تونس ــ “دار الأنوار” في مهب الاعتصامات والإضراب عن الطعام فما خلفية الأزمة؟

تتواصل في دار الأنوار لعبة لي الذراع بين إدارتها وبين نقابتها الأساسية وفيما تواصل الإدارة ثباتها على مبادئها تستمر النقابة الأساسية في تسجيل النقاط لصالحها نقطة تلو الأخرى لعل آخرها ما تحققه حاليا من مكاسب معنوية في ظل إضراب الصحفية وفاء بوجميل وزميلها التقني صالح جعفر عن الطعام.



تونس ــ “دار الأنوار” في مهب الاعتصامات والإضراب عن الطعام فما خلفية الأزمة؟

 

تتواصل في دار الأنوار لعبة لي الذراع بين إدارتها وبين نقابتها الأساسية وفيما تواصل الإدارة ثباتها على مبادئها تستمر النقابة الأساسية في تسجيل النقاط لصالحها نقطة تلو الأخرى لعل آخرها ما تحققه حاليا من مكاسب معنوية في ظل إضراب الصحفية وفاء بوجميل وزميلها التقني صالح جعفر عن الطعام.

الموضوع يبدو مهما وخطيرا في آن واحد لسببين اثنين أولهما مكانة دار الأنوار في المشهد الإعلامي التونسي باعتبارها إحدى أهم المؤسسات الصحفية بصحفها الثلاث (الأنوار والشروق ولوكوتيديان) وثانيهما إمكانية تأثر بقية المؤسسات الصحفية التونسية بما يحدث في دار الأنوار. فما أصل الخلاف بين الطرفين (الإدارة والنقابة الأساسية)؟ وكيف تطور؟ وما مدى خطورته؟
سنحاول الإجابة عن هذه الأسئلة الجوهرية وغيرها بكل حياد ووفق ما يمليه علينا واجب الموضوعية الصحفية اعتمادا على ما جمعناه من معلومات من أطراف متنوعة.

وننطلق بديهيا من تعريف دار الأنوار هيكليا.

تتكون الدار حاليا من رئيس مدير عام (السيدة سعيدة العامري) تشرف مباشرة على القسم الإداري والقسم الصحفي (التحرير والطباعة)، والملاحظ أن مشاغلها تضاعفت في القسم الأول بعد خروج المدير العام المساعد عمر الطويل خلال الصائفة الماضية ثم استقالة المدير المالي. فيما تستعين في القسم الثاني بعدد من رؤساء التحرير ورؤساء الأقسام لكن بعض المعلومات تؤكد أن هذه الاستعانة لا تعني التشاور بل إملاء القرارات حتى إن كانت خاطئة وهذا ما سبب ضربة قاسمة لدار الأنوار باستقالة سكرتير التحرير الأول (حبيب القيزاني) منذ أسابيع بعد عقود من العمل صلب الدار.

إذن تبدو الإدارة (الطرف الأول في النزاع) ممثلة في الرئيس المدير العام ومن والاها من الإداريين والصحفيين والتقنيين والعمال، فيما نجد الطرف الثاني ممثلا في النقابة الأساسية المتكونة من عدد من الصحفيين والتقنيين والعملة والممثلة الشرعية نقابيا لكل من ينتسب إلى دار الأنوار حتى الإداريين منهم.

تصادم

كان من البديهي على النقابة الأساسية أن تتبنى مشاغل من تمثلهم وكان من المفترض أن تدور النقاشات في أجواء ودية على أن تكون القوانين (قانون الشغل والاتفاقية القطاعية والعرف) فيصلا بين الطرفين لكن بعض الأطراف المحايدة تؤكد أن الإدارة أبدت منذ سنوات تصلبا كبيرا في معالجة بعض المواضيع المهمة استنادا إلى تموقعها في موقع القوة. فلما تغير نظام الحكم، أمل جميع المعنيين والملاحظين في بدء صفحة جديدة يتم فيها تغليب مصلحة دار الأنوار لما فيه خير الجميع لكن لا شيء تغير في المواقف بل اشتدت لعبة لي الأذرع بين الطرفين.

فشلت الإدارة في احتواء أعضاء النقابة الأساسية ثم في سياسة التشدد (الاستجوابات لأسباب مهنية) فكان أن توجه تفكيرها إلى اللعبة الديمقراطية فاستغلت فرصة الانتخابات النقابة لتحلم بصعود أعضاء جدد يوالونها ضمن النقابة الأساسية وتجندت لهذا الحدث بكل ثقلها المالي والأدبي ونفذت حملة انتخابية كبيرة تحدث فيها خصومها عن تجاوزات خطيرة (إغراء بعض المقترعين وترهيب بعضهم الآخر و"شراء" اشتراكاتهم من مالها الخاص…)
لكن النتيجة كانت كارثية بالنسبة إليها فالتصويت الذي كان على الأسماء وليس على القوائم لم يفض إلى صعود أي اسم من القائمة الموالية للإدارة وهو ما اعتبره الملاحظون فوزا باهرا للفائزين الذين لم يملكوا الإمكانات المالية للقيام بحملتهم الانتخابية.

تسجيل النقاط لم يتوقف عند هذا الحد بل تواصل في ما هو أهم إذ تمكنت النقابة من كسب ود وتعاطف العديد الأطراف أهمها النقابات الأخرى والصحفيون والمهتمون بالشأن الإعلامي بالإضافة إلى الرأي العام.

ثم كانت واقعة الإضراب عن الجوع المتواصلة حاليا والتي حققت للنقابة نقاطا بالجملة فما هي مظاهر هذه الأزمة؟ وتطوراتها؟
اعتصام وإضراب جوع
بطلا هذه الأزمة صحفية مبتدئة اسمها وفاء بوجميل وتقني شاب اسمه صالح جعفر كانا يعملان في قسم الموقع الالكتروني للشروق وقد قررت الإدارة فصل الأولى عن عملها ولمحت إلى إمكانية تسريح الثاني فقررا الدخول في إضراب جوع.

ما يؤكده الجميع أن هذا التصرف كان تلقائيا أي قبل أن تتدخل الجهات النقابية لتدارس الموضوع ولكن النقابة الأساسية تدخلت لاحقا وانضمت إليها نقابة الوطنية للصحفيين التونسيين والنقابة العامة للثقافة والإعلام ثم نقابة الصحفيين الشبان وتمكن ممثلوها من التحدث إلى الرئيس المدير العام التي تعللت بأنها على حق وأنها حرة في اتخاذ القرارات التي تراها صائبة في إطار القانون وأكدت بالتالي عدم تراجعها في قرارها.

وجدت النقابة الأساسية نفسها هذه المرة مدعومة بشدة من النقابات الأخرى المؤثرة وتمسكت بمخالفة قرار الفصل للقانون فما كان من الإدارة إلا أن أخرجت الصحفيين المعتصمين داخل مقر دار الأنوار بالقوة وفي ساعة متأخرة من الليل، فكان رد فعل النقابات في الدعوة إلى وقفة احتجاج الجمعة الماضية يكون مشفوعا باعتصام عام.

هذا الاعتصام قطعته عطلة العيد ومن المقرر حسب مصادر مقربة من النقابات المعنية استئنافه أواسط هذا الأسبوع حتى تجبر الإدارة على مراجعة سياستها. ولكن لماذا تم الوصول إلى هذا الطريق المسدود؟

مصلحة دار الأنوار

من الغرائب أن كل طرف يستند في مواقفه وقراراته ونظرته على مصلحة دار الأنوار فالإدارة ممثلة في رئيسها المدير العام ترى نفسها أمام مسؤولية جسيمة وهي الحفاظ على دار الأنوار وما بلغته من نجاح وتعتبر خصومها "انقلابيين" لا يهمهم غير تحقيق مصالح شخصية ضيقة على حساب الدار.

أما خصومها داخل النقابة الأساسية وخارجها فيرون أنفسهم الجديرون قبل غيرهم بحماية الدار لأنهم الأكثر دراية واطلاعا مقارنة بخصومهم.
ويلوحون في كل مناسبة إلى التأكيد بأن الرئيس المدير العام ترتكب الخطأ تلو الآخر نتيجة استماعها لمن يفكرون في مصالحهم الشخصية الضيقة ومعاداة من يفكرون في المصلحة العامة.

 

الأزمة إذن في طريقها نحو التصعيد وكل طرف يرفض التنازل ولو قيد أنملة عن مطالبه وآرائه لأن التنازل لا يتعلق بالكبرياء فحسب ولكنه يعني أيضا خسارة النقاط أمام الطرف الآخر فيبقى المتضرر الأهم دار الأنوار التي آنستنا طويلا بنجاحاتها وزلاتها.

 

 

عادل العبيدي

 

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.