صباح الخير مدرستي

استفاقت تونس اليوم باكرا. بعد صباحات الكسل الصيفي المثقلة بالنعاس تفشت رائحة القهوة والحليب الساخن من المطابخ منذ الساعات الأولى للصباح وطفقت الأمهات يسعين بين بيوت النوم وبين الأبناء موقظات هذا الولد ومستحثات تلك البنت المتكاسلة. إنه يوم 15 سبتمبر في تونس. يوم العودة المدرسية ويوم مفعم بكل ما لتونس من آمال…يوم يؤم فيه مليونا تونسي يافع مدارسهم وأقسامهم مجسمين هذا العقد الوحيد والجميل الذي عقدته تونس لنفسها منذ استقلالها سنة 1955



صباح الخير مدرستي

 

استفاقت تونس اليوم باكرا. بعد صباحات الكسل الصيفي المثقلة بالنعاس تفشت رائحة القهوة والحليب الساخن من المطابخ منذ الساعات الأولى للصباح وطفقت الأمهات يسعين بين بيوت النوم وبين الأبناء موقظات هذا الولد ومستحثات تلك البنت المتكاسلة.

إنه يوم 15 سبتمبر في تونس. يوم العودة المدرسية ويوم مفعم بكل ما لتونس من آمال…يوم يؤم فيه مليونا تونسي يافع مدارسهم وأقسامهم مجسمين هذا العقد الوحيد والجميل الذي عقدته تونس لنفسها منذ استقلالها سنة 1955 جاعلة من المدرسة الآلية الصاهرة لكل اختلافاتنا وانقساماتنا وفروقاتنا لتخرج منها إنسانا تونسيا جديدا مفعما بما لا يقدر بثمن في العالم , بإرادة الحياة والحياة الكريمة…

ولكن عودة هذه السنة ليست ككل العودات . إنها عودة الثورة, إنها عودة ما بعد الثورة. إنها عودة نعودها ونحن لا زلنا لم نثق كلية في أننا تخلصنا من أوثاننا القديمة ومن عيوبنا القديمة, وعندما ننظر في عيون هؤلاء الصغار الواقفين لأول مرة في حياتهم في ساحة المدرسة ينشدون بكل عفوية وبكل صدق: " إذا الشعب يوما أراد الحياة " لا نملك إلا أن نقول لأنفسنا : مرحى إننا اليوم أحرار في بلادنا مالكون حقا بناصية مصيرنا مقدمون حقا على صباحات جديدة سوف تتكرر ..أكثر حرية وأكثر ديمقراطية…

يتزاحم الأولياء أمام المدارس هذا الصباح. الذين يحملون أبناءهم لأول مرة يمكن فرزهم بسهولة . يكفي لذلك أن ترصد بريق الأعين. ليس لهذه اللحظة من نظير في حياتهم أو ربما لحظات قليلة أخرى . إنها لحظة يتحول فيها صغيرك من التبعية إلى الفعل, من مجرد عبء يجب أن توفر من جهدك ومن وقتك له الكثير إلى وعد برجل أو وعد بفتاة سوف يتخرج يوما من الجامعة ويحمل اسمك ويمشي في الأرض منتصرا … بعد هذه اللحظة الأولى . اللحظة التأسيسية الكبرى.

هذا هو التونسي. هذا هو أغلى ما يملك وأهم ما يملك , وهذا ما يجعلنا جميعا عندما تتكالب علينا الأيام وعندما نيأس من بلدنا أحيانا ومن مواطنينا في أحيان كثيرة نسرع فنتذكر أنهم أبناء هذه المدرسة الكبيرة ’ مدرسة الجمهورية’ ونوقن عندئذ أنه رغم كل شيء فلا خوف على تونس ما دامت مدارسها مفتوحة . وكل عام ونحن جميعا تلاميذ.

 

 

علي العيدي بن منصور

 

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.