدفاع في قضية الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي والتي وجّهت من خلالها أصابع الإتهام إلى حركة النهضة، ستلقي بظلالها على الذكرى السادسة لاغتيال الشهيد شكري بلعيد والتي قد يكون إحياؤها مختلفا هذا العام عن سابقاتها.

وبعد سنوات متتالية ظل خلالها ملف هذه الإغتيالات السياسية يراوح مكانه، قد تمثل المعطيات التي كشفت عنها هيئة الدفاع، منعرجا هاما لكشف غموض ملف الإغتيالات السياسية الذي أصبح ورقة بيد الأحزاب السياسية تلعبها في مختلف الإستحقاقات الإنتخابية لكسب الأصوات وضرب الخصوم السياسيين.

مراد الحمايدي القيادي في الجبهة الشعبية وعضو كتلتها البرلمانية، قال إن تقدّم الملف والكشف عن ارتباط جريمتي الإغتيالين بأي طرف سياسي “غير ممكن، في ظل غياب إرادة سياسية من أجل تحقيق ذلك، خاصة بعد التحالفات الجديدة بين الحزب الجديد المحسوب على رئيس الحكومة وحركة النهضة وتأثيرها على مواقف الحكومة بخصوص العديد من الملفات وفي مقدمتها ملف الإغتيالات السياسية وارتباطه بحركة النهضة”.

وأضاف الحمايدي في تصريح لوكالة تونس إفريقيا للأنباء أنه “لا يتصور أن ملف الإغتيالات سيشهد أي تطور، رغم المعطيات والحقائق التي تم كشفها من قبل هيئة الدفاع في قضية الشهيدين بلعيد والبراهمي والتي أحدثت ضجة كبيرة وزعزعت الشارع التونسي”.

وثمّن بالمقابل “الجهود المبذولة من قبل هيئة الدفاع في سبيل كشف الحقيقة” وعبّر عن ثقته في بعض “القضاة الشرفاء” وفي قدرتهم على الدفع نحو “كشف لغز الإغتيالات وارتباطها بحركة النهضة”.

من جهته لاحظ الأمين العام لحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد، زياد الأخضر، في تصريح إعلامي على هامش ندوة صحفية اليوم الثلاثاء، بمناسبة إحياء الذكرى السادسة لاغتيال الشهيد شكري بلعيد، أن “هيئة الدفاع تعمل على هذه الملفات وحزب الوطد يتابع هذه الوقائع ويترجمها إلى مواقف سياسية”، قائلا إن “مسار كشف الحقيقة تعطله دوائر بعينها في المسار القضائي ونحن ندفع إلى كشف الحقائق وندعو إلى تحميل كل طرف مسؤوليته في حل هذا الملف”.

وعبّر عن الإرتياح للمجهود الذي تبذله مجموعة ممن وصفهم ب”الشرفاء”، للوصول إلى هذه المرحلة من التحقيقات، “بالرغم من كل المتواطئين في الجهاز القضائي وغيره من أجهزة الدولة”، حسب رأي زياد الأخضر الذي أضاف قوله: “نحن اليوم أقرب إلى كشف الحقائق في قضية الإغتيالات وكشف الحقيقة أمام الشعب التونسي”.

اغتيال الشهيد شكري بلعيد صباح 6 فيفري 2013، كان وما يزال لغزا من الصعب حله، في غياب أدلة دامغة تُدين طرفا سياسيا بعينه، رغم إصرار هيئة الدفاع والجبهة الشعبية على توفر الوثائق الضرورية لإثبات إتهامهما لحركة النهضة، لا سيما بعد ما كُشف عنه من معطيات “تثبت تورط أحد القيادات المنتمية لحركة النهضة في هذا الملف”.

فالجبهة الشعبية على غرار معظم القوى السياسية، لم تقتنع يوما بالرواية التي روّج لها البعض وتقول إن كمال القضقاضي (قُتل خلال اشتباكات بين مجموعة إرهابية وقوات الأمن) هو المتهم الرئيسي في اغتيال الشهيد بلعيد. فالجبهة تعتبر أن “اغتيال شكري بلعيد ومحمد البراهمي لم يكن قضية معزولة أو نفذتها أطراف منفلتة خارجة عن السيطرة، بل كان جزءا من خطة لتصفية قيادات الجبهة وتصفية قيادات اتحاد الشغل وصحفيين ومناضلين، إلى جانب تفكيك المؤسستين الأمنية والعسكرية”، حسب حمة الهمامي، الناطق الرسمي باسم الجبهة الشعبية التي كانت عرضت خلال ندوة صحفية في أكتوبر 2018 وثائق قالت إنها تشكل أدلة قاطعة ودامغة على “تورّط النهضة في اغتيال المناضلين شكري بلعيد ومحمد البراهمي وعن جهاز تنظيمي سرّي تابع للحركة يقوم بأنشطة تجسس وله ارتباطات بأجهزة مخابرات أجنبية”.

وفي هذا الصدد قال حمة الهمامي: “لقد ثبت بالوثائق، تواطؤ أطراف في الحكم في طمس الحقيقة، لكن أصحاب الحق سيواصلون البحث عنها وهو ما يحصل حاليا وسيستمر في المستقبل”.

وقد اتهمت هيئة الدفاع في قضية الشهيدين البراهمي وبلعيد، خلال تلك الندوة الصحفية، حركة النهضة بامتلاكها تنظيما سريا كما قدمت معطيات عن وجود غرفة سوداء بوزارة الداخلية تتضمن وثائق تتعلق بملف الشهيدين.

رضا الرداوي، عضو هيئة الدفاع في قضية الشهيدين، ذكر أن وزارة الداخلية ترفض تسليم وثائق الملفين إلى قضاة التحقيق، مشددا على “ضرورة أن تفرج عن (الغرفة السوداء) ذات العلاقة المباشرة بعملية اغتيال الشهيدين بلعيد والبراهمي وترفع حمايتها عن التنظيم الخاص المورط في الاغتيالين والذي كان تحت حماية النهضة في 2013”.

وكان أكد خلال ندوة صحفية عقدتها هيئة الدفاع بالعاصمة تحت عنوان “التنظيم الخاص لحركة النهضة بعد الثورة وعلاقته بالإغتيالات السياسية، “وجود حقائق تكشف لأول مرة، على غرار تحوّز المسمّى مصطفى خذر، وثائق تتعلق بملف اغتيال الشهيدين، كما أنه كان المشرف على الجهاز الخاص لحركة النهضة وفي اتصال مباشر بالقيادات العليا للحركة وخاصة زعيمها راشد الغنوشي ونورالدين البحيري (رئيس كتلة النهضة بالبرلمان)، بالإضافة إلى أن خذر كان مكلفا بالرد على البريد الخاص الوارد على القيادي في النهضة، علي العريض عندما كان وزيرا للداخلية”.

وفي جانب آخر تحدث الرداوي عن علاقة مصطفى خذر بالأشخاص المتورطين في ملف اغتيال بلعيد والبراهمي، مؤكدا أن هذا الشخص “كان المشرف على إدارة عملية الإغتيال ووجود محجوز لدى السلطات القضائية التي رفضت البحث فيه، خاصة وأنه يثبت جملة من المعطيات لم تُعلم بها دوائر التحقيق من أجل المطابقة والبحث”، حسب روايته.

من ناحيتها اعتبرت حركة النهضة في ردها على الإتهامات الموجهة لها، أن ما كشفت عنه هيئة الدفاع، هي خطة سياسية وورقة تلعبها الجبهة الشعبية خلال سنة سياسية هامة، تتضمن رزنامتها انتخابات تشريعية ورئاسية .. وما زالت الحركة تنفي ضلوعها في أيّ نشاط خارج إطار القانون المنظم للأحزاب.

كما عبرت النهضة في بيان لها عن “أسفها أن يكون البرنامج الوحيد للجبهة الشعبية هو الإستثمار في دماء الشهيدين، للتغطية على فشلها المتواصل في المحطات الإنتخابية السابقة وعجزها عن تقديم برامج جدية للشعب”.

أما هيئة الدفاع فقد ذهبت إلى غاية رفع شكاية جزائية ضد وزير الداخلية، هشام الفوراتي، في علاقة بملف الشهيد محمد البراهمي، معتبرة أن وزارة الداخلية بإشراف وزيرها الحالي “قد ارتكبت جريمة إخفاء معطيات وجريمة المشاركة اللاحقة وجريمة المشاركة السلبية في الملف” وأن وزير الداخلية، بموجب عملية الإخفاء وبموجب التصريحات اللاحقة للندوة الصحفية التي عقدتها الهيئة بتاريخ 2 أكتوبر 2018، “أضحى شريكا في الجرائم”، حسب تقدير أعضاء الهيئة.

وفي رده على هذه التهم، أفاد سفيان السليطي، الناطق الرسمي باسم المحكمة الإبتدائية بتونس والقطب القضائي لمكافحة الإرهاب، في 3 ديسمبر 2018، بأن النيابة العمومية أذنت منذ 2 أكتوبر 2018 بفتح بحث تحقيقي على معنى الفصل 31 من مجلة الإجراءات الجزائية، في كل ما تم الإدلاء به خلال الندوة الصحفية لهيئة الدفاع عن الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي، بما في ذلك ما سمّي ب”الجهاز السري” لحركة النهضة.

وأضاف السليطي، في تصريح سابق لوكالة تونس إفريقيا للأنباء، أن النيابة العمومية قامت باستئناف قرار عميد قضاة التحقيق بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب، والقاضي بالتخلي عن الملف، لخروجه عن اختصاصه، وذلك أمام دائرة الإتهام بمحكمة الإستئناف بتونس.

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.