افتتح مجلس البنك المركزي أشغاله بالنظر في آخر التطورات التي ميزت الظرف الاقتصادي الدولي، خاصة من خلال التقرير الأخير لصندوق النقد الدولي حول آفاق النمو في العالم، حيث تمت مراجعة تقديرات النمو العالمي نحو الانخفاض، وذلك في حدود 3,3٪ في سنة 2014 و3,8٪ في سنة 2015، مقابل تقديرات سابقة بـ 3,4٪ و4٪ على التوالي، في ظل فتور الانتعاشة الاقتصادية وتفاوتها بين المناطق والبلدان.
وعلى المستوى الوطني، اطلع المجلس على التقديرات الأولية للنمو الاقتصادي لسنة 2015 ، حيث يتوقع أن تكون النسبة في حدود 3٪ مقابل أقل من 2,5٪ منتظرة في سنة 2014، وذلك على أساس خاصة ارتفاع القيمة المضافة في القطاع الفلاحي (8٪) وفي الصناعات المعملية (3,8٪) وكذلك الانتعاشة المتوقعة في الصناعات غير المعملية (2,3٪ مقابل -0,9٪) نتيجة أساسا لتحسن إنتاج المحروقات (1,5٪) بعد التراجع المسجل في السنوات الأخيرة.
و في جانب آخر، وبالرغم من تقلص مؤشر الإنتاج في القطاع الصناعي خلال النصف الأول من سنة 2014، لاحظ المجلس أن المؤشرات المتقدمة المتعلقة بتطور النشاط في القطاع عرفت في مجملها تطورا إيجابيا خلال شهري أوت وسبتمبر من نفس السنة )زيادة في صادرات الصناعات التصديرية، وواردات المواد الأولية ونصف المصنعة، والتجهيزات(، وهو ما قد يعكس بوادر انتعاشة في هذا القطاع خلال الأشهر القادمة. وأما بخصوص قطاع الخدمات، فقد لاحظ المجلس تقلص أهم مؤشرات القطاع السياحي من جديد في شهر سبتمبر 2014.
وفيما يتعلق بالقطاع الخارجي، أشار المجلس إلى استمرار توسع عجز الميزان التجاري (+35,5٪ أو 1.532 م.د) ليبلغ 5.843 م.د أي ما يمثل 7,1٪ من الناتج المحلي الإجمالي، خلال الأشهر التسعة الأولى من السنة الحالية، مقابل 5,6٪ خلال نفس الفترة من السنة المنقضية، وذلك نتيجة تواصل تفاقم عجز الميزان التجاري (+20,6٪)الذي تجاوز 10 مليارات دينار، تحت تأثير ركود الصادرات(+0,1٪) مقابل تسارع نسق الواردات (+6,2٪). ولاحظ المجلس أن تفاقم عجز الميزان التجاري يعزى دائما إلى تعمق عجز كل من ميزان الطاقة والميزان الغذائي ( 2,8 مليار دينار و1,2 مليار دينار على التوالي)، اللذين يمثلان أكثر من 82٪ من توسع العجز التجاري الجملي. وعموما، فقد تم تمويل هذا العجز بفضل تصاعد صافي دخول رؤوس الأموال الخارجية في شكل قروض، وهو ما مكن من الإبقاء على مستوى مرضي للموجودات الصافية من العملة الأجنبية، بحوالي 13.089م.د أو ما يعادل114يوما من التوريد بتاريخ 28 أكتوبر2014، مقابل 103أيام في نفس التاريخ من سنة 2013.
وبالنسبة لتطور الأسعار، أشار المجلس إلى التطور الإيجابي المتمثل في التراجع في نسقه للشهر الثاني على التوالي، حيث بلغت نسبة التضخم 5,6٪ بحساب الانزلاق السنوي في شهر سبتمبر 2014 مقابل 5,8٪ في الشهر السابق، وذلك نتيجة خاصة تباطؤ أسعار المواد الغذائية والذي قلص من أثره تسارع تضخم أسعار الخدمات. وفيما يخص نسبة التضخّم الأساسي (ماعدا أسعار المواد المؤطّرة والطازجة)،فقد سجلت استقرارا في نسق تطوّرها لترتفع بـ5,8٪ للشهر الثاني على التوالي.
وبخصوص نشاط القطاع المصرفي، سجل المجلس تماسك قائم الإيداعات خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الحالي (زيادة بـ 6,5٪ مقابل 5,1٪ قبل سنة)، ليشمل بالخصوص الإيداعات تحت الطلب والحسابات لأجل. كما ارتفع حجم المساعدات للاقتصاد، خلال نفس الفترة، بـ 7,6٪ مقابل 5,2٪ في نفس الفترة من سنة 2013، بالعلاقة، خاصة، مع انتعاشة القروض قصيرة الأجل وتدعم نسق القروض متوسطة وطويلة الأجل.
وعلى مستوى قواعد التصرف الحذر، يعتزم البنك المركزي قريبا مراجعة مؤشر نسبة السيولة البنكية بالاستئناس بالمعايير الدولية.
وبالنسبة للتطورات النقدية، لاحظ المجلس ارتفاع حاجيات البنوك من السيولة، من جديد، في شهر أكتوبر الحالي بعد تراجع دام لثلاثة أشهر متتالية، الشيء الذي أدى إلى الزيادة في حجم عمليات السياسة النقدية إلى حدود 5.166 مليون دينار بالمعدل اليومي، إلى غاية 28 من الشهر، مقابل 4.626 مليون خلال شهر سبتمبر الماضي. ونتيجة لذلك، سجلت نسبة الفائدة الوسطية في السوق النقدية بعض الارتفاع لتبلغ 4,94٪، خلال نفس الفترة، مقابل4,92٪قبل شهر.
وعلى مستوى أسعار الصرف، سجل المجلس استقرار قيمة الدينار إزاء الدولار (+0,1٪) خلال شهر أكتوبر الحالي، لتبلغ 1,8035 دينار بتاريخ 27 من الشهر وكذلك مقابل الأورو(-0,5٪) الذي أقفل في مستوى 2,2886 دينار، في نفس التاريخ.
وعلى ضوء هذه التطورات، أعرب المجلس، مرة أخرى، عن قلقه إزاء استمرار الوضعية الهشة للقطاع الخارجي، خاصة مع تواصل تفاقم العجز الجاري الذي أصبح تمويله معتمدا بالأساس على التداين الخارجي في ظل تراجع الاستثمار الأجنبي المباشر، وهو ما يطرح إشكالية التحكم في تطور مؤشرات المديونية خلال السنوات المقبلة، وقرر الإبقاء على نسبة الفائدة الرئيسية للبنك المركزي دون تغيير.
وبالعلاقة مع آخر المستجدات على الصعيد السياسي، ثمن المجلس المناخ الإيجابي الذي ساد عموما طيلة فترة الانتخابات التشريعية ولدى الإعلان عن نتائجها، باعتبار أن اجتياز هذه المحطة الهامة في المسار الانتقالي بنجاح يؤسس لترسيخ نظام ديمقراطي مستقر، ويبعث برسائل طمأنة للمتعاملين الاقتصاديين وخاصة المستثمرين المحليين والأجانب، ويمهد بالتالي لإنجاح المرحلة الانتقالية المصيرية في المجال الاقتصادي.