تحل اليوم الأربعاء 6 أفريل الذكرى الحادية عشر لوفاة الزعيم الحبيب بورقيبة, ويستعد حشد من التونسيين , كل حسب ما وراءه , للاحتفاء بالزعيم الراحل أولا نكاية في بن علي الذي عمل كل ما في وسعه لتقزيم هذا الرجل الذي يصعب تقزيمه وثانيا استرجاعا لحيز يعتقد البعض أنه على كل الأحوال من الإرث المضيء للفترة البورقيبية الذي يمكن إعادة رسكلته في الساحة السياسية المفتوحة في تونس ما بعد ثورة 14 جانفي…
تونس- عودة بورقيبة الآن … لمن ؟ لماذا؟ |
تحل اليوم الأربعاء 6 أفريل الذكرى الحادية عشر لوفاة الزعيم الحبيب بورقيبة, ويستعد حشد من التونسيين , كل حسب ما وراءه , للاحتفاء بالزعيم الراحل أولا نكاية في بن علي الذي عمل كل ما في وسعه لتقزيم هذا الرجل الذي يصعب تقزيمه وثانيا استرجاعا لحيز يعتقد البعض أنه على كل الأحوال من الإرث المضيء للفترة البورقيبية الذي يمكن إعادة رسكلته في الساحة السياسية المفتوحة في تونس ما بعد ثورة 14 جانفي. جمعية الأوفياء للبورقيبية التي برز اسمها كمنظم للاحتفالية المزمع القيام بها اليوم في المنستير استدعت شخصيات بارزة أولها الباجي قايد السبسي وعدد من الوزراء والمقربين من بورقيبة ممن مازال على قيد الحياة مثل الفيلالي والمستيري وقيقة والصياح وغيرهم إضافة إلى سياسيين ومثقفين وقيادات المجتمع المدني ينتمون إلى مختلف مناطق البلاد. وإلى هذا الحد يمكن بالطبع فهم هذه الحركة النبيلة التي تحاول بعد رحيل الطاغية أيفاء بورقيبة حقه من الاحترام والتبجيل. فبورقيبة الذي عرفه الجيل الأول من التونسيين بعد الاستقلال وإلى حدود 1967 كان ذاك الزعيم الكبير والقائد الذي كافح الاستعمار وهزمه وحرر بلاده وانخرط فورا في بناء حداثة فكرية وثقافية وسياسية لا نزال إلى اليوم مدينين لها بقوانيننا التقدمية في مجال الأحوال الشخصية وبوضعنا للتعليم والصحة والرفاه الاجتماعي ضمن أولويات العمل السياسي وبارتكازنا الأساسي فكريا على منظومة واقعية لا تستمد شرعيتها لا من دبابة اقتنصت السلطة ولا من أرث ديني أو سماوي هلامي المحتوى. ذلك هو بورقيبة الأول, الذي رغم بطشه الشديد والقاسي بالمعارضة اليوسفية , ورغم حكمه بالموت على انقلابيي 1962 بلا شفقة, ورغم تهوره في حرب بنزرت التي قضى فيه على آلاف الشهداء الأبرياء في معركة غير متناسية القوى, رغم كل ذلك كان المواطنون في كل مكان ينادونه بسي الحبيب وكانوا يتحلقون في أقاصي القرى والأرياف مستمعين إلى خطاباته الحماسية ومتلذذين قدرته الخطابية الخارقة وهو يحكي بنفس النبرة التونسية المحببة عن صوم رمضان أو الزواج بامرأة واحدة أو عن خلافه مع عبد الناصر أو عن طرق إعداد السلطة التونسية وفوائد زيت الزيتون. كان ذلك بورقيبة الأب, بورقيبة الزعيم … ثم بدأت المشاكل… في الجامعة أولا مع المعارضة الطلابية القومية البعثية والماركسية الاشتراكية ومع الساحة السياسية الدستورية نفسها (نسبة إلى حزب الدستور) مع آثار سياسية التعاضد التي ألصقت تهمتها بالوزير بن صالح بينما كانت سياسية الدولة جميعا. وانبرى الحزب الذي أصبح الوحيد والأوحد بعد انغلاق 1962 ومنع التعددية الحزبية والإعلامية , انبرى في بناء نظام استبدادي مغلق على طريقة الأحزاب الستالينية العتية في الجمهوريات الديمقراطية الشعبية في شرق أوروبا. الحزب الاشتراكي الدستوري احتل الدولة عبر سيطرته على كل الجهاز الإداري واحتل المجتمع عبر سيطرته على كل تعبيراته من منظمات وجمعيات مثل منظمة الأعراف والمزارعين والمرأة والجمعيات مثل الكشافة والتلاميذ والطلبة والأطباء والمهندسين و…حتى مربي الطيور. وكان لا بد للمحظور أن يحصل فقد بقيت النقابات ومنظمة العمال خارج دائرة السيطرة. وبينما كانت الآلة الحزبية بصدد زرع بذور الإسلاميين في البلاد لمحاربة اليسار الذي لم تستطع محاربته فكريا ولم تستطع الآلة القمعية العاتية القضاء عليه, ابتدع مسؤولو الحزب الميليشيات التي تجندت لمحاربة النقابيين مع الشعب المهنية التي فرضوها في كل مكان. وانتهى الأمر إلى مواجهة الخميس الأسود في 26 جانفي 1978 ثم إلى حوادث قفصة في جانفي 1980 ثم إلى ثورة الخبز في 4 جانفي 1984 … بورقيبة الذي كان منذ 1972 مريضا جسديا واصل التشبث بالحكم تحت وطأة هرمه وتحت تأثير دائرة من الفاسدين دفعت به إلى حد قبول مهزلة تعيينه رئيسا مدى الحياة. واحترق الرمز هكذا بنفسه . وبعد ذلك كله فرخ النظام البورقيبي لقيطه الذي قلده وتعداه عبر الجنرال بن علي الذي كان مدبرا للأمن لسنين طويلة ووزيرا للداخلية لسنين أطول… إذا لا سبيل اليوم ونحن نعرف جميعا تفاصيل هذه التواريخ بل ونحمل في خلجات ذواتنا العديد من جراحها الدامية, لا سبيل أن ننسى فجأة طبيعة ذلك النظام …نعم بورقيبة كان هو الذي قاد الكفاح التحريري وقاد بناء الدولة الحديثة ولكنه أيضا وابتداء من العشرية الأولى فقد ثقابة فكره وكان أن انقاد إلى دكتاتورية لم تكن تليق بتاريخ كفاحه انتهت بنا إلى دكتاتورية أخرى أجهل منها حاولت مسخه هو أولا… أن نتمثل بورقيبة اليوم هو أن نحرص على بناء الجمهورية التي لم يستطع بورقيبة بنائها , الجمهورية الديمقراطية العصرية والحديثة التي نتمناها لبلادنا وفاء لشهدائنا الذين ملتوا من أجلها في عهد الإستعمار وفي عهد بورقيبة وفي عهد بن علي.
|
علي العــيدي بن منصور |