مسرحية “دون كيشوت كما نراه” للشاذلي العرفاوي تصنع من جنون بطل سرفانتس حلما

توحي العناصر السينوغرافية المكونة للعرض بجريمة مرتكبة، فالركح مطوق بشريط أمني، وإشارات مرورية تحظر دخول المنطقة. يظهر على الركح رجلان يمتطيان دراجتين ناريتين، يشهر أحدهما رمحا، ثم تعرض تقنية الفيديو “مابينغ” فارسا وطواحين الهواء، وذلك في إشارة إلى الشخصية الروائية العالمية “دون كيشوت” للكاتب الاسباني “ميغال دي سرفانتس”.

هكذا كانت الرؤية الفنية الجمالية لمسرحية “دون كيشوت كما نراه” دراماتورجيا، سينوغرافيا وإخراج الشاذلي العرفاوي وتمثيل الثنائي عبد القادر بن سعيد (دون كيشوت) ومحمد المنصف العجنقي (سانشو)، وقد تم تقديم العرض ما قبل الأول لهذا العمل مساء الأربعاء الماضية بمدينة الثقافة.

هذا العمل المسرحي الذي سبق أن تم تقديم جزء منه في شهر أكتوبر من السنة الماضية ضمن التظاهرة الثقافية الأدبية “دون كيشوت في المدينة” التي نظمها بيت الرواية، تم تقديمه باللغة العربية الفصحى ليخرج من البعد المحلي التونسي نحو بعد إقليمي عربي بما أن القضايا المطروحة لا تنحسر في الشأن التونسي فحسب وإنما تتعدى ذلك إلى الشأن العربي.

وجمع المخرج في “دون كيشوت كما نراه” بين ماهو كلاسيكي وماهو معاصر: فالبعد الكلاسيكي يتجلى في ملابس الشخصيتين وفي الرمح، أما الجانب المعاصر فيظهر في الدراجتين الناريتين عوضا عن حصان “دون كيشوت” وحمار تابعه “سانشو”.

ومن خلال الشريط الذي يحيط بالركح ويسطّر حدود المكان، في دلالة على حظر دخوله، كأننا بالمخرج جعل من هذا الركح المغلق مكانا يُمنع فيه الحلم وتقيد فيه الحريات ويصادر فيه التعبير الفني. ولعله يرمز بهذا المكان المطوق إلى البلاد التونسية والوطن العربي، حيث أراد إبراز أن “الحلم” بمستقبل أفضل أصبح من المحظور.

شخصية “دون كيشوت” التي تحارب الشر وتدافع عن الشرفاء والضعفاء، تصطدم في أحلامها بشخصية “سانشو” التي تحاول إيقاظها من عالم الخيال وإعادتها إلى الواقع المليء بالشر وانهيار القيم وطغيان الظلم وغياب العدالة، فتمنعها بذلك من الحلم بواقع أفضل تسوده قيم العدالة والحرية والمساواة.

يقول “دون كيشوت” لتابعه “سانشو” في المسرحية “لقد دافعت عن الشرفاء وكنت إذا ما رأيت شرا ما أخوض غمار المعركة القاتلة لكي أسحق أغلال الشر والجرائم وأنت لا تراه في أي مكان”.

ولا يخلو عالم “دون كيشوت” في هذا العمل من الإيحاءات السياسية، بل يمكن اعتبار النص سياسيا بامتياز، وهو ما يتمظهر بالخصوص من خلال دلالات جهاز الميكروفون المنتصب على الركح، وإلقاء خطب سياسية جوفاء متعالية عن الواقع، وكأن المخرج أراد ان يشير إلى أن الطبقة السياسية تدير الشأن العام بطريقة تطغى عليها تبجيل مصالحها الشخصية على حساب المصلحة العامة، ولذلك شبهها في المسرحية بطواحين الهواء الشريرة وبالخرفان التي حاربها “دون كيشوت”.”

لقد تمرد المخرج على مسار الرواية الأصلية، فجعل من “دون كيشوت”، لا شخصية مجنونة كما يراه البعض، بل شخصية حالمة تسعى للتغيير من أجل بلوغ واقع مثالي.

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.