الاختلاف والحريات الفردية في علاقة بالمجموعة مسائل تثيرها مسرحية “الناس الأخرى” لوليد العيادي بأسلوب ساخر

اختار مخرج مسرحية “الناس الأخرى” وليد العيادي أن يضع جمهوره في علاقة مباشرة مع العرض فور دخوله القاعة، ليظل مشدودا إلى مشهد يتكرر باستمرار قبل البداية الفعلية لأحداث المسرحية، وهذا المشهد تظهر فيه فتاة يسكنها هاجس الخوف والتوتر من فعل ما يجهله الحاضرون.

ومع الانطلاق الرسمي لأحداث العرض، يرج المخرج الجمهور بمشهد قتل: فتاة تجر جثة هامدة لرجل، فتبالغ في تعنيفها ثم تلقي بها في قبو، في مشهد مرعب وقاس.

هكذا أراد المخرج وليد العيادي أن يزعزع مشاعر الجمهور بمشهد دموي وعنيف في مسرحية “الناس الأخرى”، عن نص للفنان المسرحي توفيق الجبالي وأداء الممثلون أمينة بديري وهالة بن صالح ومحمد قناوي وفاطمة صفر ورانية لواتي وأمين حمزاوي ومحمد منديلي وبولبابة هذيلي وهاجر زايدي ويوسف الجربي.

مسرحية “الناس الأخرى” ألفها الفنان المسرحي توفيق الجبالي سنة 2010، حين كانت الحريات الفردية والجماعية مصادرة في يد شخص واحد هو رئيس الدولة آنذاك الراحل زين العابدين بن علي. واليوم يعاد استغلال هذا النص في مناخ ديمقراطي، لكن في علاقة الحريات الفردية بالمجموعة. ولذلك يثير هذا العمل علاقة الفرد بالمجموعة وتأثيرات المجتمع عاى الفرد.

و”الناس الأخرى” في المسرحية هي المجتمع الذي لا يقبل بالفرد المختلف عنه في سلوكياته وفي ميولاته الفنية والثقافية والفكرية. و”الناس الأخرى” هي أيضا الطبقة السياسية التي لا تقبل بالفرد المختلف عنها سياسيا وايديولوجيا، وهي أيضا رجال الأعمال الذين لا يقبلون بمن هم أدنى منهم رفعة وجاها. كما أنها تمثل سلطة القانون التي تقمع كل سلوك فردي حر ومختلف عن سلوك المجتمع.

ولذلك فإن “الناس الأخرى” بصفة عامة هم المجموعة التي تمارس عنفا ماديا أو رمزيا على الفرد الخارج عن تقاليدها، وهو فرد ارتهن حقوقه وحرياته عند المجموعة.

وللتعبير عن هذه القضايا، استعان المخرج بمواد بلاستيكية ليشكل بها مباني سكنية، لتقريب صورة الأحياء السكنية ذات الكثافة السكانية العالية. كما ارتكزت المسرحية على “التكرار” في المواقف وكذلك “التكرار” في النص. وقد وظف وليد العيادي التكرار في المصطلحات والمواقف للتأكيد على الحياة الروتينية وعلى التشابه في سلوكيات الناس وغياب الاختلاف فيما بينهم.

وطغت على المسرحية المواقف الساخرة، وهي “سخرية سوداء” أراد منها المخرج أن تكون في ظاهرها هزل وإضحاك وفي مضمونها تراجيديا لواقع الحريات الفردية رغم المناخ الديمقراطي في البلاد.

وتم تقديم العرض الأول لمسرحية “الناس الأخرى”، مساء الأربعاء بفضاء مسرح التياترو بالعاصمة، ستتبعه سلسلة عروض أخرى هذا اليوم الخميس 24 أكتوبر ويومي 25 و26 من هذا الشهر.

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.