باحثون: ”ارتفاع ملحوظ في هجرة الأدمغة بما يجعل تونس عُرضةً لمواجهة نقص في بعض التخصصات”

أجمع الباحثون المشاركون، اليوم السبت 27 ماي 2023 في ندوة فكرية بتونس بعنوان «هجرة الكفاءات: الواقع والآفاق»، على تزايد هجرة الأدمغة التونسية وما يمثله ذلك من هدر للثروة البشرية في بعض الاختصاصات المطلوبة، مقترحين بعض الحلول لتفادي نقص الكفاءات بعدد من التخصصات.

وأكد المدير العام السابق للوكالة التونسية للتعاون الفني برني الصالحي، خلال هذه الندوة التي نظمتها جمعية قدماء معهد الدفاع الوطني، تسجيل ارتفاع ملحوظ في هجرة الكفاءات التونسية من مهندسين وأطباء اختصاص وأساتذة الجامعيين، بما يجعل البلاد عرضة لمواجهة نقص في بعض التخصصات خلال السنوات القادمة.

وقال إن عدد الكفاءات التونسية المنتدبة في الخارج عن طريق الوكالة التونسية للتعاون الفني قد بلغ على امتداد سنة 2022 نحو 3500 منتدب أي بزيادة نسبتها 41 بالمائة مقارنة بسنة 2021.

وتصدر قطاع الصحة قائمة الانتدابات بـ 1250 إطارا طبيا وشبه طبي أي ما يعادل 36 بالمائة من مجموع الانتدابات يليه قطاع التربية والتعليم بـ 862 منتدبا ثم قطاع الهندسة بـ 562 منتدبا و280 منتدبا في مجال الاعلامية.

لكنه لاحظ في كلمته أن هجرة الكفاءات التونسية عن طريق الوكالة التونسية للتعاون الفني تبقى ضئيلة مقارنة بهجرة الكفاءات بطرقها الخاصة، في حين كشف أن مكاتب التشغيل المرخص لها بالخارج ساهمت في توظيف نحو 3950 شخصا بالخارج

وعرج المدير العام السابق للوكالة التونسية للتعاون الفني على دور الوكالة في السهر على استكشاف وتوفير الوظائف بالخارج بأجور محترمة وضمان حقوق العمال التونسيين بالخارج.

من جهة أخرى، دعا برني الصالحي إلى ضرورة الإسراع في إصلاح منظومة التعليم والتكوين بشكل دوري من أجل ملاءمة التكوين مع متطلبات سوق الشغل، مشيرا إلى حصول تغيرات جذرية في سوق الشغل بشكل جعل عديد المهن مهددة بالاندثار مقابل صعود مهن جديدة تتطلب وضع استراتيجية وطنية شاملة لاغتنام الفرص الجديدة.

بدوره، أكد الأستاذ الجامعي قيس الصامت وجود منحى تصاعدي لهجرة الكفاءات التونسية نحو أوروبا والخليج العربي وأمريكا الشمالية والبلدان الإفريقية بحثا عما أسماه « مستقبلا أفضل ».

وقال الصامت إن العدد الإجمالي للكفاءات التونسية التي تم انتدابها بالخارج عن طريق الوكالة التونسية للتعاون الفني قد بلغ عام 2022 نحو 22864 مقابل نحو 13 ألف منتدب في سنة 2012.

ورغم أن هجرة اليد العاملة التونسية إلى الخارج بدأت تبرز انطلاقا من سنة 2000 لاسيما في قطاع التربية والصحة والإدارة بسبب توفر عوامل اقتصادية مواتية، إلا انه تم تسجيل طفرة في هجرة الكفاءات إبان الثورة بسبب عدم الاستقرار السياسي مما جعل تلك الكفاءات تبحث عن آفاق مستقبلية أفضل، وفق الصامت.

وتستأثر البلدان الأوروبية ولاسيما فرنسا وألمانيا وإيطاليا بأكبر نسبة من المهاجرين التونسيين. وقال الصامت إن ارتفاع هجرة الكفاءات التونسية مكنت من تطور تحويلات الجالية المقيمة بالخارج من العملة الصعبة.

وكشف عن تحويل التونسيين بالخارج في سنة 2022 نحو 9,5 مليار دينار، مقابل 3,5 مليار دينار في سنة 2000، استنادا إلى إحصاءات تحصل عليها من البنك المركزي التونسي.

ومن جانبه قال أستاذ علم الاجتماع عبد الوهاب حفيظ إن السياق العالمي للهجرة شهد تغييرات كبيرة حيث انتقل من حراك دولي علمي يشمل الطلبة والباحثين في السابق إلى حراك مهني وعلمي يستهدف هجرة الأدمغة لتلبية حاجيات سوق الشغل بالخارج.

ولفت في المقابل إلى أن هجرة الادمغة أصبحت تطرح أكثر من مشكل لاسيما في مستوى « الفاقد المهاري » بالنظر إلى النقص الذي سيترتب عن هجرة الكفاءات في بعض التخصصات خلال السنوات القادمة. وقال « هناك صعوبة في تعويض تلك الكفاءات داخل السياق التنموي المحلي ».

كما تحدث عبد الوهاب حفيظ عن بروز نمط جديد من الهجرة وهو الهجرة الجماعية التي لا تشمل فقط الكفاءات العليا وإنما أيضا الكفاءات المتوسطة بما في ذلك الحرفيين والمهنيين والعاطلين عن العمل الذين لا يملكون شهادات علمية، وفق تصريحه.

ودعا أستاذ علم الاجتماع إلى ضرورة التفكير في وضع سياسات ومقاربات تمكن من جذب الكفاءات التونسية في الداخل أو تشجيع الهجرة الدائرية كوسيلة لحماية مصالح المهاجر وضمان مصالح البلد الأصلي والبلد المستقبل على حد السواء.

وتمثل الهجرة الدائرية في تمكين اليد العاملة المهاجرة من العودة الى البلد الأصلي مع الاحتفاظ بإمكانية العودة من جديد الى البلد المستقبل وذلك لخلق نوع من الحركة الدائرية في تنقل هذه اليد العاملة المهاجرة ما بين البلد الأصلي وبلد الاستقبال.

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.