في ورشة نقاش حول الإطار القانوني للانتخابات التشريعية..اعتبار المرسوم عدد 55 مخالف للعديد من أحكام دستور 2022

اعتبر أساتذة قانون وقضاة وخبراء من المجتمع المدني، خلال ورشة نقاش حول “الإطار القانوني لانتخابات مجلس نواب الشعب”، أن المرسوم عدد 55 المنقح للقانون الانتخابي تضمن العديد من الأحكام المخالفة لدستور جويلية 2022، وذلك على مستوى “نسف مبدأ التناصف” و”تهميش الأحزاب وحرمانها من تحقيق الهدف الرئيسي لتكوينها وهو الوصول إلى السلطة”.

واعتبروا خلال هذه الورشة التي نظمتها المنظمة الدولية للتقرير عن الديمقراطية لعرض تقريرها حول “الإطار الدستوري والقانوني الجديد المنظم لانتخابات مجلس نواب الشعب”، أن محاولة المشرع تحسين شروط الترشح للبرلمان من خلال فرض البطاقة عدد 3 وشهادة تسوية الوضعية الجبائية، لا يمكن أن يحجب حجم النقائص والإشكاليات التي يطرحها الإطار القانوني الجديد المنظم للانتخابات.

وفي هذا الصدد، أوضح أستاذ القانون العام والمستشار القانوني لدى المنظمة الدولية للتقرير على الديمقراطية أمين ثابت، أن المشرع بعد أن تخلى عن نظام القائمات، تسبب في فقدان بعض المكاسب والمتعلقة أساسا بتمثيلية بعض الفئات ومنها بالخصوص مبدأ التناصف بين الجنسين ومسألة تمثيلية الشباب، مشيرا إلى أن “واجب الدولة في ضمان تمثيلية المرأة في المجالس المنتخبة هو واجب دستوري، مضمن في الدستور الجديد ولكن اليوم هناك تراجع عن المكاسب في هذا النظام الانتخابي الجديد”، حسب تعبيره.واعتبر أن هذا النظام الانتخابي ونتائجه لا يتماشى مع هذا الفصل الدستوري الذي يجبر الدولة على بذل العناية لتكريس تمثيلية المرأة في المجالس المنتخبة، فضلا عن أن باب الحقوق والحريات في الدستور الجديد يتضمن أحكاما حول حرية التنظم وتكوين الأحزاب التي يتمثل الهدف الأساسي لوجودها الوصول إلى السلطة، إلا أنه قد تم تهميش الأحزاب في هذا النظام.

وأشار من جهة أخرى إلى أن آلية سحب الوكالة من النائب التي جاء بها المرسوم الانتخابي وهي آلية مستجدة في النظام التونسي، تتعارض مع فلسفة النيابة الوطنية ومبدأ حرية وكالة النائب، موضحا أن مبررات سحب الوكالة لا تقبل المحاكمة القانونية، وأنه في نهاية الأمر لا يمكن تسليط الرقابة على مفاهيم غير مادية مثل النزاهة أو التقصير في الواجب، ليبقى سحب الوكالة خاضعا للسلطة التقديرية للناخب .

وتابع في هذا الصدد ان سحب الوكالة يفتح الباب أمام المناورات السياسية التي يمكن أن تؤثر على نجاعة العمل النيابي وعلى استقراره، كما “سيتم إثقال كاهل هيئة الانتخابات بهذه الإجراءات وفي حال تسجيل شغورات”.

وبخصوص نظام الاقتراع المعتمد، أوضح أمين ثابت أن هذا النظام الجديد هو نظام معمول به في الأنظمة الديمقراطية مثل فرنسا وبريطانيا إلا أنه وخلافا للتجارب المقارنة فإن هذا النظام في تونس يتم بمعزل عن الأحزاب وعن الائتلافات الحزبية ، “بل أن هناك طمس للعلاقة مع الأحزاب وتهميشها وجعلها منعزلة عن هذه العملية”. وبينت أستاذة القانون الدستوري سلسبيل القليبي، من جهتها، أن خيار برلمان ذي مجلسين في تونس ليس بدعة ، إلا أن فلسفة السلطة الثنائية تفرض وجود برلمان لكل التونسيين يهتم بالقضايا الوطنية إلى جانب مجلس للجهات والمحليات، إلا أن نظام الاقتراع على الأفراد اعطى لهذه الانتخابات بعدا محليا بالنظر إلى البرامج الانتخابية التي يقدمها المترشحون.ولفتت إلى أن شرط جمع التزكيات من الدائرة التي ترشح فيها النائب مخالف تماما لفلسفة البرلمان الذي سيكون فيه وهو برلمان وطني يمثل الشعب التونسي برمته كما ان النائب هو نائب عن الأمة جمعاء، مشيرة انه في المقابل يتم في الانتخابات الرئاسية فرض جمع التزكيات على المرشح في 5 دوائر انتخابية على الاقل “.وأضافت أنه بالنسبة لسحب الوكالة فانها تكون من قبل الناخبين من الدائرة التي ترشح عنها النائب وبالتالي فانه لم يعد ينوب الشعب التونسي برمته والبرلمان لم يعد وطنيا، معتبرة أن هذا النظام سيخلق لنا برلمانا مفككا وهو ما يبعث على الانشغال.

وأكدت من جهة أخرى أن المرسوم الانتخابي لا يعتبر فقط تراجعا عن مضامين دستور 2014 ، بل تضمن ايضا مخالفة لأحكام دستور 2022 في حد ذاته ،مبينة أن الانتقال من الاقتراع على القائمات إلى الاقتراع على الأفراد لا يسمح بفرض مبدأ التناصف وهو ما ترتب عنه ضعف الترشحات النسائية في الانتخابات التشريعية (122 امرأة من بين 1055 ترشحا) .
وشددت على أن المشرع باختياره لهذا النظام الذي لا يسمح بتكريس مبدأ التناصف وينسف حظوظ حضور المرأة في المجالس المنتخبة، من بين أكثر من 300 طريقة اقتراع ورغم تعدد الخيارات، يعتبر مخالفة صريحة لأحكام الدستور الجديد، إلى جانب كل الإشكاليات التي يمكن أن تضر بمدى نزاهة العملية الانتخابية .

وتطرقت القاضية بمحكمة المحاسبات فضيلة القرقوري إلى مسألة التمويل العمومي والخاص في تمويل الحملة الانتخابية، مبينة ضرورة إيجاد رؤية شاملة لتمويل الحياة السياسية بحقوقها وواجباتها وضبط شروط التمتع بالمال العام، معتبرة التمويل العمومي في المبدأ هو حق.أما بالنسبة للتمويل الخاص فقد أوضحت أن المشرع قد حدد له ضوابط أولها شرعية المصدر حيث يجب أن يكن مصدره سليما لا يكون من جهة أجنبية أو نتيجة تبييض أموال أو بطريقة مقنعة عبر الجمعيات مثلا، أو اللجوء إلى موارد عمومية ، إلى جانب تحديد سقف التمويل الخاص والذاتي والتثبت من شرعيتهما من قبل هيئة الانتخابات ثم محكمة المحاسبات في وقت لاحقيذكر أن حلقة النقاش التي نظمتها المنظمة الدولية للتقرير حول الديمقراطية تندرج في إطار عمل المنظمة في القيام بدراسات منذ المصادقة على دستور 2014 ثم مراقبة المسار الدستوري والانتخابي من خلال الدعم التقني والمالي لمكونات المجتمع المدني وفي إطار الاستعداد لانتخابات 17 ديسمبر، وفق ما بينته المكلفة بمشروع في المنظمة هيفاء المنصوري.ونشرت المنظمة في هذا الإطار ثلاثة تقارير حول الإطار القانوني والدستوري الجديد للانتخابات وتقرير محوصل لمدى تطبيق دستور 2014 وأيضا تعليق أولي حول دستور جويلية 2022 .

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.